رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا



بمرور العمر أصبح لدىّ تصور أن الأشخاص لا تغيرون، وأن الشخصيات تظل كما هى حتى بعد مرور الأعوام، رأيت أشخاصًا أنانيين لم تزدهم الأيام إلا أنانية، وأشخاصًا قساة لم يحدث إلّا أن تصلبت قسوتهم، هذا التصور الذى تكون لدىّ لا يعجبنى، ولا يتفق مع طبيعتى المتفائلة والمؤمنة بالإنسان.
أحب جدًا هذه القصص والمرويات عن تحول البعض عن طريقه إلى طريق آخر، بمجرد أن سمع نداءً أو هاتفًا أو رأى حلمًا فى منامه، تعجبنى قصة «مالك بن دينار» الذى كان مدمنًا على الخمر ورأى فى المنام ما غير حياته وطريقه.. يقولون كان مالك فى شبابه جنديًا وكان سكيرًا، يشرب الخمر كشرب الماء، وكان يترك الصلاة، ثم مات ابنه، فرآها فى المنام كأن ثعبانًا يطارده فالتجأ إليها، فقام من النوم وهو يبكى جزعًا وخوفا وتاب إلى الله.
وقصة الفضيل بن عياض، أحد أعلام المتصوفين، الذى كان قاطع طريق، مرهوب الجانب حتى أن الأمهات كن يُخفن به أطفالهن، فسمع يومًا تاليًا «ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم»، فقال بلى يا رب، وترك قطع الطريق وجاور البيت الحرام.
ليس هذا فقط بل يمتلىء التراث الإنسانى بحكايات كثيرة عن الأشرار والظالمين وحتى الغيلان، الذين يلتقون برجل طيب، حكيم، وتتبدل أحوالهم بعد عبارة بليغة يسمعونها، وينتقلون من ضفة لضفة.
ما يعجبنى فى هذه الحكايات ليس توبتهم إلى الله وتفانيهم فى العبادة، فهذا أمر ثوابه وفائدته لهم وحدهم. ولكن يبهرنى تحولهم فى علاقاتهم بالبشر المتعاملين معهم، رحمتهم ورأفتهم ببنى الإنسان.. كيف تتحول النار إلى نور؟ كيف يتحولون من أذى ومنكر إلى طيب وجنة؟
يقول الفضيل بن عياض: لا يكون العبد من المتقين حتى يأمنه عدوه.. والله ما يحل لك أن تؤذى كلبًا ولا خنزيرًا بغير حق، فكيف تؤذى مسلمًا.
و دخل يوما لص على مالك بن دينار، فما وجد ما يأخذ، فناداه مالك لم تجد شيئًا من الدنيا، أترغب فى شىء من الآخرة؟ قال: نعم، قال: توضأ وصل ركعتين، ففعل ثم جلس وخرج إلى المسجد، فسئل من ذا؟ قال: جاء ليسرق فسرقناه.
فما بالنا الآن.. حولنا عشرات ممن يظلمون ويأكلون أموال الناس بالباطل، من يستحلون مال اليتيم وأعراض الناس، وحولنا أيضًا مئات الخطباء والوعاظ. الكلمات البليغة تنساب من الأفواه، فلا تدمع عين ولا يرتجف قلب، فهل طمس على قلوبنا، هل ننتظر أن نرى الملائكة؟ وأن تمس أجنحتهم أرواحنا كى نستقيم، أم أمن الغفلة والشرك أننا لا نعرف كم نحن قبيحون وسيئون، «الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا».
رجاء إذا كانت لديكم قصص واقعية شهدتم عليها عن بشر تغيرت شخصيتهم ومستهم الرحمة فطابوا وطابت أيامهم.. أرسلوها لى.