رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيدة الإبداع.. هدى بركات: توقعت «البوكر».. وليس لى دخل بتسريب النتيجة

جريدة الدستور

كتبت «بريد الليل» فى 4 سنوات بباريس ثم أعدت كتابتها ببروكسل واستكملتها ببودابست
الرواية لا تتكلم عن ذاكرتى أو ما عشته فى لبنان.. والجوائز لا ترفع من شأن الدول أدبيًا

لا يزال الصخب الذى صاحب فوز رواية «بريد الليل»، للروائية اللبنانية هدى بركات، بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» مستمرًا، حتى الآن.
منطق الاحتجاج لا ينطلق من التشكيك فى قدرة هدى بركات الإبداعية، فهذا شىء لا يقدر أحد على الاقتراب منه، فقد وصلت عام ٢٠١٣ إلى القائمة الطويلة لـ«البوكر» بروايتها «ملكوت هذه الأرض»، ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة «مان بوكر العالمية» لعام ٢٠١٥، وفازت بجائزتى نجيب محفوظ عن روايتها «حارث المياه» عام ٢٠٠٠، و«سلطان العويس» عام ٢٠١٨.
لكن ما أحدث الأزمة هو تسريب خبر فوز «بريد الليل» بالجائزة قبل حفل الإعلان عن الفائز، وهو ما دفع الروائية الكبيرة إنعام كجه جى للاعتذار عن عدم حضور الحفل، لأنها «رأت أنه من المناسب عدم حضور الحفل بسبب التسريبات التى سبقته، والتى تضر بهذه الجائزة».
وكانت «هدى» قد رفضت الترشح للجائزة، بسبب عدم وصول نفس الرواية إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للإبداع الأدبى، لكنّ لجنة التحكيم هى التى طلبت ترشيحها أو رشحتها بعد استئذان دار الآداب التى أقنعت «هدى» بضرورة الترشح.
ويتيح نظام الجائزة للجنة التحكيم، إذا ما وجدت نقصًا أو ضعفًا فى القائمة، أن ترشح رواية غير مرشحة، شرط أن توافق الدار وصاحب الرواية.
وفى لقائها مع «الدستور»، لم ترد هدى بركات أن تدخل إلى مساحة الجدل هذه، بل اكتفت بالإعراب عن سعادتها بالفوز الذى قالت عنه إنه كان متوقعًا.
وأشارت إلى أن الفوز بـ«البوكر» يشجعها على الاستمرار فى الكتابة، باحثة عن الجائزة الكبرى وهى إقبال القارئ على أعمالها.


■ فى البداية.. ماذا تقول هدى بركات عن فوزها بـ«البوكر»؟
- فاجأتنى النتيجة ولكنها كانت متوقعة أيضًا، برغم أنه فى الجوائز لا أحد يتوقع، و«فى كل الأحوال الحمد لله».
أنا حصلت على جوائز من قبل، وسأحصد جوائز فى المستقبل، لكن الجائزة هنا هى تشجيع لى على الاستمرار فى عالم الكتابة، وذلك ينبع من أننى أسكن بعيدًا عن عالمى الذى أكتب عنه، ولا أعرف كيف يتلقى العالم كله الرواية، وقيمة الجائزة هنا فى أنها مقدمة لنص مكتوب باللغة العربية، لأن ما يهمنى هو القارئ العربى.
■ جدل واسع أعقب فوزك بعد التسريب الذى خرج قبل الإعلان الرسمى.. كيف استقبلتِ هذا الأمر؟
- أنا ليس لى دخل بالتسريب، وليس لى تعليق فى هذا الشأن.
■ هل تعتقدين أن «البوكر» تعيد ترتيب الأدب فى الدول العربية، فقد رأى البعض أن فوزك أعاد لبنان للصدارة مجددًا؟
- لا بالطبع، وما دخل الدولة بالكاتب وبالرواية؟.. كل ما يقال بشأن الترسيم، وأن الجوائز ترفع شأن بعض الدول كتابيًا، وأن الدولة التى لم تفز بها ليس لها وجود روائى أو كتابى شىء خاطئ تمامًا، أنا لا أعتقد أن «البوكر» تقوم بهذا الأمر، ولا حتى غير «البوكر» من جوائز أخرى بما فيها العالمية.
