رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لولى و مرجان «2»

محمد العسيري يكتب: حيرة «وحوي يا وحوي».. من ألعاب الأطفال إلى غراميات شكوكو

جريدة الدستور

- من أحمد عبدالقادر.. إلى ملكة جمال الليمون
- أحمد عبدالقادر خطف «وحوى يا وحوى» من مطربة أفراح بالصدفة


تعرف على محمود؟..
مين على محمود؟..
آسف قصدى الشيخ على محمود؟
ربما لا يعرف أبناء الجيل الجديد ذلك الصوت.. ولا صاحبه.. ولأن التكنولوجيا لم تحفظ لنا من تراثه إلا القليل.. ولأن الكتب لم تسجل عنه إلا القليل أيضًا. أختصر القول فيه، فيما قاله عمنا الكاتب الراحل كمال النجمى: «على محمود هو مطرب المدائح النبوية بغير منازع وطريقته فى أداء الأذان للصلاة لم يكن لها مثيل».. طب هو كده بس.. لأ.. يا سيدى هو «واحد من أهم المقرئين المصريين فى بداية القرن العشرين.. جلجل صوته مبكرًا من فوق مئذنة سيدنا الحسين قارئًا للقرآن ومبتهلًا.. ولما تعلم العزف والتلحين صار واحدًا من أشهر الذين جمعوا بين التغنى بالألحان.. والتغنى بالقرآن.. فهو سيد القرار.. وأستاذ المطربين إن شئت القول.. طيب إيه علاقته بـ«وحوى.. يا وحوى».. ورمضان وأغانيه؟.

العلاقة قد تبدو بعيدة جدًا.. لكنها قريبة فى نفس الوقت.. لقد قال الشيخ فى أحد حواراته مع عمنا كمال النجمى، ما يجعلنى أسترجعه ونحن نكتب عن رمضان وأغنياته فى حياة المصريين.. لقد أفتى الشيخ على محمود بأن أول من غنى لحنًا من مقام الراست، هو سيدنا آدم عليه السلام.. أما سيدنا موسى فكان يغنى من مقام «العشاق» وانفرد النبى داوود بمقام «الحسينى».. وكان مقام الحجاز خاصًا بسيدنا إبراهيم عليه السلام.. أما مقام «النوى» فكان لسيدنا إسماعيل. ومن هذه المقامات «الأمهات» خرجت جميع المقامات الفرعية التى نعرفها الآن.

«طب إيه اللى جاب القلعة جنب البحر».. جنب «وحوى يا وحوى».. اللى جاب ده يا سيدى عمنا المطرب الجميل الملحن الأجمل صاحب تميمة شهر رمضان وكل رمضان من ثمانين سنة كاملة.. «أحمد عبدالقادر».

أحمد عبدالقادر ليس مجرد مطرب اشتهرت له أغنية وحيدة.. ولا مجرد قارئ للقرآن بدأ حياته مع النغم الربانى، ثم اتجه إلى عالم الطرب، ثم عاد إلى عالم الابتهال.. ثم للقرآن حتى مات.

هو قصة طبيعية جدًا لمصرى تكاملت الفنون والأديان فى حنجرته البسيطة.. هو مصرى بسيط «ترنّح» بين حبه للغناء.. وإيمانه.. وبقدرة صوته على إنشاد كلمات الله.. فقدم لنا مئات التسجيلات النادرة والراقصة.

اسمه «أحمد عبدالقادر».. اختلف المؤرخون على تاريخ ميلاده وموطن الميلاد.. ما بين عامى ١٩١٦ فى دسوق بكفرالشيخ.. و١٩١٠ فى الشرقية.. لكن الثابت أنه ولد لأب يعشق الغناء ويصحب نجله معه فى حلقات الذكر التى صار الطفل من مريديها ومطربيها وهو فى السادسة.. ثم جاء للقاهرة ليتعلم فى معهد فؤاد للموسيقى ويتخرج فيه، وينضم للإذاعات الأهلية التى عرفته مطربًا قبل إنشاء الإذاعة الرسمية بسنوات.. فى الوقت الذى عرف فيه الطريق للسينما، حيث شارك عام ١٩٣٧ فى فيلم «ليلى بنت الصحراء» وتبعها بثلاثة أفلام لكن الإذاعة أغوته.. ورغم اعتماده مقرئًا فى البداية، إلا أنه اتجه كليًا لعالم الغناء حيث عرفه الناس مطربًا فى البدايات لألحان زكريا أحمد ومن أشهرها «نبين زين».. و«يا عرقوس شفا وخمير».. ومن ألحان رياض السنباطى «أنا أحبك».. و«الخضرة تنعش فؤادى».. ومن ألحان محمد القصبجى غنى أيضًا «آه يا قمر».



