رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لولى ومرجان «4»

محمد العسيري يكتب: سبحة ومدفع وعبدالمطلب

محمد العسيري
محمد العسيري

مافيش فينا حد حب الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم إلا وسمع عن «حارة حوش قدم» اللى فى الغورية.. واللى راحوا زاروهم هناك شعراء.. ممثلين.. سفرا.. ناس على باب الله.. لا بد أنهم شاهدوا «اليافطة» اللى كانت فى أول الشارع.. ولاحظوا وجود نقطة على حرف الحاء.. ليكشفوا أن الحارة اسمها «خوش قدم». واللى بيحبوا الحكاوى زى حالاتى.. لا بد أنهم بحثوا عن سر «التسمية».. واكتشفوا أنها ما كانتش «حوش» أبدًا.. وإنما هى اسم لحاكم مملوكى ومعناها «قدم الخير».

* التفسير الشعبى لهلال رمضان

الحاكم ده.. واللى عرفناه باسم السلطان «خوش قدم الناصرى المؤيد».. كان مجرد مملوك.. اشتراه تاجر مصرى اسمه «الخواجة ناصرالدين».. ثم باعه للملك «المؤيد شيخ المحمودى» الذى أعتقه وألحقه بوظيفة «جمدار» ومعناها المشرف على «ملابس السلطان».. وخطوة تلو أخرى وصل عمنا «خوش قدم» للسلطنة.. وأصبح حاكمًا على مصر.. ولأن عادة ذلك العصر كانت الصراع على السلطة.. فكان الرجل لا يسمح لأى رأس طامع بأن يظهر.. كان بيقتلهم بدرى بدرى ومن هواياته كان اقتناء الأسلحة الحديثة.. وفى أول يوم من شهر رمضان عام ١٤٦١ ميلادية كان صاحبنا «قدم الخير» مشغولًا بتجريب مدفع وصل إليه حديثا- قيل من ألمانيا- فانطلقت قذيفة ساعة أذان المغرب فظن المصريون الصائمون أنه ينبههم إلى موعد الإفطار.. فخرجوا إلى القلعة- موضع الحكم- ليشكروه.. ففرح وقرر أن يستمر إطلاق المدفع عند أذان المغرب يوميا وفى موعد الإمساك أيضا.. ومن يومها بقى اسمه «مدفع رمضان».. ولم يستمر المدفع طويلًا فى عمله لأسباب غير معروفة.. فذهب وفد من المصريين للسلطان يطلبون استمراره فلم يجدوه ووجدوا زوجته- كانت تدعى الحاجة فاطمة- التى نقلت شكواهم للسلطان فأعاده للعمل فأطلق الأهالى على المدفع اسم الحاجة فاطمة.

وبدون أسباب مفهومة أيضا نسب بعض المؤرخين الاسم إلى فاطمة بنت الخديو إسماعيل، التى قيل إنها كانت موجودة أثناء تجريب أحد المدافع من قبل «جندى» فى الجيش فخرجت قذيفة خاطئة لحظة الإفطار.. فأصدر الخديو أوامره لاستمرار العادة.

لكن الثابت أن المدفع كان يعمل بالذخيرة الحية.. وبسبب انتشار العمران بالقرب من القلعة أصبح من الصعب استمرار عمله حتى صدر قرار الوزير أحمد رشدى عام ١٩٨٣ بإعادة إطلاق المدفع من فوق القلعة.. لكن الأثريين اشتكوا من تأثير القذائف على الآثار المحيطة فتم استبداله بصوت المدفع فى الإذاعة.

الطريف أن «خوش قدم» صاحب أول مدفع رمضانى فى مصر هو نفسه صاحب «قصر العينى».. كان هو صاحب القصر لكنه لم يكن صاحب الفكرة.. فصاحبها هو أحمد بن عبدالحليم بدرالدين العينى، الذى عينه «خوش قدم» أميرًا للحج.. وهو الذى دعا «خوش قدم» لافتتاحه عام ١٤٦٦م فذهب السلطان وشاهد النيل وافتتح القصر وأنعم على صاحب فكرته برتبة «أمير العسكر».. ذلك الرجل الذى خلده المصريون بأن أطلقوا اسم الشارع الذى يربط بين ميدان التحرير والقصر على اسمه..

لماذا نحكى هذه الحكاية الآن؟.. لأننا لا نستطيع أن نتجاهل ثلاث أغنيات يعتبرها المصريون «التفسير الشعبى لهلال رمضان».. إحداها عن المدفع الذى صار لصيقًا بصوت الأذان الذى يخرج من حنجرة الشيخ محمد رفعت.. أما الأغنيتان الأخريان فهما سبحة رمضان.. ورمضان جانا لمحمد عبدالمطلب.

