رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صيامك ليس جوعًا.. صيامك تقوى«1 – 2»


البعض يرى أن الغاية من الصيام هى تأديب النفس وتهذيبها وأن يجعلها تعتاد الصبر، وذلك فى الامتثال لأمر الخالق سبحانه، والامتناع عن شهوتى الطعام والجنس من وقت صلاة الفجر إلى المغرب.
وهناك من يرى أن الغاية من الصوم أن يستشعر الغنى حال الفقير فى صيامه، بينما هناك من يذهب إلى الحديث عن الفوائد البدنية من وراء الصوم، حيث إن «المعدة هى بيت الداء» كما يقولون، إذن فالتوقف عن الأكل يفيدها ولا يضرها.
لكن الغاية الأسمى والأعظم من تلك الفريضة التى ألزم الله بها المسلم، وجعلها ركنًا من أركان الإسلام الخمس التى لا يصح إسلام المسلم إلا بها.. هى «التقوى»، يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» [البقرة: ١٨٣].
فالصوم ليس جوهره التجويع، كما هو الظاهر لنا، وحاشاه سبحانه أن يجعل طاعته مقترنة بعذاب الفرد والتسبب فى آلام للإنسان، لكنه يريد بالصوم الارتقاء بالنفس وتهذيبها، وحتى لا تعتاد المعصية وتألفها.
والتقوى مأخوذة من الوقاية، وهى الحجاب الذى يكون بين الإنسان وكل قول أو فعل يغضب الله ويهوى بصاحبه فى النار، ويكون ذلك بفعل الطاعة ابتغاء مرضاة الله وترك المعصية خوفًا من غضبه.
والتقوى هى أصل العلاقة بين العبد وربه، ولا تكون فى العبادة فقط، بل فى كل أمر من أمور الحياة، وإذا غابت عن أى عمل افتقد الشرط الأساسى لقبوله، فهناك من يهتم بالمظهر والشكل الخارجى أكثر من اهتمامه بباطنه، والنبى يقول: «التقوى ها هنا» (مشيرًا إلى صدره)، دليلًا على أنها موجودة فى القلب ولا يطلع عليها سواه.
وفى الحديث «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».. لذا فإن جائزة رمضان هى التقوى «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، لكننا فى هذه الأوقات نجد من يفتن المسلمين بحسن دينه وسوء خلقه، ولذلك فإن المتقى غالٍ عند الله عز وجل وفى معيته.
ولما رضى الله عز وجل عنهم جعل يعلمهم شيئًا لا يعلمه لغيرهم: «وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ»، وكانوا فى معيته: «وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»، يرزقهم الطمأنينة ويذهب عنهم الخوف: «فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ».
جزاء التقوى هو الجنة: «تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا».. المتقون وفد الرحمن: «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا».. تزيد الرزق: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»، عندما تعجز عن حل مشكلة سيفتح لك بابًا للخروج منها: «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا».
هناك تعريفات كثيرة لـ«التقوى»، لكن التعريف الأقرب إلى الصواب هو: أن يجدك الله حيث أمرك ويفتقدك حيث نهاك، وهذا أمر سهل، على كل واحد منا أن يقيس حياته وفق هذا المقياس.. عندما يذهب إلى مكان يقول: هل يرانى الله الآن حيث أمرنى أم لا؟
غير أن هناك من يقول: لا أستطيع أن أكون طوال اليوم هكذا، لذا من رحمة الله عز وجل بنا أنه تعالى يقول «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ».. بقدر المستطاع كن من المتقين، ولتكن التقوى هى الغالبة على عملك بنسبة ٧٠ أو ٦٠٪ طوال اليوم.
لم يتوقف الحديث عند قوله صلى الله عليه وسلم «اتق الله»، لكن «اتق الله حيثما كنت»، فى كل مكان أو بلد، مع أى شخص، وفى أى زمان ليلًا ونهارًا.. كن فى تقوى لله.. فالنبى يجعل التقوى مبدأ لا يتجزأ فى حياتك.
«وأتبع السيئة الحسنة تمحها»، إذ لا يعنى أنك تتقى الله أنك لا تخطئ، فالخطأ وارد «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُبْصِرُونَ»، لذلك أتبع السيئة الحسنة تمحها.. إذا أخطأت فلا تيأس، افعل الحسنة لتمحها.