رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرية التعبير.. فى زمن الهبْد



حرية التعبير حق أساسى للإنسان، ومن المفترض أن تتمتع الصحافة، التى احتفلنا أمس، الجمعة، باليوم العالمى لحريتها، بهذا الحق وأن تدعمه وتكفله للجميع، باستثناء المحرضين على العنف أو الكراهية، والمروجين للحقائق المشوهة والأخبار الكاذبة، لأن حرية التعبير، ككل شىء فى الكون، ليست مطلقة، بل لها سقف لا يمكن تجاوزه، على النحو الذى رأيناه، ونراه، فى زمن «الهَبْد» غير الجميل.
العالم يحتفل فى ٣ مايو من كل عام باليوم العالمى لحرية الصحافة، تخليدًا لإعلان «ويندهوك» التاريخى الصادر عن اجتماع للصحفيين الأفارقة الذى انعقد فى نامبيا فى مثل هذا اليوم سنة ١٩٩١، والذى نص على أنّه لا يمكن تحقيق حرية الصحافة إلا من خلال ضمان بيئة إعلامية حرّة ومستقلّة قائمة على التعدّدية. ومع ذلك، اكتشفنا أن الإساءة إلى مجلس العموم البريطانى «البرلمان» ونوابه، على شبكات التواصل الاجتماعى «تقوض المبادئ الديمقراطية»، وتستوجب أن يقوم المجلس باستجواب مسئولى شبكتَى التواصل الاجتماعى، «فيسبوك» و«تويتر»، لأنهما لا تتصديان، بشكل سريع، للمحتوى المسىء.
نرى تقلب وجهك فى السماء، ونسمعك تقول، مع البعض، إن ذلك تكميم للأفواه أو ضد حرية التعبير، أو تُكرر مع آخرين أن الدول التى توصف بأنها متقدمة تتعامل مع «الهبد» هناك، بمكاييل ومعايير مختلفة عن تلك التى تتعامل بها مع «الهبد» هنا. لكن قبل أن تقول هذا أو تكرر ذاك، عليك أن تعرف أولًا أن كاتى مينشال، مديرة السياسة العامة لـ«تويتر» فى بريطانيا، وصفت اعتماد الموقع سابقًا على المستخدمين فقط للإبلاغ عن أى إساءة استخدام، بأنه أمر «غير مقبول». وأقرت أمام النواب بأنه «لا يزال هناك الكثير الذى يجب على الموقع القيام به لتطوير أدائه»، غير أنها أصرت على وجود تحسن كبير فى استجابة «تويتر» للإبلاغ عن الإساءات.
عدد من النواب طرحوا أسئلة بشأن قدرة «الخوارزميات الآلية» على تحديد المحتوى المسىء. ومع أن ريبيكا ستيمسون، مديرة السياسة العامة لـ«فيسبوك» فى بريطانيا، أكدت تطبيق الموقع لـ«خوارزميات آلية»، لكنها أوضحت أن دورها كان محدودًا، لأنها لم تكن تستطيع تحديد إلا المحتوى المسىء الذى يتضمن خرقًا واضحًا لقواعد الموقع. وبالأرقام، قالت إن خوارزميات «فيسبوك» تمكنت فقط من تحديد ٣٠٠ ألف تدوينة من بين مليونين تضمنت محتوى مسيئًا، أى بنسبة ١٥٪، بينما كان ضروريًا وجود شخص لمراجعة وكشف الـ٨٥٪ الأخرى. واتفقتا (ستيمسون ومينشال)، أو مسئولتا «فيسبوك» و«تويتر»، على أن شبكتيهما تعملان، حاليًا، على تحسين أنظمتهما، وتطوير أدواتهما لسرعة تحديد المحتوى المسىء وحظره قبل نشره.
أيضًا، منذ ساعات، أعلنت شركة «فيسبوك» أنها ستحذف حسابات أليكس جونز، الصحفى والمذيع الأمريكى، وعددًا من الشخصيات السياسية الأمريكية، التى تحظى بشعبية كبيرة فى أوساط اليمين المتطرف، بينهم ميلو يانوبولوس ولورا لومر وبول جوزيف واطسون، بسبب انتهاكهم سياسة الشركة الخاصة «بالشخصيات والمنظمات الخطيرة». كما أعلنت الشركة أنها ستحذف أيضًا حساب بول نيلين، وهو متعصب ينادى بسيادة العرق الأبيض، خاض انتخابات الكونجرس الماضية، وحساب لويس فرخان زعيم حركة «أمة الإسلام» الذى يدعو لفصل السود عن البيض، وسبق أن وصف اليهود بأنهم «حشرة الأرضة».
لن تكتفى الشركة بحذف حسابات هؤلاء فحسب، لكن ستقوم بحذف أى حسابات أو صفحات أو مجموعات أو أحداث مرتبطة بهم، أو تروج للعنف أو الكراهية، سواء على شبكتها الأساسية أو على تطبيق «إنستجرام». وهنا تكون الإشارة مهمة إلى أن الشركة سبق وأعلنت أنها فعلت ذلك مع تنظيمى داعش والقاعدة، وزعمت أنها ستمنع أى مستخدمين آخرين من تأييد أى تنظيمات إرهابية. غير أن ذلك لم يمنع ظهور «أبوبكر البغدادى»، زعيم تنظيم داعش شخصيًا، فى مقطع فيديو على «إنستجرام»، أو يمنع تداوله على «فيسبوك» و«تويتر». كما أن عددًا غير قليل من الجرذان والخرفان، الذين يحملون الجنسية المصرية بكل أسف، لم يتوقفوا عن نشر تدوينات وتغريدات تتساقط منها الكراهية الممزوجة بالغل الأسود، وبعضهم يقوم بالتحريض على القتل بشكل واضح لا لبس فيه!.
.. وتبقى الإشارة إلى أن محكمة «أولد بيلى» البريطانية، قضت بسجن رويال بارنز «٢٣ سنة» لمدة خمس سنوات، وبحبس زوجته ريبيكا داوسون «٢٢ سنة» لمدة ٢٠ شهرًا، لأنهما وضعا مقطعى فيديو على «يوتيوب»، ووصفا فى المقطع الأول يوم مقتل البريطانى «لى ريجبى» على أيدى متطرفين بأنه يوم رائع. وظهر «بارنز» فى المقطع الآخر، وهو يضحك أثناء مروره أمام قبر «ريجبى». ولا يعنينا فى هذه القصة أو الحدوتة غير أن القاضى «براين باركر» قال خلال نطقه بالحكم إن «القانون يقدر جدًا حرية التعبير، لكن هذه الحرية لا ينبغى أن تنفصل عن الاحترام».