رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ولاية «داعش» الهندية!



طائرة تابعة لشركة الطيران الهندية، اختطفها خمسة إرهابيين، أواخر ديسمبر ١٩٩٩، وأجبروا قائدها على الهبوط فى العاصمة الأفغانية كابول، التى كانت وقتها تحت سيطرة حركة طالبان وتنظيم القاعدة. ومقابل حياة ١٧٦ راكبًا و١٥ هم أفراد طاقم الطائرة، ساوم الإرهابيون الحكومة الهندية على إطلاق سراح ثلاثة من زملائهم، بينهم «مسعود أظهر» الذى تم سجنه سنة ١٩٩٤ فى اتهامات تتعلق بالإرهاب، وتفاخر أمام سجّانيه بأنهم لن يتمكنوا من إبقائه داخل السجن!.
اضطرت الحكومة الهندية إلى الإذعان، وقبول عرض الإرهابيين الخمسة، الذين كان أحدهم إبراهيم أظهر الشقيق الأصغر لمسعود. وقبل مرور سنة على إطلاق سراحه، أقام «أظهر» جماعة اسمها «جيش محمد»، بدأت نشاطها بشن هجوم على البرلمان الهندى راح ضحيته عشرات الأشخاص. ووقتها أعلنت السلطات الباكستانية أنها اعتقلت «أظهر» ووضعته قيد الإقامة الجبرية، لكن سرعان ما تم الإفراج عنه لـ«عدم كفاية الأدلة» ضده. وبزعم عدم كفاية الأدلة أيضًا، رفضت باكستان كل مطالبات الهند لها بتسليمه، وصار «أظهر» وجماعته، مصدرًا دائمًا للتوترات بين نيودلهى وإسلام أباد التى تزعم أنها حظرت نشاط تلك الجماعة، بينما يقول الواقع إنها لا تزال موجودة وتمارس نشاطاتها، بهذا الاسم، «جيش محمد»، أو بأسماء مختلفة: «أفضل جورو»، «المرابطون» أو «طريق الفرقان».
كشمير، متنازع عليها، منذ تقسيم الهند وقيام دولة باكستان سنة ١٩٤٧. وبسبب تلك المنطقة التى توصف بأنها «جنة على الأرض محاطة بالنيران» اندلعت عدة حروب بين البلدين، واقترحت الأمم المتحدة أن يتم اقتسامها، لكن هذا القرار ظل حبرًا على الورق ولم يجد طريقه للتنفيذ. لكن بعد حرب ١٩٧١ التى دعمت فيها الهند باكستان الشرقية، وانتهت بانفصالها وقيام جمهورية بنجلاديش، تم الاتفاق على خط هدنة على طول الحدود بين البلدين، صار معروفًا باسم خط المراقبة. وتم توقيع «اتفاقية شِملا» سنة ١٩٧٢، الذى احتفظت الهند بموجبه بجزء من كشمير، عاصمته سريناجار، فى حين احتفظت باكستان بجزء آخر، عاصمته مظفرأباد، غير أن المواجهات لم تتوقف، وظلت الهند وباكستان على حافة الحرب.
اختصرنا الصراع المزمن، بهذا الشكل المخل طبعًا، لنشير إلى أن مظفرأباد، عاصمة القسم الخاضع للسيطرة الباكستانية من كشمير، هى معقل «أظهر» وجماعته التى احتشدت فى يوليو الماضى، لتستمع إلى خطاب تليفونى ألقاه من مكان مجهول، أكد لهم فيه أن لديه آلاف على استعداد للقتال حتى الموت. ودفع هذا الخطاب السلطات الهندية إلى تشديد الإجراءات الأمنية فى المطارات تحسبًا لعملية اختطاف، كتلك التى أشرنا إليها، لكن ما حدث كان هجومًا انتحاريًا وقع فى ١٤ فبراير الماضى، راح ضحيته أكثر من ٤٠ جنديًا فى «بولفاما» بكشمير الهندية، أو ذلك الجزء من كشمير الذى تسيطر عليه الهند، لتتجدد كالعادة التوترات بين الهند وباكستان. وطالبت وزارة الخارجية الهندية باكستان بـ«وقف دعم الإرهابيين والجماعات الإرهابية التى تنشط على أراضيها وتفكيك البنية الأساسية».
كعادتها، مع أى مطالب تربطها بالإرهاب، استنكرت باكستان تلك الاتهامات، وأكدت أنها تدين دائمًا أعمال العنف فى أى مكان فى العالم. ولما شنت الهند غارات جوية، نفت باكستان أن تكون قد تسببت فى أى أضرار أو إصابات كبيرة، لكنها وعدت بالرد. وفى اليوم التالى، قالت إنها أسقطت طائرتين تابعتين للقوات الجوية الهندية فى مجالها الجوى. ولم تهدأ حدّة التوترات إلا بعد إعلان عمر خان، رئيس الوزراء الباكستانى، إطلاق سراح طيّار هندى، كانت القوات الباكستانية قد أسقطت طائرته فى معركة جوية!.
بعد جهود مضنية تمكنت نيودلهى من انتزاع قرار من مجلس الأمن بإدراج المذكور على قائمة الإرهاب الخاصة للأمم المتحدة. ولا يعنى ذلك أن الهند قد تتمكن من تسلمه من باكستان التى قامت، فور صدور قرار مجلس الأمن، بالإعلان عن تجميد أصول «أظهر» ومنعه من شراء أسلحة وذخائر. وبالطبع، حال مطالبتها بتسليمه، سترد، بأن مكانه غير معروف، مع أن الموقع الإلكترونى لوزارة الخزانة الأمريكية يقول إنه يسكن فى مدينة «بهاولبور» فى إقليم البنجاب، شرقى باكستان. والأكثر من ذلك، هو أن هناك تقارير عديدة أشارت إلى أنه يدخل ويخرج من كشمير الهندية بجواز سفر برتغالى. وبكل تأكيد ستختلف كل الأمور مع إعلان تنظيم «داعش»، عن قيام ولايته الجديدة هناك!
السلطات الهندية التى أنقذت حياة ١٩٠ مواطنًا، منذ عشرين سنة، تسببت بإفراجها عن ذلك الإرهابى، أو الإرهابيين الثلاثة، فى مقتل آلاف، وقطعًا سيكون هناك آلاف آخرون، بعد أن أعلنت «وكالة أعماق» التابعة لتنظيم «داعش الإرهابى»، منذ ساعات، أن التنظيم أسقط عددًا من جنود الجيش الهندى فى كشمير، وأقام ولاية جديدة، قالت إن اسمها «ولاية الهند»!.