عمل أحمد عبدالقادر مدرسًا للموسيقى.. ثم سافر إلى لبنان عام ١٩٤٥ ليعمل فى هيئة اليونسكو.. وهناك قام بتلحين «الأبجدية» مشروعًا لتعليم الطلاب قراءة الحروف بالغناء، لكن المشروع لم يتم تنفيذه.. فعاد مجددًا للقاهرة ليلحن لنزار قبانى أولى قصائده المغناة، وهى قصيدة «كيف كان» التى صدرت فى ديوان نزار «أنت لى» الذى صدر عام ١٩٥٠.. وقد لحنها عبدالقادر خلال زيارة له لدمشق فى سبتمبر عام ١٩٥٣.
«تساءلت فى حنان
عن حبنا كيف كان
وكيف نحن استحلنا
حرائقًا فى ثوان».


قصيدة نزار لم تكن التجربة الأولى لعبدالقادر فى تلحين القصائد.. فقد سجلت له إذاعة القاهرة عام ١٩٤٧ قصيدة: «يا ظبية البان ترعى فى خمائله».. من أشعار الشريف الرضى.. وكان قد سبق فى تلحينها صالح عبدالحى.. ويبدو أنه لم يكن يستنكف أن يلحن ما لحنه الآخرون من قبله.. ويحكى عبدالقادر فى لقاء تليفزيونى مع عبدالله أحمد عبدالله «ميكى ماوس»، أنه فى إحدى رحلات العمرة.. لحن «القلب يعشق» وأسمعها لأم كلثوم التى كانت ترافقه فى رحلة العمرة.. وحفظ جزءًا كاملًا من اللحن.. لكنها لم تغنه.

المهم أنه فى تلك الأجواء.. بالتحديد عام ١٩٤٣ سجل أحمد عبدالقادر أغنية «وحوى يا وحوى» التى كتبها حلمى المانسترلى ولحنها أحمد شريف.. والتى سبق للأخير تسجيلها فى «الإذاعات الأهلية» بصوته مع زوجته سميرة وصفى وأذيعت فى ٢٤ أكتوبر عام ١٩٣٩ بإذاعة القاهرة، ثم سجلها أحمد شريف منفردًا بعدها بعامين.. وقرر بعد ذلك أن تغنيها «سيدة حسن» أشهر مطربة أفراح وقتها، ولكن لظروف وعكة صحية ألمت بها ذهبت الأغنية لأحمد عبدالقادر، وبصوته أصبحت تميمة رمضانية تشبه هلال الشهر.



* ملكة جمال الليمون فى مواجهة الأب الروحى
لم يكن عبدالقادر وحده الذى غنى بعد عزيزة حلمى لرمضان مستخدمًا النص التراثى «وحوى يا وحوى».. فقد فعلتها طفلة صغيرة عمرها خمس سنوات.. جاءت من لبنان لتشارك أختها «ملكة جمال الليمون»، وكان هذا لقبها قبل أن تحضرها المنتجة السينمائية آسيا داغر لتشارك فى بطولة فيلم «قلبى على ولدى» الذى كتب له السيناريو والحوار عمنا الشاعر الراحل الكبير بديع خيرى، وكتب أغنياته المدهش فتحى قورة.. الطفلة الصغيرة تلك شقت طريقها إلينا عبر مشهد سينمائى كتبه بديع لطفلة تدخل الحارة مع زميلاتها من الأطفال يغنين فى استقبال رمضان:
«وحوى يا وحوى.. إياحاأهو فات شعبان وأهو جه رمضان ارقصوا يا بنات وقولوه وحوىأهو جابلى فانوس أحمر وأخضر م السنة للسنة عمال يكبر وأنا زيه بغنى وباتمخطر على قولة وحوىندرن عليا يا ناس لعزمكم يوم عندىواعمل صينية كنافة.. وآكلها أنا لوحدى».