الأولة.. بوجى وطمطم
قبل أن نتذكر «بوجى» لا بد أن نتذكر من صنعه أو بالأحرى صنع أغنيته.. عمنا صلاح جاهين وعشان مانرغيش ونقول هوه مين.. ممكن نفتكر عمنا فؤاد حداد قال عنه إيه:
«ولا كل من له كلمة صابحة فى ربع صفحة وآراؤه صالحه صلاح جاهين». عمنا صلاح الفيلسوف الطفل.. مصرى روحه فى رمضان.. راصد جيد لعلاقته بالقاهرة والناس فيها.. ألم يكن هو الذى كتب وغنى هانى عادل وهانى الدقاق.. وأيضا فريق نغم مصرى:
«النور ملو الشوارع ومليون راديو والع الساعة اتنين صباحا لكن إيه الموانع؟ الخلق رايحة جاية والدنيا لسه حية
مليانة بالهأو.. أو وزعيق القهوجية واحد يقول لواحد خليك يا عم قاعد التانى يقوله شكرًا ده أنا م المغرب مواعد فيه سهرة لسه عندى فى بيت فلان أفندى حناكل حاجة حلوة ونشرب تمر هندى».


وبينما كنا جميعا نشرب التمر هندى.. كان الأطفال من كل حدب وصوب يتسمرون أمام شاشة التليفزيون ينتظرون بوجى وطمطم فى نفس السنة التى أعاد فيها الوزير أحمد رشدى مدفع رمضان للانطلاق مجددًا.. لينطلق عم صلاح معه بصوت هالة فاخر ويونس شلبى:
«إحنا بنحبك.. يا رمضان وخصوصا عشرة رمضان احتلوها بكل بواخة واستمرو فيها ست سنين والجيش المصرى متضايق مستنى جوه الخنادق بالمدافع والبنادق ووراه كل المصريين».

لم تكن تلك الأغنية الطفولية التى تعمد عمنا صلاح أن يحكى لأطفالنا قصة انتصار أكتوبر العظيم من خلالها هى الوحيدة.. بل كانت المقدمة نفسها للبرنامج الذى استمر لسنوات:
«مدفع الفطار ساكت طول النهار وساعة المغرب على طول يضرب ويقول «هيه» يلا نجيبه».
لتعزف الموسيقى «سلام مربع» تحية لمدفع رمضان..
عمرك ٢٠٠ سنة وكلك جدعنة وآخرك هنا تضرب ونسمعك ويقول مذيع الأخبار «مدفع الإفطار».. بصوت صلاح جاهين.

حلقات بوجى وطمطم.. تضمنت عشرات الأغنيات التى تعرض للتاريخ المصرى.. وحكايات مصر والمصريين.. وطقوسهم أيضًا.. وكان من الطبيعى أن تكون من بينها أغنية عن رمضان.. وفانوس رمضان.
«حالو.. يا حالو رمضان كريم يا حالو تيته يا تيته.. هاتى شكلايته لنعمل زيطة.. يا حالو أنا فانوسى فيه شمعة
مليون سنة تفضل والعة ماتنطفيش أبدًا منى أنا فانوسى فيه بوتاجاز يخبز عليه واحد خباز وأحطه يطلع لى الجنى وإيه يعنى كل الفوانيس غنى ورخيص علشان نهيص ونغنى حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو... إلخ

الموسيقى التى تقطر عشقا فى رمضان بأصوات هالة فاخر ويونس شلبى صنعها واحد من حوارى السيدة زينب اسمه إبراهيم رجب.. هو نفسه ملحن «البيه البواب».. وملحن «وكل واحد مننا يسبق حصان خياله».. وهو الذى بدأ حياته فى مسرح العرائس.. فكان طبيعيا أن تتحول العروسة بوجى.. أو العروسة طمطم التى صنعها عمنا محمود رحمى إلى لحم ودم.. وغنوة من «روح رمضان».

*وملايكة تطوف.. وعنينا تشوف
المسبحة.. هى مجموعة من الخرز متساوية الحجم والشكل انتظمت فى شكل بديع يجمعها خيط من النايلون يمر من خلال ثقوب الخرز ليجمع طرف الخيط عند مئذنة ثم يربط بكركوشة ومن أسمائها حسب د. عزيز الحجية فى كتابه «بغداديات السبوحة».. وقيل إنها مستعارة من أصل استعمالها وهو «التسبيح» أى الذكر والصلاة أو الدعاء.. وقيل أيضا إن أصلها مجموعة من «الحصوات» كان الصالحون يستعملونها لضبط عدد الصلوات والأوراد.. ثم تطورت أنواعها وأعدادها ما بين مائة حبة وواحد.. وتسعة وتسعين خرزة.. وثلاثة وثلاثين حباية كما هو الحال فى أغنيتنا البديعة التى كتبتها نبيلة قنديل ولحنها زوجها على إسماعيل وغناها فريق «الثلاثى المرح».


