رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوردة الجورية والطفلة اليونانية


منذ زمن بعيد.. قمت بزيارة عمل قصيرة إلى دولة اليونان فى الأيام الأولى من شهر رمضان الكريم.. تجولت فى مدنها وريفها.. استمتعت بجوها الجميل ومصايفها الرائعة قدر المستطاع.
وفى الحقيقة فإن اليونان من أهم البلدان السياحية.. حيثُ تستقبل البلاد ما يقارب 20 مليون سائح سنويًا.. أى أن قطاع السياحة اليونانى هو المساهم الأكبر فى اقتصاد اليونانيين نظرًا لشواطئها الخلابة وآثارها القديمة.. كما تحتوى على 17 موقعًا مصنفًا ضمن مواقع التراث العالمى لليونسكو.. مع العلم أن مصرنا الحبيبة لا تقل أهمية فى آثارها وشواطئها عن اليونان.. فقط نحتاج إلى عقول مبدعة فى استغلال واستثمار ثرواتنا حتى ننهض باقتصادنا بشكل أفضل.

المهم.. أثناء وجودى فى ريف منطقة تسمى «خالكيزا» تبعد عن العاصمة أثينا حوالى 80 كيلو مترًا.. لفت انتباهى حديقة عامرة بأشجار الفواكه والورود لمنزل ريفى مكون من طابقين، ورغم ذلك يبدو كقصر ملكى لأحد ملوك الفراعنة العظام.
أمام هذا المشهد المُبهر.. مددت يدى وقطفت وردة بيضاء من النوع الجورى رائعة الجمال كانت تتدلى من غصنها خارج سور الحديقة الخشبى.. وما هى إلا ثوان معدودة حتى سمعت صوت طفلة عمرها 8 أعوام تقريبًا تستغيث بوالديها لاسترجاع الوردة منى.
وبسرعة البرق.. خرجت سيدة فى العقد الرابع من عمرها.. غاية فى الرقى والجمال تلبية لصوت الطفلة.. وبعد أن سمعت السيدة من طفلتها الجريمة البشعة التى ارتكبها هذا الغريب «العبد لله».. استسمحتنى بالإنصات لحديثها لدقائق معدودة.
امتثلت لأمر السيدة ولم أبرح مكانى حتى اقتربت منى وتأكدت أننى غريب عن المكان.. وهنا التمست لى بعض العذر.. ومع ذلك بدأت تعطينى درسًا قاسيًا ومهمًا فى التعامل مع الزهور والأطفال معًا.
فى الحقيقة تأسفت للسيدة أكثر من مرة على ما بدر منى بعد أن أعدت الوردة للطفلة وانتهى الموقف بــ«سلااااااااام».
تذكرت هذا الموقف بعد مرور 30 عامًا تقريبًا، وأنا أشاهد أحد أطفالنا الأبرياء ممسكًا بيد والده وهو ينهر شابًا مستهترًا فى العقد الثالث من عمره يقطف عددًا من الورود اليانعة الجميلة التى تزين المساحات الخضراء بميدان التحرير أمس الأول.. حينها شكرت الطفل على وعيه الوطنى.. كما شكرت والده على حسن تربية طفله.. وبدأت فى توجيه بعض النصائح للشاب الذى اغتال- عمدًا أو جهلًا- مجهود المخلصين الذين زرعوا هذه الزهور.
الموقفان السابقان جعلانى أتذكر الحدائق الجميلة التى كانت تزين المساحات الصغيرة أمام كل فصل من فصول مدرستى الابتدائية فى قريتى الحبيبة «منية محلة دمنة».. كما أتذكر أيضًا المجهود المُضنى الذى كان يبذله فراش المدرسة «عم مسعد»، رحمه الله، فى زراعة ورعاية هذه الحدائق.. وكيف كانت مُدرسة الفصل الأبلة «فاطمة»، رحمها الله، من وقت لآخر تجعلنا نساعد «العم مسعد» فى الاهتمام بحديقة الفصل.
وهذا ما يجب أن ننشئ عليه أطفالنا حتى يعرفوا ويدركوا معنى الوعى البيئى والاتجاهات والقيم والعادات والتقاليد والمسئولية والإدراك والتربية الإيجابية نحو القضايا البيئية.. فالتربية البيئية تساعد على خلق روح المشاركة الوطنية.