وإذا كان حلمى المانسترلى نقل أجواء الريف المصرى بـ«أخته إحسان».. وبـ«حوينا الدار».. فالمؤكد أن فتحى قورة أعاد الأغنية لأصحابها الأصليين.. فالأصل الفلكلورى يؤكد أن الأطفال هم من كانوا يغنونها.. لذا جاء الدخول الموسيقى من «نقلات إيقاعية بسيطة».. وبمناسبة موسيقى اللحنين.. فأحمد شريف فى أغنيته الأولى تعمد أن تأتى فى مقامين شعبيين صرف «الهزام والسيكا».
وكذلك فعل عمنا أحمد صبرة فى أغنية للطفلة التى صارت نجمة فيما بعد هيام يونس.

*بين عمار الشريعى وحاملة البلّاص
فى إحدى تغريداته من خلال برامجه الموسيقية الشهيرة، تعرض عمنا الراحل عمار الشريعى لكلمات أغنية «وحوى» التى غناها أحمد عبدالقادر.. وقال إن «حوينا الدار» تعود إلى «الحواة» من الطرق الرفاعية.. وربما كانت محاولة الشريعى سليمة لارتباط الشهر الكريم باحتفالات صوفية بالأساس.. بما يعنى أن البنات قمن بتنظيف الدار. وقام الرفاعية بتنظيفها من «الأفاعى» فى استقبال الشهر الكريم. لكن د. أيمن غالى فى مقال له «بالحوار المتمدن»، يرى أن «الفلاحة حاملة البلّاص تعودت أن تسنده إلى «قطعة قماش ملفوفة.. تسمى الحواية».. وما قصده المانسترلى هو أن البنات.. لفوا الدار فرحًا ورقصًا احتفاء بشهر رمضان.. وأيًا كان تفسير تلك الشطرة «وحوينا الدار» التى ظللت لسنوات أظنها تعنى أن «وحوى.. شديد البصر.. نضـًّار» وأيًا كان التفسير للمعنى الذى قصده ابن الباشوات صاحب قصر المانسترلى وهو يكتبها.. فهى فى النهاية استثمار فنى لمعنى شعبى فى أغنية صارت هى الأشهر:
«شهر مبارك وبقاله زمانمحلا نهارك بالخير مليانوحوى.. يا وحوى».

بالتأكيد رمضان بقى له زمان.. وزمان جدًا.. من أول أن عرفنا الشهور الهجرية.. ومن المؤكد أيضا أن الأغنية لم تكن فى صيغتها الأولى أغنية فردية على الإطلاق.. بل هى أغنية جماعية.. وربما لهذا السبب ارتبطت بالأطفال.. وحتى عند غنائها من قبل أحمد عبدالقادر، فهو يستخدم الكورال «الكورس الجماعى» يشاركه الغناء.. لذا لم أستغرب تلك الصيغة الموسيقية التى وضعها فيها الموسيقار على إسماعيل عندما قرر التعرض لذلك النص التراثى فى استلهام جديد كتبه عبدالفتاح مصطفى ليقرر إسماعيل ومسئولو الإذاعة وقتها أن تغنيه ثلاث مطربات يعرفن بالثلاثى المرح لارتباط غنائهن بالأفراح والبهجة، ومن أشهر أعمالهن «أهو جه يا ولاد».. هذه الفرقة التى ضمت ثلاث مطربات قديرات هن سناء البارونى شقيقة الممثلة سهير البارونى وهى المطربة ذاتها التى غنت «إوعى تكلمنى بابا جاى ورايا».. فى فيلم قصر الشوق.. ووفاء محمد مصطفى وصفاء يوسف لطفى.. بدأت الفرقة أعمالها من خلال برامج الهواة فى الإذاعة المصرية، وإن سبقها بعض الأعمال التى لم تسجل فى حديقة مسرح الموسيقى الذى تخرجن منه.. قبل أن يتعرفن على «على إسماعيل» صاحب فكرة تشكيل الفرقة. فقد كان «مهووسًا» بالغناء الجماعى الشعبى.. وانفرط عقد الفرقة لأسباب خاصة بالزواج. فإحداهن وهى سناء تزوجت من المخرج حسن الإمام فجاءوا ببديل لها المطربة سهام توفيق، فتزوجت هى الأخرى من الموسيقار أحمد فؤاد حسن، وانتهى أمر الفرقة التى بقيت لها فى الذاكرة المصرية عدة أعمال موسيقية من أشهرها «سبعة رمضان.. أهو جه يا ولاد.. وحوى يا وحوى».. وأعمال أخرى مع فرقة رضا أشهرها «حلاوة شمسنا».. وفى هذه المرة لم يستخدم مفردات شعبية تبدو غريبة على الأذهان.. يستخدم على إسماعيل «النحاسيات» التى ميزت معظم أعماله.. لكنه بدأ لحنه بصفارة.. اعتبرها نداء للأطفال ليحضروا زفة استقبال الهلال.. لتخبرهم مطربات الثلاثى المرح بأنه «أهو جه يا ولاد».. ثم يتحولن مع كورس رجال للاحتفاء برمضان:
«جبنا الفوانيس أحمر وأخضر وبعدما نفطر راح نتحضر نملا جيوبنا بندق وزبيب ونهادى بيهم كل حبيب».



