رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الضحك والبكاء فى هدى شعراوى


إن كنت تريد أن أبكى بين يديك قبل أن أطلب منك التضامن معى فسأفعل راضيًا مرضيًا، فأنا حزين وسعيد فى نفس الوقت!، وهذا شىء غريب يصاب به بعض الناس وأنا منهم، وبكل أنانية وبرجماتية أطلب تضامنك مع سبب حزنى، فالسعادة تخص والحزن يعم كما تعلم، وهذا لا يمنع من أن أحكى لك سبب السعادة، فها أنا أمضى فى شارع طلعت حرب سعيدًا وعلى أصابعى بقايا الحبر الفسفورى، سعيدًا بحدث ديمقراطى عظيم، كنت حرًا وأنا اذهب إلى الاستفتاء، وكنت حرًا فيما قلتْ، وكنت فخورًا بالنتيجة التى صدمت كل أصحاب الهوى والغرض فالذين قاطعوا والذين انتظروا التزوير وجبهات الحشد والتحريض عادوا جميعًا خاسرين، وعين العقل تشير إلى حدث ديمقراطى عظيم وقع فى أبريل 2019، أليس ذلك سببًا كافيًا للشعور بالسعادة؟!، فمن أين جاء الحزن؟!

رفرفتْ السعادة حولى فى شارع طلعت حرب كما ذكرت لك، وكانت بقايا الحبر الفسفورى على سبابتى تشير إلى الحدث ومشاركتى فيه كما قلت لك، أما حزنى فقد عرفته وأنا أعبر لشارع هدى شعراوى حيث مكتبة تنمية فصاحبها ومؤسسها "خالد لطفى" واحد من أصدقائى الشباب الذين يخطفون القلب بابتسامة صافية، وخالد ليس فى المكتبة فهو محبوس!، وهذا أمر يدعو إلى الحزن بلا شك، ولا تسألنى عن العقل والمنطق والقانون وتفاصيل القضية المحبوس على ذمتها فى حالتى الرومانتيكية تلك، ويصعب على أمثالى من واهنى العزيمة والقلب أن تكتمل فرحتهم وسعادتهم فى غياب صديق أو قريب أو زميل، فنحن ـ الواهنون ـ ضعفاء أمام من نحب، نفكر بقلوبنا ونستبعد تورطهم فيما يدينهم، ونقول دائما إنهم أكثر شرفًا ونقاءً وترفعًا من معادة أوطانهم أو التورط فى الإساءة إليها، فأنا أعرف خالد ولا أريد معرفة شىء آخر، لذا جئت أتسول منك التعاطف لتضم صوتك معى ربما نجده فى مكتبته فى تلك الأيام المباركة، ربما ـ بشكل برجماتى نفعى مصلحجى وضيع ـ أتخلص من خجلى لغياب صديقى عن مكتبته.. ربما أقول بأننى عشت لحظات السعادة الديمقراطية، دعنا الآن من عواطفى ومصالحى الخاصة، وتأمل سبب السعادة، ولن يمكنك ذلك إلا بعد التخلص من تصوراتك الخاصة والجاهزة لترى كيف عبرت الدولة المصرية اختبارا صعبًا يستوجب صورة جديدة لا بد وأن تلعلع فى سماء بلادنا وتكون الثقافة المصرية عنوانها وتاجها وزينة عهدها الجديد، وإعادة النظر فى المحبوسين على ذمة قضايا تخص الثقافة والنشر وحرية التعبير بشكل عام واجب وطنى لاكتمال صورة ديمقراطية فريدة نفخر بها، قد يكون هذا المطلب رومانسيًا وغير مدروس من جوانبه القانونية وقد يراه البعض محاباة للمثقفين، لكن رجال الأعمال لديهم محكمة اقتصادية تضمن لهم فرصًا متعددة للمراجعات وترتيب الأوضاع وجدولة المديونيات وما إلى ذلك، فلماذا لا يكون لدينا محكمة ثقافية على غرارها تحول دون وصول قضايا الفكر وحرية التعبير مراحل السجن والاعتقال وتمنح المتهم فى قضايا فكرية وأدبية فرصا مشابهة وترفع الحرج عن الدولة التى تحمل هذا العبء على كاهلها ولم تجن من ورائه سوى الاتهام بمعاداة الثقافة وحرية التعبير.