وفى ذلك السياق، يؤكد الباحث صلاح عبدالستار الشهاوى أن «البندقية» من أشهر البلدان التى تخصصت فى صناعتها وعرفت بالزجاجية الملونة.. فيما عرفت فى الصين بالعاج المنقوش.. ويضيف: «التسبيح سنة بدأت منذ عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهى فى كل الأحوال علامة للتقوى عند البعض.. ووسيلة للذكر عند الآخرين ومظهر لا تكتمل الوجاهة إلا به عند فصيل ثالث».
والمهم فى دراسة الشهاوى أنه يؤكد أنها عادة لا تقتصر على المسلمين بل عرفتها اليهودية والمسيحية قبل أن يعرفها المسلمون.. وكانت تصنع من «نوى البلح» وبذور نبات «الخروب» وخشب شجر الزيتون.. والأبانوس والصندل.. وكانت بعض الشعوب القديمة تؤمن بقدسيتها وتغسلها بالماء ثم يشربونها كدواء.. وتشير الآثار العتيقة لاستعمالها فى المقايضة.. واستخدمها الرهبان فى صلواتهم كمظهر من مظاهر التقرب إلى الله..
بعض المصادر تؤكد أيضا أن البوذيين والهندوس استخدموها كإحدى وسائل العبادة.. واختلف عدد حباتها من ديانة لأخرى.. فعند المسيحيين ما بين ٤٥ حباية و٦٦ حباية.. بحسب عمر عيسى بن مريم، حيث اختلفت الروايات فى تحديد عمره.. ويعلق فى نهاية السبحة صليب.. أما عدد حبات سبحة اليهود فهو ما بين ١٧ حباية و٢١ حباية.. أما المسلمون فهى أثلاث «٣٣ - ٦٦ - ٩٩» حباية بعدد أسماء الله الحسنى.
وجاء فى صحيح مسلم عن ابن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان إذا قعد فى التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة، وروى الديلمى فى مسند الفردوسى أن النبى محمد قال «ونعم المذكر المسبحة».

وفى ذلك ما ينفى ارتباط المسبحة بالمتصوفة من الشيعة.. أو كونها دخيلة على المسلمين، وهو الأمر الذى نفاه جلال الدين السيوطى، الذى كتب رسالة فى المسبحة انتهت بقوله إن لها أصلًا من السنة.. وإن جماعة من الصحابة منهم أبوهريرة وعائشة وأبوالدرداء كانت لهم «مسبحة».
وقيل إن أبانواس الشاعر الشهير عندما تم حبسه من قبل الخليفة لمجونه وخلاعته كتب:
«المسابيح فى ذراعى والمصحف فى لبتى مكان القلادة ولقد طال ما لقيت ولكن أدركتنى على يديك السعادة».
المهم أن أحد كتابنا العرب واسمه ربيع فواز قال فى ١٣ مارس ٢٠٠١ بجريدة «الحياة» اللندنية إن السبحة «تراث عالمى صار جزءا من التراث العربى الإسلامى» وإن اليهود كانوا يسمونها «ماه بركوت» أى «المائة بركة».. لأنهم كانوا يسبحون لله بها مائة تسبيحة.. وأخذها المسيحيون عنهم، فلما جاء الإسلام اقتبسها «الحنفاء» من النصارى.. فى العصر الأول من زمن الدعوة.

* السبحة التى أدخلت عدوية السجن
فى عام ١٩٨٥.. قبض على المطرب الشعبى أحمد عدوية وتم ترحيله إلى السجن.. وذهب طابور من المحامين ليدافع عنه فى المحكمة.. والتهمة أنه غنى كلام قبيح.
«لابس جبة وقفطان وعاملى بتاع نسوان وماسك فى إيده سبحة حب الرمان تطول حبة وتقصر حبة تدخل حبة وتطلع حبة».

