رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

روح طلعت حرب



خلال كلمته فى احتفال مصر بعيد العمال، منذ أيام، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن الدولة لديها توجه شامل للاهتمام بقطاع الأعمال العام وتطويره، وتستهدف هذه الخطة هيكلة هذا القطاع بالشكل الذى يضمن صون المال العام وحسن إدارة الأصول المملوكة للدولة.. وتركز هذه الخطة على القطاعات الصناعية الثقيلة الواعدة فى إطار عملية تطوير شركات قطاع الأعمال العام، خاصة قطاعى الغزل والنسيج والحديد والصلب، نظرًا لما تمثله هذه الصناعات من أهمية بالنسبة لبنيان الاقتصاد الوطنى.
وجود مثل هذه الخطة التى تهتم بالصناعات الثقيلة ومنها الغزل والنسيج، هو توجه محمود يعزز من قدرات الدولة المصرية، ويجعلنا نسير بخطى ثابتة وراسخة نحو الاتجاه الصحيح، وخاصة أن لدينا تجربة «طلعت حرب» فى تأسيس بنك مصر وشركاته وعلى رأسها «شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى».
ومن يتأمل مسيرة طلعت حرب يقف إجلالًا وتقديرًا لهذا الرجل الوطنى حتى النخاع، كما أن تجربته تعطينا الأمل فى أن النهوض بشركات قطاع الأعمال أمر ممكن جدًا.. فطلعت حرب، ولد فى ٢٥ نوفمبر من عام ١٨٦٧م بقصر الشوق بالجمالية أى فى حى من أحياء القاهرة التاريخية، وبالتالى تطبّع بطباع أهلها الأقرب لطباع الريف، التى تتمحور حول الحرص على صلات الرحم وستر العائلة وإقالة العثرة واحترام الكبير، ووصل طلعت حرب إلى صدارة المشهد الاقتصادى فى عصره بعصاميته، فأبوه كان موظفًا فى مصلحة السكك الحديدية. وكان تفكير طلعت حرب يتركز فى تخليص اقتصاد مصر من قبضة الأجانب، فبدأ فى إنشاء بنك مصر عام ١٩٢٠م برأسمال يبلغ ٨٠ ألف جنيه، ووصل رأسماله عام ١٩٢٧م إلى مليون جنيه، وحقق البنك نجاحات غير مسبوقة أدت إلى إنشاء ١٤ شركة غطت أوجه النشاط الاقتصادى، ومنها مطبعة مصر، وشركة مصر لحليج الأقطان، وشركة مصر للنقل والملاحة، وشركة مصر للتمثيل والسينما، وشركة مصر لنسج الحرير، وشركة مصر لمصايد الأسماك، وشركة مصر للكتان، وشركة مصر لتصدير الأقطان، وشركة مصر للطيران، وشركة مصر لعموم التأمينات، وشركة مصر للملاحة البحرية، وشركة مصر للسياحة. وكانت شركة مصر للغزل والنسيج هى أبرز شركات بنك مصر، وكانت بداية شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى مدهشة وتدعو للفخر، ويجب أن توضع فى عين الاعتبار مع توجه الدولة لتطوير شركات قطاع الأعمال، فقد بدأ العمل فيها بشراء آلات غزل بريطانية قديمة، وعندما بدأت فى العمل كانت مثار سخرية ممن يمكن أن نطلق عليهم «أهل الشر»، ولكن طلعت حرب لم يرد على انتقاداتهم اللاذعة التى كانت تهدف إلى إحباط عزيمة مصر الناهضة، ونجح طلعت حرب مع عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى فى هزيمة كل العقبات وأصبحت شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى بمثابة الجوهرة فى تاج الصناعة المصرية.
وأصبحت منسوجات «غزل المحلة» تنافس المنسوجات الأوروبية والأمريكية، لدرجة أن القماش المصرى المصنوع فى المحلة الكبرى كان يتفوق على القماش اليابانى من حيث الجودة والتحمل، حيث كان القماش اليابانى يبدأ فى التمزق إذا وصل احتماله إلى ٧٠ رطلًا، بينما القماش المصرى لا يتمزق إلا إذا وصل معدل احتماله إلى ٤٢٠ رطلًا. وفى ٢١ أغسطس من عام ١٩٤١م توفى «طلعت حرب» تاركًا وراءه تجربة ثرية فى النهوض بالاقتصاد الوطنى حتى فى وجود أعتى العقبات.. رحم الله طلعت حرب، وعلينا الاستفادة بتجربته الرائدة واستلهام روحه.