رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جريمة بلا صدى«1»




مر ما يقرب من ثلاثة أسابيع كاملة، على وقوع جريمة كنت أتصور أنها ستهز الأرض هزًّا، وتزلزل الأركان لفداحتها، ولخطورة ما تدل عليه وما تشير إليه، وما يمكن أن يترتب على إهمالها من نتائج، أو إذا مرت دون أن تثير لدينا ما ينبغى أن تثيره مثل هذه الجريمة لدى الشعوب الحيّة والعقول المنتبهة من تداعيات واجبة وإجراءات لازمة!.
كنت طوال هذه المدة كلها، أتابع يوميًا الصحف ومواقع الأنباء، عسى أن أجد فيها الحد الأدنى لرد الفعل «الطبيعى» على مثل هذا الحدث الجلل، لكن الأيام كانت تمر، ولا أثر البتة لما حدث، وكأنه أمر تافه لا معنى للالتفات إليه، ولا لزوم لبحث مُسبباته، أو درس سُبل علاجه، انتظرت والناس ملتهون بتوافه الأمور وعظائمها، دون أن يلفت نظرهم هذا الأمر، ولو من بعيد، وهو ما ضاعف من مخاوفى، وأكد لدى إحساسًا متعاظمًا بغفلتنا جميعًا، خاصة المثقفين والسياسيين والمُعلمين، ورجال العلم والدين والمعرفة والاختصاص، عن الجليل من الأمور، وتوهاننا عن الأساسى فى الوجود، وتلهينا عن الرئيسى فى الحياة، لصالح السطحى والتافه والعابر والقشرى، الذى لاقيمة له، ولا ضرورة لوجوده!.
والآن فلندخل إلى صُلب الموضوع:
نشرت الجرائد ووسائل الإعلام، فى ١١ أبريل الماضى، نبأ جريمة بشعة، (بطلاها) صبيان فى سن الحلم، تلميذان بالصف الثانى الإعدادى، ١٣ و١٢ عامًا، استدرجا طفلة أصغر، ١١ عامًا، بعد أن غادرت كُتّاب القرية، إلى مبنى متهدم مهجور بأطراف قرية فى محيط «كرداسة»، وقاما باغتصابها، ثم خشيا من نتائج اكتشاف فعلتهما الدنيئة، فضرباها بزجاجة على رأسها حتى لفظت أنفاسها، وتركاها عارية وعادا إلى منزليهما، حتى تكشفت أبعاد الجريمة وتم إلقاء القبض عليهما.
وأهم ما جاء فى التحقيقات مع الطفلين هو دافع الجريمة، حيث صرح أكبرهما: «إحنا مكنش قصدنا نقتلها.. كنت بشوف أفلام إباحية.. وكنت عايز أجرب معها أنا وصاحبى إسلام.. قلنا ليها تعالى نلعب استغماية ولما روحنا البيت المهجور.. عملت معها زى الأفلام.. وبدأت تصرخ ضربناها برقبة إزازة كانت موجودة فى البيت.. وجرينا.. بس ده كل اللى حصل».
والأغرب أننى، وأنا أتابع الأخبار على شبكة الإنترنت، فوجئت بتفاصيل جريمة مشابهة تمامًا لهذه الجريمة، منذ عامين فقط، وقعت فى قرية «المنصورية» بـمركز «منشأة القناطر»، حيث وُجدت جثة لطفلة فى السادسة من عمرها، تبين أن طفلين فى الرابعة عشرة من العمر، استدرجاها لأعلى عقار مهجور، وحين قاومت الطفلة محاولتهما اغتصباها، طعناها بآلة حادة، وتركا جثتها وهربا.
«هذا كل ما حصل»، وما خفى كان أعظم. أمّا كيف واجه المجتمع هذه الواقعة الخطيرة، غير الإجراءات الأمنيّة المعتادة، فكان: «الصمت المطبق»!.
والآن أيها السادة. حينما يتحول صبيان لم يبلُغا بعد، إلى ارتكاب جرائم جنسية على هذا المستوى من البشاعة، كان الواجب يقتضى من الدولة بكاملها، وفى المقدمة علماء الاجتماع والنفس والجريمة، ورجال الدين والفكر والثقافة، وخبراء السياسة والعلم والإعلام والثقافة، وغيرهم من المعنيين والمسئولين، ومن مؤسسات رسمية وهيئات شعبية، أن يبادروا جميعًا، بشجاعة ومسئولية، إلى فتح ملف هذه القضية الخطيرة، ومحاولة الإجابة عن سيل الأسئلة التى تطرح نفسها، وبقوة، على المجتمع، الذى هو شريك أساسى فى الجريمة، بغفلته وإهماله، أو بتواطئه وصمته، أو بوعيه وتحركه لفهم الأزمة ووضع الحلول لمواجهتها!.
وأختم بالحديث الشريف «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته»، فلا أحد مُبرّأ من نصيبه من المسئولية، ولن يصلح ما أفسده الدهر وسوء إدارة المجتمع إلا إدراك الجميع مسئوليتهم، والتحرك الواعى لحملها دون تردد. (يتبع).