رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"انتحار في الأيام الحُرُم".. حكايات أشخاص اختاروا مدفع الإفطار ليسدل ستار النهاية

جريدة الدستور

"أنا مخنوق وسامحوني أرجوكم ادعو لي".. رغم أنها كلمات تبدو عادية إذا كتبت على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لكنها تسببت في حالة من الهلع في قلب "سيد رمضان" حين رآها مكتوبة على الحساب الشخصي لشقيق زوجته، وكان الأخير امتنع عن زيارة عائلية رفقة والدته لبيت شقيقته لعزومة إفطار، وفهم "سيد" المنشور أن كاتبه ينوي فراق عالمه.

يذكر "سيد" أن محمد، صاحب السبعة وعشرين عام قد هدد بذلك قبل حلول شهر رمضان، لكن أسرته لم تأخذ كلامه على محمل الجد لاسيما أنه لم يكن التهديد الأول، فتركه لعمله منذ مدة أمر معتاد، خاصة أن عمله ليس مستقرا ويعتمد على الطلب الدوري في تجهيز الوحدات السكنية.

العمل ليس السبب الوحيد لألم محمد النفسي، فإلى جانبه كان وقوعه في غرام ابنة جاره وتقدم لخطبتها، ولكنه فشل في إقناع والدها نظرًا لعدم قدرته المادية، وكل تلك الأزمات وردت في ذهن "سيد" بمجرد أن قرأ كلمات نسيبه. هرول لمنزل حماه الذي يقع في نفس منطقته - بهتيم التابعة لمركز شبرا الخيمة، وبمجرد دخوله غرفة "محمد" وجده قد لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن شنق نفسه بملاءة سرير.

ليست تلك الحادثة الوحيدة التي شهدت انتحارًا في نهار رمضان، فمثله كان "أحمد. ع" صاحب الـ٢٥ عاما، والذي لايزال في المرحلة الجامعية، ورغم أنه من سكان "الرحاب" هذا الحي الراقي، وعدم تعرضه لأزمات نفسية، إلا أنه اختار الجمعة الماضية التي توافق اليوم الخامس من شهر رمضان ليكون موعد مفارقته للحياة، وحين تلقت أجهزة الأمن بلاغًا من خفير منزله وأقبلت لتتحقق وجدت رسالة انتحار مفادها أن ما يمر به من أزمات كان دافعه لإنهاء حياته، خاصة أن كل من حوله من أصدقاء وأقارب قد تخلوا عنه.

أحمد كان يبرر أن سفر والده للعمل في أحد دول الخليج هو السبب في شعوره بالعزلة الاجتماعية، خاصة أنه لم يتمكن من تكوين روابط أسرية مع الأقارب لوالده، وضاعف أساه وفاة والدته في سن صغيرة.

• "فرويز": تبديل الفصول السبب
- كان اختيار عدد من الحالات لنهار رمضان هو الغريب، والملفت أنه لا يمر يومًا دون أن تُدون سجلات النجدة حالة انتحار متزامنة مع موعد الإفطار، لكن هناك تفسير وبُعْد نفسي أعطاه الدكتور جمال فرويز دكتور علم النفس لاختيار هذا التوقيت تحديدًا، هو حالة الطقس والتغير المستمر فيه حاليًا لتبديل الفصول، فهناك نوع من الاكتئاب الدوري والمصاب به يستيقظ صباحًا وهو في أسوأ حالاته النفسية، ويزداد سوءًا في باقي ساعات النهار ويتحسن مساءً، خاصة مع تأثر بعض المراكز العصبية التي يقل فيها الأندروفين والدوبامين والستروبين في الساعات الأولى، ويعودوا للمعدل الطبيعي بعد الإفطار، لكن حينها يكون اتخذ قراره بإنهاء حياته سلفًا فلا يستطيع الانتظار ويُقدَّم على تنفيذ قراره لشعوره أنه هو الجزء السيئ في الكون.

أما عن تركه لرسالة تُنذر برحيله، ففيوضح "فرويز"، أنها رغبة منه في إشعار مر حوله بالذنب فيما وصل إليه، فهو يظن أنه بذلك يقتص لنفسه.

المكتئبين ليسوا وحدهم من يقبلوا على الانتحار كما يصنفهم "فرويز"، فهناك فئة أخرى تُسمى "العُصابين" وأغلب من فيها هم من المراهقين أو من يزالوا في كنف أسرهم، فهؤلاء غالبًا ما ينظروا للانتحار بعين التجربة فإذا نجوا منه يتفاوضوا مع أسرهم على نيل مكاسب كيلا يقوموا بذلك تارة أخرى، وتلك المجموعة من الممكن أن يتقلص حجمها نهائيًّا بالضم والتكافل داخل الأسرة وإشعار المراهق بقيمته، خاصة أنه لو كان السبب علاقة عاطفية أو رغبة في تغيير ملامح العمل والمستقبل.

يكمل فرويز، أن هذه الأيام العديد ممن يقبل عليه في عيادته هذه الأيام يأتي محملًا بأفكار انتحارية غير راغبًا في إكمال حياته وخاملًا عن اَي أنشطة فيها وهنا دخول مصح نفسي أمر وأحب.

• "الأطرش" الانتحار آثم وحرام شرعًا ولا يعلله إلا المرض النفسي
- لجأنا للعالم الأزهري "عبد الحميد الأطرش"، للاستفسار عن وجود فتوى أو نص يُحل الانتحار ويرفع الاثم في نهار رمضان، وهو ما نفاه كليًّا وجزئيًا فالانتحار نوع من قتل النفس الذي حرمه الله على عباده دومًا ودائمًا، مضيفا: من يختاره في اَي وقت هو قنوط من رحمة الله ويأس من عونه له، حتى وإن أصيب بحالة سيئة أو ضائقة مادية فهو يشعر أن هذه نهاية العالم الذي يرغب في مغادرته، وغياب الوعي الديني والتفكك الأسري يُوزعه لفعل هذا دون الرجوع لما هو حلال او حرام.

ويكمل الأطرش، أن المريض النفسي أيًّا كان دينه إذا تم تذكيره بنصوص الدين سيعلم أن الله حوله ويرعاه فلن يفكر فيما آل إليه.