رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شم النسيم.. دونك شم للدم ورائحة البارود


اليوم هو شم النسيم
أى نسيم يدخل صدرى وأنت بعيد
شم للدم ورائحة البارود
ورائحة الدم ورائحة العبث العنيد
اليوم هو شم النسيم
ولكننى وقد رحت عن زمانى
لم يعد بإمكانى يا توأم الروح والجسد
أن أشم إلا هواء الفراق
الأعياد بعدك سد خانات خاصمت الفرح
تكرار يبعث على الضجر وكمالة عدد
اليوم هو شم النسيم
صخب وأكلات وتهانى وألعاب وضحكات
المشاهد نفسها منذ آلاف السنوات
كأنما لا شىء جديدا نبدعه
حتى فى الأفراح والأعياد والمناسبات
اليوم هو شم النسيم
أترك الناس فى دنياهم المبرمجة اللاهية
وأجلس وحدى فى هدوء وتأمل وشجن
لماذا لا أستطيع الذوبان فى القطيع؟
لماذا لا أستطيع الاحتفال بالنسيم والربيع؟
لماذا لا أستطيع عبور السد المنيع؟
لماذا لا أرى إلا التهديد والترويع؟
لماذا أجزع رغم أن الرحيل للجميع؟
اليوم هو شم النسيم
مالى أنا ومال يوم شم النسيم؟
وكأن الذى يحول بينى وبين السعادة
كأن الذى يحجب عنى الهناء والنعيم
نسمات أبريل من الهواء الدافئ العليل
وليس غيابك الضارب قلبى فى الصميم
اليوم هو شم النسيم
ليذهب بدونك سريعا... بعيدا...
إلى منتهاه وإلى الجحيم

الكاتبات الشاعرات
لديهن هوس بدخول التاريخ
لديهن ولع بأن يذكرهن التاريخ
بماذا يفيدنى دخول التاريخ؟
ما أهمية أن يذكرنى التاريخ؟
السر كله يكمن أثناء الكتابة
المتعة كلها «هنا والآن»
عن أى تاريخ يتكلمن؟
دخول التاريخ أكذوبة كبرى
تحررت منها
هل يستطيع «التاريخ»
إذا مرضت أن يقدم لى حبة دواء؟
وإذا عطشت هل يمد يده بقطرة ماء؟
هل يستطيع «التاريخ»
أن يبدد الحزن السارى فى دمى؟
وأن يشفى الألم الناخر فى عظامى؟
هل بإمكان «التاريخ»
أن يرجع الأحباء
ويعيد إلى الحياة نبض الأشياء؟

أنت الوحيد سافرت لألقاه
فى القرية النائية
نظرى قصير
والطريق طويل
والليل البارد يخفى المعالم
وسيارتى مستهلكة من الزمن القديم
لكننى كنت إليك مشتاقة
بين كل لحظة وأخرى
أتصفح الخريطة التى وصفتها لى
بين كل لحظة وأخرى أطمئن على السيارة
بين كل لحظة وأخرى أقف لأسأل
الناس والبائعين وسائقى المركبات
كلهم يؤكدون أننى على الطريق الصحيح
أبتسم وأتخيلك وأنت ترانى
قد وصلت ولم أضل إليك السبيل
أتساءل كيف لابن الريف الكريم
أن يرحب بابنة المدينة المغامرة؟
الهاربة إليه من صخب العاصمة
وتفاهة وتشابه ورجعية وخواء الرجال
لم أسافر أبدًا لرجل
الرجال هم الذين يتحملون مشقة السفر
من أجل أى شىء لم أعد به
أنت الوحيد الذى سافرت إليه
فى الليل وحدى
إلى قرية نائية
ثلاث ساعات من القلق الجميل
وانتصار الممكن
الذى كان من المستحيل
أوقفت السيارة بهدوء
حتى أفاجئك بانتصارى
دخلت البيت
ولم أكن أعرف أننى دخلت إلى مصيرى
إلى ما يربطنا إلى الأبد
إلى ما يبكينى إلى الأبد
إلى ما يفرحنى إلى الأبد
تعرفت على أبيك الهادئ النبيل
الذى رحب بى بكلمات
لم أسمعها من قبل
قال لى «يادى النور»
كلمة ترحيب بسيطة
لكنها كانت كافية
لأتيقن أن بقائى سيطول
أعددت لى الشاى والعشاء
غنيت لى أغنيات من ألحانك
وعزفت لى على العود
موسيقى فريد التى أحبها
وجلسنا نرتب دون أن ندرى
لقدرنا المحتوم بالفرح
المختوم بالألم
جلسنا نسخر من حماقات العالم
الصاخب بالمواعظ الدينية والأخلاقية
قلت لك: «هذا وكر للعصابات وليس مكانا للعيش»
قلت لى: معا نواجهه
أنتِ بالكتابة وأنا بالموسيقى
سنصنع لنا وطنًا داخل الوطن
أتعب أرتاح بين كلماتك
تتعبين ترتاحين بين نغماتى
قلت: «الشيخ فُتوح سعيد بمجيئى
ورحب بى كأنه يعرفنى منذ زمن طويل
ليس مألوفًا أو مقبولًا زيارة امرأة
لرجل فى بيته الريفى ليلًا»
قلت لى: «أبى الريفى مؤذن القرية أكثر استنارة وتقدمًا
من كل أهل البلد ومن أصدقائى»
قلت مبتسمة: «هنيئًا لك به»
قال:
«هنيئًا لى بكِ.. أول مرة تسافر امرأة
بسيارتها ليلا لترانى هنا فى قريتى
والطريق صعب ومظلم وطويل ونظرها قصير
وأنت بالذات.. التى تزهد كل الرجال
لا أطلب شيئًا أكثر من ذلك
«أنا أطلب شيئًا»
«سأحضر لكِ كل الدنيا»
أمسكت يدك.. تعمقت فى عينيك
فقط كوبًا آخر من الشاى
هنا مذاقه أنقى وأجمل
ولم لا يكون؟

حتى ولو
من أجل قارئ واحد
ينتظر قصائدى
حتى ولو
من أجل قارئة واحدة
تحب كلماتى
فالأمر يستحق
أن أترك السرير
وأصحو كل صباح
أرحب بالإلهام
أقاوم الألم
أرفض الهزيمة
وأحتضن القلم