وتكمل نبيلة قنديل ابنة الأقصر التى عملت فى بداية حياتها منولوجست باسم سعاد وجدى، باستخدام تلك التيمة القديمة التى حفظها الفلكلور المصرى:
«لولا الحبايب.. لولا جينا ولا تعبنا رجلينا».
نفس الجملة التى سبق للمانسترلى أن استخدمها مع «يلاّ الغفّار»، وكأنها صارت جزءًا من مفردات رمضان التى صارت ملكًا للجميع.
لم يقتصر وجود الثلاثى المرح واستخدامهم لمفردة «وحوى» على أعمال نبيلة قنديل وعلى إسماعيل.. لكن الشاعر عبدالفتاح مصطفى صاحب الأعمال الرمضانية والروحانية الأهم «مولاى.. إنى ببابك». وغيرها لم يحرم نفسه من «لعبة الأطفال» التى صارت تراثًا مضادًا.. فاستخدمها فى لحن على إسماعيل هذه المرة، ولكن بمفرداته الخاصة:
«يا قمر طالع بفانوس والع إنت حبيبى إملالى جيبى سكر أحمر وزبيب أسمر وأنا أدعيلك وفى يوم عيدك أبقى أجيلك ونغنى لك.. وحوى يا وحوى».
ربما لا نعرف الآن ذلك «السكر الأحمر».. ولا «القصب الأحمر»، لكن عمنا عبدالفتاح مصطفى حفظ لنا سيرته فى تلك الأغنية الرمضانية.. لكن من أين جاء ذلك الشاعر الذى لم يكن يعرف فى حياته سوى القانون بتلك المفردات؟.. الرجل تخرج فى كلية الحقوق عام ١٩٥٢.. وعمل بالشهر العقارى.. ثم مستشارًا قانونيـًا قبل أن يعمل أستاذًا بكلية الإعلام بجامعة القاهرة.
عمنا عبدالفتاح مصطفى صاحب «أمجاد يا عرب أمجاد» التى انطلقت بها إذاعة صوت العرب فى العام ١٩٥٣ كان متيمًا بالشعر الصوفى، فصار أحد فرسان كتابته ومن بداية أعماله «تائب تجرى دموع ندمًا» التى لحنها رياض السنباطى لأم كلثوم.. و«أقولك إيه عن الشوق يا حبيبى» التى أعلن فى إحدى مقابلاته أنها ليست أغنية عاطفية بل هى فى محبة الله.. ومن المؤكد أننا لن ننسى له «تم البدر بدرى» وأغانى فيلم الشيماء.

هذا الرجل عاش وتربى فى حى شعبى هو حى الجمالية.. والده هو الشيخ مصطفى الغمراوى وهو عالم أزهرى.. ولذلك فقد حصل على دبلوم الشريعة الإسلامية عام ١٩٥٤.. وهو صاحب سيناريو وحوار مسلسل «محمد رسول الله».. فى الوقت نفسه هو صاحب أغنية «سحب رمشه» التى غناها محمد قنديل من ألحان عبدالعظيم عبدالحق.
عندما يكتب هذا الرجل لرمضان مستوحيـًا تيمة «وحوى يا وحوى»، فليس غريبًا عليه أن يعيدها إلى نسقها الشعبى الذى يتلقفه على إسماعيل، ليصنع منها تحفته الثانية للثلاثى المرح، وإن ترك لنفسه العنان ليمرح بين مجموعة مقامات شرقية متنوعة هذه المرة بين الهزام الذى جاءت منه الأغنية الأولى لأحمد عبدالقادر.. ثم «الراست والبياتى والحجاز والعراق».