■ تقيمين فى الخارج ومع ذلك تدور كتاباتك حول ما اختزنته ذاكرتك طوال إقامتك فى لبنان.. هل هو- كما يقول الآدباء- نوع من الحنين للطفولة؟
- فى الحقيقة أنا لا أوافقهم، لأن رواية «بريد الليل» لا تتكلم عن ذاكرتى أو ما عشته فى لبنان، أنا لدىّ مقاربة حسية وسردية ليست لها علاقة بالحنين، ربما أحيانًا لها علاقة بالشوق أن تكون لنا ذاكرة، ولكنى لم ألقِ أشياء من ذاكرتى الشخصية إلا ربما بعض اللمحات، على سبيل المثال فى «ملكوت هذه الأرض»، لكنى بالإجمال لا أعتبر الحنين ولا السيرة ولا ذكرياتى الشخصية باعثًا حقيقيًا فى كتابتى.
■ هناك الكثير من الآدباء الذين أقاموا فى الخارج مثل ألبير قصيرى وغيره كتبوا بالفرنسية.. هل سيكون لـ«هدى بركات» مشروع كامل بالفرنسية فى المستقبل؟
- أنا أكتب محاضراتى وأبحاثى ومقالاتى بالفرنسية، ولكن أكتب مشروعاتى الروائية بالعربية، ولن أكتب فى الأدب سوى بالعربية، خاصة الروايات، وبالتالى هذا الأمر غير مطروح لا الآن ولا مستقبلًا.
ستظل الكتابة بالعربية هى أول اهتماماتى، والجائزة نفسها- كما قلت- حافز مهم وقوى لذلك أيضًا، ولكن نيتى مبيتة ومسبقة، اللغة العربية هى ما تهمنى ولا تهمنى الكتابة بأى لغات أخرى.
■ تعملين بالترجمة والصحافة والتدريس والرواية.. كيف تفصلين بين كل هذه الفنون وتمنحين كل كتابة حقها؟
- الفصل سهل جدًا وبسيط هناك، بالطبع تختلف طرق الكتابة، فمثلًا هناك الأعمال والكتابة من أجل «رغيف العيش»، وهناك الكتابة الأخرى، الكتابة الإبداعية، وبالتالى عملية الفصل بينها سهلة جدًا، فكل كتابة تحمل فى ذاتها طريقتها وأيديولوجيتها وحتى حروفها وطريقة ترسيمها، والعقل قادر على الفصل بين كل هؤلاء، لأنك فى حالة الكتابة فى كل نوع تقوم باستدعاء هذا النوع فقط، وتكتب بطريقة سهلة وسلسة.
■ هناك الكثير من الأدباء يكتبون وفق توقيتات صارمة.. هل هناك انضباط فى عملية الكتابة بالنسبة لهدى بركات؟
- أنا أحاول أن يكون لدىّ انضباط مع عملية الكتابة، لكن مسئولياتى كثيرة، فأنا أم والآن جدّة، وأشعر بأننى ابتعدت قليلًا عن بيتى.
فى باريس تكون لى مقدرة أكبر للحفر فى مشروعى السردى وربما يكون أعمق، لكنى لا أملك هذا الترف بأن أقرر متى أكتب أو أن يكون لى «فلكلور» لأوقات الكتابة، هذا ما لا أملكه، لأنى مجبرة على العمل من أجل «رغيف العيش»، وأنا لا أستطيع التصرف بكامل الحرية فى وقتى، لذلك تحديد توقيت معين للكتابة صعب جدًا بالنسبة لى فى هذه الفترة وفى غيرها أيضًا.
■ حصلتِ على جائزة النقد عن «حجر الضحك»، وقيل إنها أفضل رواية تناولت الحرب الأهلية.. كيف هى تجربتك مع «حجر الضحك» أولى رواياتك؟
- فى المجمل هى تجربة جيدة جدًا، لم تكن «حجر الضحك» الرواية الأولى التى تناولت الحرب الأهلية، ولا أعتقد أن ذلك سبب نجاحها بأى حال. ليس الموضوع هو ما يعطى الأهميّة لعمل روائى، أو فنى عمومًا، بل كيفية التناول، وهى شروط صعبة للغاية.