ورغم أن الأغنية لم تكن له من الأصل وسبق أن غناها سيد مكاوى.. ونسبها البعض لعمنا صلاح جاهين.. إلا أنها لم تكن الأولى التى تتكلم عن «السبحة» فى الغناء المصرى.. وكثيرون لا يتذكرون شكل المطرب المداح أحمد التونى إلا ويتذكرون مسبحته التى لم تكن تفارقه وهو يغنى..
فمن أين جاءت نبيلة قنديل بفكرة أغنيتها المدهشة إذن؟!
ابنة نبيلة قنديل شجون على إسماعيل، فى حوار تليفزيونى قالت إن أمها كان من عادتها أن تقوم بفك السبحة.. وعندما طلب منها أن تكتب أغنية لرمضان تذكرت سبحتها.. وكتبت:
«سبحة رمضان لولى ومرجان بتلاتة وتلاتين حباية»..
واعتبرت أن أيام رمضان الثلاثين لا تكتمل إلا بثلاثة أيام العيد.. ولأنها من أصول صعيدية «الأقصر»، التى عرفت بوجود ساحات ومقامات أولياء الله الصالحين لم يكن غريبًا أن تتسلل تلك المعانى الصوفية فى أغنيتها المبهجة.. ومثلها فعل زوجها على إسماعيل المعجون بالتراث الشعبى.. فهو أيضا من جذور ريفية تعود إلى طنطا.. بلد الموالد.. وفى مقدمتها الشيخ السيد البدوى..
عمنا على إسماعيل.. اختار أن يبدأ أغنيته من مقام شرقى شيك وشعبى أيضا اسمه «النوا أثر».. ثم عرج على مقام أكثر شعبية اسمه «الراست» يعتبرونه «أبوالمقامات الشرقية» ثم ترك للكورال الذى يردد «الله.. الله» وكأنه فى حلقة ذكر أن ينتقل لمقام «العراق» ثم يردد الكورال نفس الكلمات من مقام «السيكا».. ليعود إلى ما بدأ فى «تسابيح وصيام.. يا سلام يا سلام» لنفس المقام الذى بدأ به.. «النوا أثر»..
عمنا على إسماعيل كرر فى الكوبليهات.. ما فعل فى المقدمة.. وكأنه «فورم» موسيقى لتأكيد ما أراد.. ولنحفظ عنه ذلك اللحن الذى صار عنوانًا على بداية الشهر الكريم.. ويكفى فقط أن تستمع إلى تلك الدفوف التى افتتح بها على إسماعيل أغنيته قبل أن يدخل الكورال الرجالى مرددًا.. «الله.. الله.. الله» قبل أن ينطلق الثلاثى:
«تلاتة وتلاتين منهم تلاتين أيام رمضان نور وهداية وتلاتة العيد.. ونقول ونعيد ذكر الرحمن.. آية بآية».

*حفيد قاضى القضاة.. مفتى الغناء الشعبى
كثيرون لا يعرفون عن عبدالمطلب إلا ما تناقلته المواقع السيارة.. ونادرا ما يذكر أحدهم أنه فى الأصل من قبيلة عربية عاشت فى الأندلس اسمها «الأحمر» وهاجر بعض بنيها إلى سوريا واليمن والمغرب.. ومصر وبالتحديد إلى مديرية «البحيرة»، حيث ولد محمد عبدالمطلب، وهو اسم مركب فى شبراخيت فى عام1910.. لأب يعمل بالتجارة.. لكنه مثل كل أهل الريف ألحق ابنه بالكتاب ليحفظ القرآن.. فأدركه مبكرا..
أبونور.. عمنا محمد عبدالمطلب هذا هو حفيد قاضى قضاة البحيرة وقتها.. وهو الذى عرف طريقه إلى المجد مبكرًا.. وبالتحديد إلى المئذنة، حيث كان أهل قريته يصحون على صوته الطلوق ليصلوا الفجر.. ومن مئذنة شبراخيت إلى معهد الموسيقى.. وكازينو بديعة.. وعشق راقصة شهيرة أصبحت فيما بعد «حكمت فهمى» أو الجاسوسة حكمت فهمى.. والتى طرد بسببها من العمل بعد أن قام بضرب رجل عاكسها بالروسية وبات لأول مرة فى حياته فى قسم الموسكى.. وظل عاطلًا عن العمل لفترة حتى عمل كورس فى فرقة عبدالوهاب ثم تزوج من شقيقة الراقصة ببا عزالدين - اسمها شوشو - وبسبب الكساد الذى سببته الحرب العالمية الثانية سافر إلى بغداد وعاش هناك أربع سنوات كاملة قبل أن يعود ومعه زوجة أخرى شاركته فى تأسيس شركة إنتاج قدمت فيلم «الصيت ولا الغنى».. وخسر طلب كل ما ربح من السفر.. ثم نجح مجددًا حتى صار واحدًا من أهم مطربى مصر فى الغناء الشعبى. الرجل الذى عاش وقتا طويلا فى حى الحسين والذى قدم فيه مئات السهرات لأهل الحى فى «الكلوب المصرى».. كان من الطبيعى أن يقترن صوته بالغناء الشعبى.. وبرمضان.. لكنه لم يكن يتوقع أن تكون أغنيته هى «البيان الشعبى» لإعلان قدوم الشهر الكريم.