«ويا أمورة فى المقصورة زى الوردة فى البنورة إحنا جينا طلّى علينا جيبك عمران.. بياميش رمضان إدينا حفان».
وحقًا لا يأتى بتلك الكلمات إلا «شاعر قرارى».. يعرف رغم أنه ابن حوارى القاهرة تلك المفردات الريفية الصرف فى حفان هى جمع «حفنة».. لكنها فى التعبير الشعبى تعنى «ملو اليد»..

*قمر الزمان بين إحسان ونعمات
لم يكن حسين المانسترلى وحده الذى استخدم مفرده «حوينا الدار» تعبيرًا عن استهلال رمضان.. فالشاعر الكبير محمود إسماعيل جاء على مسار خطاه.. ومثلما فعل المانسترلى باستدعائه اسمًا مصريًا صرفًا «أختى يا إحسان».. فعلها محمود إسماعيل جاد، واستخدم اسم فلاحة مصرية هو نعمات.. وكالعادة جميعهم يطلبون الهدية من «التين وقمر الدين»، ولكن هذه المرة بألحان سيد إسماعيل.. وبصوت «سعاد مكاوى».
«يلا نعمات.. إنتى وبركات هاتوا الفوانيس ونقول وحوى غنوا لرمضان شهر الخيرات ونفوت ع الناس.. ونقول وحوى رمضان أهو هلّ علينا شرف وحوينا الدار وفرحنا واتهنينا بالزينة والأنوار غنوا يا ولاد حتتنا ما خلاص تمت فرحتنا غنوا لرمضان.. شهر الخيرات ونفوت ع الناس.. ونقول وحوى».. إلخ.
سعاد مكاوى مطربة «السُمر والبيض» و«لما رمتنا العين» و«عايز أروح.. ما تروحشى» مطربة الدندرمة.. وابنة كبير الرحيمية قبلى فى فيلمه الكوميدى الشهير.. تلك التى بدأت حياتها «مونولوجست» هى فى الأصل ابنة للموسيقار محمد مكاوى أحد الملحنين المعروفين فى عشرينيات القرن الماضى.. ومن خريجات مدرسة «بديعة مصابنى» التى استهوتها الأغنية الشعبية حتى صارت إحدى نجماتها فى الخمسينيات والستينيات التى تزوجت فيها من الموسيقار محمد الموجى، وكان من الطبيعى أن تغنى من الفلكلور الذى تحفظه جيدًا. فهى التى غنت مع ليلى مراد «سلم على».. كان من الطبيعى أن تغنى «وحوى يا وحوى» لسيد إسماعيل الذى لحن وغنى عشرات الأغنيات التى تعود أصولها للتراث الشعبى.. لكنه فى هذه المرة لم ينتبه إلى تحويله لعمل جماعى صرف إلى أغنية فردية لمطربة.. فلم تلق النجاح الذى يستحقه صوت سعاد.

*المجهولة فيفى ماهر.. مطربة «الحبرة»
فى فيلم «إدينى عقلك» الذى عرضته السينمات فى مصر قبيل أحداث ثورة يوليو ١٩٥٢.. ظهرت مطربة مجهولة تستعرض أزياء المصريات عبر ثلاثين سنة.. وكتب الاستعراض فتحى قورة ولحنه أحمد صبره.
«محلا الأمورة المصرية بالحبرة وتحت الشمسية اليشمك فوق الخدين مش باين منها إلا عينين عنيا لولا بشوف بيهم من بكرة أنا أخبى عنيا محلا الأمورة المصرية».