■ صرحت من قبل بأن كتابة «بريد الليل» تمت عبر عدة مراحل؟
- نعم.. «بريد الليل» كتبت فى ٤ سنوات فى باريس، ثم أعدت كتابتها فى بروكسل، ثم استكملتها فى بودابست، ثم كانت المرحلة النهائية فى باريس؛ لتظهر الرواية فى صيغتها النهائية.
■ ما الذى دفعك إلى تناول بريد الليل فى شكل الرسائل؟
- أنا حساسة جدًا بالنسبة لقضايا الغرباء، ربما لأننى هاجرت وتركت بلدى، وبالطبع حكايتى مع فرنسا حكاية جميلة جدًا، فهى كرمتنى أفضل تكريم، ولكنى لست فرنسية ولن أكون، لدرجة أننى أجبرت ابنتى على أن تسمى ابنتها «ياسمين»، وحرصت على تعليم «ياسمين» اللغة العربية بالقوة.
أنا أرى مهجرين عربًا تغلق دونهم الأبواب، ولا أدافع عنهم، ولكنى أريد أن أنصت لأصواتهم، لأجل هذا عنونت روايتى بـ«بريد الليل»، أنا أكتب عن حكايات موجودة بالواقع.
والرواية عبارة عن خمس رسائل موزعة على ثلاثة فصول هى: «خلف النافذة»، و«فى المطار»، و«موت البوسطجى». الرسالة الأولى كتبها حبيب إلى حبيبته، والثانية كتبتها حبيبة إلى حبيبها، والثالثة كتبها ابن إلى والدته، والرابعة كتبتها بنت إلى أخيها والخامسة كتبها ابن إلى أبيه. وفى كل رسالة منها نتعرف على حكاية كاتبها، ونقف على مشاهد من عذاباته الشخصية سواء فى وطنه أو فى بلاد الغربة.
■ هل كان هذا مشروعًا قديمًا وليس وليد اللحظة؟
- نعم.. فمنذ روايتى الأولى أحرص على ذلك، فهنا الأخ فى لعبة سردية هو الراوى العليم، لن يستلم رسالة أخته ولن يقرأها ولن يكتب بدوره رسالة، والفصل الثانى فى الرواية، لتعميق سوء التفاهم بين كتاب الرسائل ومن يتمنون أن يتواصلوا معهم لتعميق الإحساس بعدم التواصل، بالعزلة والانقطاع، ولكن هنا الكثير من الرموز وغيرها، فحتى من يعمل فى توصيل الرسائل لم يعد قادرًا على توصيلها، ماذا سنفعل حين يقع البريد منا نهائيًا؟، هنا الأمر ملتبس ما بين البوح والكذب، والفصل الأخير هو وداع للأيام التى كان التواصل فيها بسيطًا جدًا.
■ هل تعمدت إخفاء جنسيات وموطن أبطال «بريد الليل»؟
- نعم تعمدت.. فهى الرواية الأولى لى التى لا تجرى أحداثها فى لبنان، وواضح أن الشخصيات ليست لبنانية بالكامل، فهم عرب من منطقتنا يعيشون فى الغربة، تركوا أوطانهم، ولكنهم لم يصلوا إلى أى مكان آخر، ربما لأن لا أحد يريد أن يستقبلهم أو يراهم، وربما أيضًا لأنهم لا يقصدون جهة معينة، فهم هربوا من فقر وحروب وعنف وديكتاتوريات ومجتمعات منهارة أخلاقيًا، لكنهم لم يصلوا إلى أى مكان آمن، وما زالوا مستمرين فى السير، وهنا تشعر بغربتهم الكبيرة، فهم ليسوا مهاجرين من النوع الذى يفضل الوصول لمكان لإقامة مشروع أو للقاء عائلة أو لمباشرة تجارة ما، بل غربتهم معقدة جدًا.