رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كسل.. كسل.. كسل!


لا علاقة للكسل بشهر رمضان أو شوال. وقبل أن تلوم نفسك أو تتهم غيرك بالكسل، عليك أن تعرف أولًا الفرق بين الكسل الناتج عن حب الراحة والرغبة فى عدم بذل أى مجهود، وبين انعدام الإرادة الذى هو أحد أعراض بعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب أو الأرق وغيرها.
فى دراسة عنوانها «Laziness and the Scholarly Life» أو «الكسل والحياة العلمية»، انتقد «ليونارد كارميكيل» علماء النفس لأنهم لم يقدموا شرحًا لمصطلح «الكسل»، واعتبر ذلك إحدى سيئات أو سوءات علم النفس الحديث الذى أبدى اهتمامًا أكبر بمسائل فرعية، كإجراء التجارب على الفئران العطشى والخنازير الجائعة، أو دراسة كيف يكتب الشعراء شعرهم، أو يقضى العلماء أوقات الربيع فى معاملهم، ولا يستمتعون بأوقاتهم!.
كان هذا الكلام، أو هذه الدراسة سنة ١٩٥٤، ولاحقًا تم تناول «الكسل» فى دراسات نفسية كثيرة، إما بوصفه عادة، أو كنوع من الاضطراب فى الصحة النفسية. ومع ذلك، كنت قد تعثّرت أو «اتكعبلت»، منذ فترة، فى تقرير نشرته مجلة «نيتشر»، Nature، عن دراسة قامت بها جامعة «ستانفورد» قيل إنها شملت ٧١٧ ألف رجل وامرأة من ١١١ دولة حول العالم، وإن الخبراء والباحثين والدارسين قاموا بحساب ما وصفوه بـ«فروق النشاط»، استنادًا إلى متوسط عدد الخطوات التى يمشيها مواطنو الدول يوميًا.
وما يؤكد أن من قاموا بالدراسة كسالى، أو كسالى جدًا، هو أنهم قاموا بجمع البيانات من خلال تطبيق على التليفونات الذكية اسمه «أرجوس» قيل إنه يراقب النشاط البدنى لصاحب التليفون عن طريق عداد مسافات يقوم بتسجيل خطواته. ما يعنى أن من شملتهم الدراسة مجرد شريحة محدودة جدًا من شعوب تلك الدول. ليست الشريحة التى تمتلك تليفونات ذكية فحسب، وإنما شريحة أقل وأقل تعرف أن هناك تطبيقًا اسمه «أرجوس» وقامت بتنزيله وتفعيله وتشغيله. هذا إذا افترضنا أن عدد الخطوات التى يمشيها الفرد يوميًا، تصلح معيارًا لقياس نشاطه أو كسله.
الكسل أيضًا، قد يكون هو السبب الذى جعل الولايات المتحدة وحلفاءها وعملاءها يضعون خططًا لإسقاط أنظمة، دون أن يكملوا أو تكون لديهم تصورات خطط لما بعد ذلك. والمثال الأبرز على ذلك هو أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لم تكن مستعدة للتعامل مع المسألة العراقية، فى مرحلة ما بعد صدام، بشهادة رجلها (عميلها) جون نيكسون، الذى استجوب الرئيس العراقى الراحل صدام حسين. وتلك هى النتيجة التى ستصل إليها لو قرأت كتابه «استجواب رئيس» الصادر فى سنة ٢٠١٦، والذى حاول فى ١٤ فصلًا و٢٣٧ صفحة تلخيص تفاصيل تلك العملية وطريقة تفكير الإدارة الأمريكية ومؤسساتها وأسلوب ترويجها لعملية الاحتلال والمرحلة التى سبقته وأسلوب عمل وكالة المخابرات فى جمع المعلومات عن العراق واعتمادها على ما يصفها الأمريكيون بـ«المعارضة العراقية»، ولا يصفهم العاقل إلا بأنهم عملاء وخونة.
بهذا الشكل، ضاعت الدولة، ولم يجد الأمريكيون مهربًا من تلك الورطة، ورطة العراق، غير تسليمه للإيرانيين والإسرائيليين والأتراك، وكلاب السكك. وتسبب الفراغ الأمنى فى انتشار السلاح وبروز جماعات مسلحة وتصاعد العنف الطائفى فى البلاد، ولم تتتعرض الأقليات الدينية فقط للاضطهاد، بل دفع الثمن أو «حاسب على المشاريب» كل العراقيين، وبقية شعوب المنطقة، والذى كان أقل بنوده أو أبسط مشروب فيه، هو فتح الباب على مصراعيه أمام المشروعات أو الأجندات التوسعية، التى تسببت فيما حل (وسيحل) بشعوب المنطقة من أزمات وكوارث على جميع الأصعدة. وانفجرت «ماسورة المجارى الأم»، التى تتحكم فى حركة ما تحمله كل المواسير الفرعية من مخلفات وصراصير وجرذان وإرهابيين.
النتيجة أو الخلاصة، هى أن الكسل لا علاقة له، كما أشرنا فى البداية، بشهر رمضان الذى يجد المسلمون (والكفار أحيانًا)، فى صيامه، مبررًا أو تلكيكة للراحة وعدم بذل أى مجهود، لكنه قد يكون ناتجًا عن اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو الأرق وغيرها. ولن نختلف لو اعتقدت أن الكسل، هو ما جعلنى أضيّع وقتك وأوجع دماغك، بما قرأته أعلاه!.