كانت الأغنية التى كتبها حسين طنطاوى.. فى طريقها لمطرب وحوى يا وحوى أحمد عبدالقادر.. لكن مسئولى الإذاعة رفضوا فذهبت لطلب بالصدفة.. وكان قد ذهب للإذاعة يطلب عملًا لأنه كان يعانى وقتها من ضيق الحال بعد أن أغلقت الحرب معظم كازينوهات البلد.. وتقاضى طلب ستة جنيهات أجرًا.. وبعد نجاحها قال فى أحد حواراته مع وجدى الحكيم: «لو خدت جنيه عن كل مرة اتذاعت فيها كنت بقيت مليونير».


وفرحنا به.. بعد غيابه
رمضان جانا.. ليست أغنية محمد عبدالمطلب بمفرده.. هى بالأساس أغنية بسيطة كتبها شاعر «صنايعى» اسمه حسين طنطاوى.. كان من المعروف عنه أنه يكتب الشعر الحلمنتيشى.. وكان له برنامج ثابت يقدمه الممثل محمد شوقى.. هو من مواليد عام 1914.. وقدم مع سيد الملاح برنامج «السمسمية» لمدة 20 سنة كاملة.. وهو صاحب أغنية ع الدوار.. التى غناها محمد قنديل فى أكتوبر 1952.. مع مجىء ثورة يوليو..
أصول حسين طنطاوى تعود إلى محافظة الشرقية.. وهو نفسه صاحب أغنية «يا حلو صبح.. يا حلو طل.. يا حلو صبح.. نهارنا فل»، وهو نفسه أيضا صاحب أول أغنية لمحمد رشدى.. وهى «سامع وساكت ليه».. تلك التى وجدها رشدى فى سلة مهملات محمد عبدالوهاب ولحنها ليقدم بها للإذاعة دون أن يعرف مؤلفها الذى رفع قضية متهمًا رشدى بالسرقة إلا أنه تصالح معه بعد أن وقع له وصل أمانة.. المهم هنا ونحن لا نسرد سيرة حياة حسين طنطاوى.. فقط نشير إلى أنه رجل موهوب بالفطرة.. وصنايعى عارف بيعمل إيه.. وإلى أنه تميز بالكتابة للمطربين الشعبيين.. وفى مقدمتهم رشدى وقنديل وطلب.. واكتملت القصة بأن من لحنها هو محمود الشريف أسطى الموسيقى الشعبية فى ذلك العصر.
وحسب د. عبدالكريم وزيزة لو لم يلحن الشريف سوى رمضان جانا لكفاه، وطلب هو صاحب الأغنية الأولى التى لحنها الشريف فى حياته عام 1934 وهى «بتسألنى بحبك ليه.. سؤال غريب مجاوبش عليه»..
مما يمكن القول إن شهرة أعمالهم من شدة اقترابها من الفلكلور المصرى حفظها الناس ولم يعرفوا صاحبها.. ومن أغنياته لطلب «بياع الهوى» «يا أبوالعيون السود» وهو صاحب أجمل الصياغات اللحنية لمقام النهاوند.
يحتاج الشريف لكتاب كامل لنحكى عنه.. لكننا فقط نشير لماذا صنع بطلب وبنا كل ما صنع ونحن نسمع.. عاما ورا عام رمضان جانا؟.
لقد صارت من مستلزمات رمضان.. مثل الزبيب وقمرالدين والتين والجوز واللوز هى جزء من رمضان نفسه.. كيف فعل الرجل ذلك فى كلمات بسيطة ومباشرة جدا ولا جماليات فيها.
المذهب من مقام «العجم».. يعنى عربى أصيل ومتأصل.. ثم خد عندك انتقالات محسوبة وسلسة إلى الحجاز والبياتى والرصد والنهاوند فى كوبليه واحد.. ثم الرجوع إلى العجم.. هل هذه الانتقالات المقاماتية الفذة هى سبب بقاء هذا اللحن.. أم صوت طلب الأجش.. الذى يشبه «تمر المجدول» فى حلاوته ونعومته فى آن واحد.
أعتقد أن كل هذه الخلطة.. هى السر الذى جعل رمضان جانا.. أهم من بيان المفتى كما قال طلب. «غنوا وقولوا شهر بطوله غنوا وقولوا أهلا رمضان».