هذه المطربة التى لا تتوفر عنها معلومات كافية، قيل إنها من خريجات معهد الموسيقى العربية، والثابت أنها شاركت فى فيلمين «الدنيا حلوة، الحموات الفاتنات»، وغنت فيه مع إبراهيم حمودة من كلمات فتحى قورة، «ضلل يا ورد على الخدين» كما سبق لها أن غنت مع محمد عبدالمطلب دويتو «الفكهانى» أو «خد منى برتقانة» من كلمات يوسف صالح وألحان فريد غصن. هذه المطربة فيفى ماهر غنت أيضًا لرمضان من كلمات محمد عمر الطوانسى وألحان أحمد صبره الذى لحن معظم أغنياتها.. واستخدمت نفس التعبير الفرعونى «وحوى» على طريقة سعاد مكاوى. «ود أحبابك.. بعد غيابك شهر ما بين إتناشر شهر قول للدنيا يا فرح عنيا صبح وفجر وضهر وعصر قول ويايا.. وحوى يا وحوى».

ومن المطربات المجهولات لكثيرين أيضًا ممن تغنوا بوحوى يا وحوى.. مطربة وممثلة ظهرت كدوبلير صوتى لسامية جمال فى فيلم «لوكاندة المفاجآت» اسمها تيتا صالح وهى تغنى «أيوه.. أيوه.. كل كلمة حقولها أيوه».
هذه المطربة.. كان والدها من مطربى السيرك الذين يغنون فى الموالد.. وعرفت بأنها بديل جيد للممثلات فى حالة غنائهن، ومن أشهر ما غنت فى هذا السياق «حبيبى يا رقّة» على صورة هند رستم فى فيلم «اعترافات زوج» عام ١٩٦٤.. وظهرت كممثلة ومطربة مع شادية فى فيلم «حب من نار» عام ١٩٨٥.. وقيل إنها اعتزلت الفن لإصابتها بمرض نادر فى الصدر. تيتا قدمت «وحوى» بطريقتها«وحوى يا وحوى.. إياحا قولوا فى الجاية وفى الراحة هاتوا فانوسنا.. اللى من فلوسنا جى لناسنا.. من درب سعادة دى أصلها عادةوحوى يا وحوى». وقد تكون هذه الأغنية الوحيدة التى حددت موطن صناعة الفانوس فى مصر من حارة درب سعادة الشهيرة.. والكلمات هذ المرة للشاعر يحيى النصار، أما الألحان فهى لمحمد الشاطبى.



*ألعاب شكوكو على أنغام وحوى
لا يمكن حصر كل الأغنيات التى استلهمت «النص الشعبى» الذى تغنـى بـ«قمر الزمان» ثم صار طقسًا للتغنى بهلال رمضان.. وكل ما سبق هو مجرد حصر متعجل من وجهة نظرى.. ربما يحتاج لإعادة نظر فى وقت لاحق.. ولا يمكن قطعًا فى هذا السياق، أن نغفل واحدة من أهم أغنيات رمضان التى استخدمته.. كتبها فتحى قورة بخفة دمه المعهودة.. ولحنها محمود الشريف بقدرته الفائقة على صياغة الموسيقى الشعبية، وهذه المرة بصوت محمود شكوكو.

«حبك شمعة وقلبى فانوس» التى أعيد إحياؤها بعد سنوات طويلة من إصدارها لأول مرة.. عرفها الجيل الحالى من خلال مسلسل «أفراح القبة».. كما قدمتها فرقة شابة اسمها «حبايبنا»، لكن الأغنية هذه المرة جعلها فتحى قورة نصًا غراميـًا بخفة دم مصرية موجعة، واستخدم فيها قورة مفردات لا يمكن توظيفها إلا فى سياق درامى زى مفردة «بقاله».



حبك شمعة وقلبى فانوس وبتلعب بيه.. وحوى يا وحوى يا ما هواك غرمنى فلوس ارحم قلبى.. وحوى يا وحوى من يوم حبك وأنا مسكين كل ما بعت شوق وحنين كل ما ابعت بترجعهملى وتقول غيرلهملى بقمر الدين دنا كل يوم على دى الحالة.. يلا الغفار ده قلب ده ولا بقاله.. يلا الغفار ومهما هواك يدينى دروس ما بحرّمشـى».. إلخ

والثلاثى شكوكو.. قورة.. محمود الشريف، يحتاجون لقصة منفصلة عن علاقاتهم بأغنيات رمضان.. نحكيها لاحقًا.