رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

باحث مصريات يكشف المجد الحربي لسيناء في مصر القديمة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

قال باحث المصريات الدكتور محمد رأفت عباس، مدير عام البحث العلمي بمنطقة آثار الإسكندرية بوزارة الآثار، إن سيناء هي أرض البطولة والفداء، وموطن المصير للأمة المصرية، التي سار على أرضها أغلب الغزاة والطامعين ليدخلوا مصر، والتي شهدت كذلك رحيلهم ودحرهم على أيدى أبناء شعبها الباسل، عبر العصور التاريخية المختلفة.

وأضاف "عباس"، بمناسبة الاحتفال بعيد تحرير سيناء- أن المصادر التاريخية المصرية أوضحت أن النشاط الحربي المصري في شبه جزيرة سيناء كان قد بدأ منذ عصر الأسرات المبكر ( 3100 – 2686 ق.م )، وذلك من أجل حماية المناجم والمحاجر المصرية هناك.

وأوضح أن هناك الكثير من النقوش الصخرية في مناجم الفيروز بوادي المغارة، التي يعود تاريخها إلى عصر الدولة القديمة (2686 – 2181 ق.م)، التي صور من خلالها ملوك مصر، وهم يقومون بضرب وقمع أعدائهم لتخليد ذكرى حملاتهم الحربية في المنطقة، وتأكيد السيطرة المصرية هناك.

ولفت إلى أنه في عصر الدولة الوسطى قام الملك أمنمحات الأول (1985 – 1955 ق.م) مؤسس الأسرة الـ12 ببناء سلسلة من الحصون الدفاعية في سيناء أطلق عليها (أسوار الحاكم)، وذلك من أجل حماية الحدود المصرية من الجانب الشرقي.

وأكد أن أرض سيناء شهدت قدوم الغزاة الأسيويين من الهكسوس إلى أرض مصر من بلاد كنعان، خلال عصر الانتقال الثاني، مع حالة الاضطراب والفوضى، التي تفشت في الدولة المصرية، خلال تلك الحقبة العصيبة، وكانت شاهدا كذلك على هزيمتهم وطردهم على يد الملك الطيبي الباسل أحمس الأول (1550 – 1525 ق.م) مؤسس الأسرة الـ 18 وعصر الدولة الحديثة ومحرر مصر من الهكسوس.

وتابع أنه خلال عصر الدولة الحديثة، ومع انطلاق الجيوش المصرية نحو كنعان (فلسطين) وسوريا مع تأسيس الإمبراطورية المصرية، شهدت سيناء مسيرة الجيوش المصرية إلى الفتح والمجد منذ عهد الملك (أحمس الأول)، وطوال عهد خلفائه من الملوك المحاربين العظام، والذين كان أبرزهم الملك المحارب العظيم (تحوتمس الثالث) المؤسس الحقيقي للإمبراطورية المصرية.

وعن الأهمية الحربية لسيناء في تاريخ مصر القديمة، أوضح أنها تحتوي على طريق (حورس) الحربي الشهير، الذي يمر عبر أراضي سيناء الشمالية ويمتد عبر ساحل البحر المتوسط من قلعة ثارو الحدودية (في مجاورات القنطرة) ليصل حتى رفح وغزة وكنعان وغربي آسيا، مؤكدا أن هذا الطريق كان بمثابة الشريان الحيوي الرئيسي للحملات الحربية والتجارية المصرية المتجهة إلى كنعان (فلسطين)، والذي دلت النصوص المصرية على أهميته البالغة منذ عصر الدولة القديمة.

وأشار إلى أن المصريين القدماء اتخذوا إجراءاتهم الدفاعية، عبر طريق حورس الحربي، منذ النصف الأول لعصر الأسرة الخامسة (الدولة القديمة)، حيث ظهر لقب (المشرف على طريق حورس) من خلال تابوت من الحجر الجيري، عثر عليه في مقبرة أحد الموظفين بالجيزة.

ونوه بأنه من خلال المناظر الحربية التي سجلها الملك (سيتي الأول) (1294 – 1279 ق.م) ثاني ملوك الأسرة الـ19، عن حملته الحربية الأولى على آسيا، والتي سجلت على الحائط الشمالي الخارجي لقاعة الأعمدة الكبرى بمعبد الكرنك بطيبة، ومن خلال ما ورد كذلك على بردية (أنستاسى رقم 1)، توافرت العديد من المعلومات التاريخية المهمة عن طريق حورس الحربي وتحصيناته المختلفة خلال عصر الدولة الحديثة.

وتابع أن المصريين قاموا بتشييد 11 حصنا و9 آبار عبر ذلك الطريق حملوا أسماء الملكين (سيتي الأول) و(رمسيس الثاني)، ومما لا شك فيه أن هذه الحصون يعود تأسيسها إلى مراحل تاريخية أكثر قدما، موضحا أن قلعة (ثارو) الحدودية في شمال غرب سيناء، كانت أهم قواعد الجيش المصري، ونقطة التجمع الاستراتيجية في الحملات الحربية المختلفة، كما أشارت النصوص المصرية.

واستعرض "عباس"، أعمال الحفائر الأثرية التي قامت في سيناء بداية من ثمانينات القرن الماضي، وحتى الوقت الراهن، والتي بذل فيها علماء المصريات والآثاريون المصريون، برئاسة الدكتور محمد عبد المقصود، جهدا كبيرا للكشف عن المجد العسكري المصري الخالد لسيناء في تاريخ مصر القديمة.

وأشار إلى أنه تم الكشف عن بعض مواقع حصون طريق حورس الحربي، والتي تواجدت في مواقع (تل حبوة) على مقربة من القنطرة، و(تل البرج، وتل الحير، وبئر العبد، والخروبة) بالقرب من العريش، وقد كان لهذه الاكتشافات الأثرية أثرا واسع المدى في أرجاء علوم الآثار والمصريات في العالم، وأعادت تشكيل التاريخ العسكري المصري القديم، الأمر الذي دفع بعض البعثات الأثرية الأوروبية والأمريكية، إلى الاهتمام البالغ ببعض هذه المواقع الأثرية في سيناء، ومحاولة استكشافها، وتقديم المزيد من الدراسات عنها، خلال العشرين عاما الأخيرة.

ولفت إلى أن موقع (تل حبوة) يعد أكبر وأهم ما اكتشف في طريق حورس الحربي، حيث أنه كان الموقع الفعلي لحصن ومدينة ثارو القديمة، والتي كانت بمثابة المدخل الشرقي لمصر، ونقطة التجمع الاستراتيجي للجيوش المصرية المنطلقة نحو آسيا، في حملاتها الحربية المختلفة، خلال عصر الإمبراطورية المصرية (عصر الدولة الحديثة 1550 – 1069 ق.م).

وأوضح أن هذا الموقع يقع على مقربة من القنطرة شرق، على مسافة 3 كم شرق قناة السويس، وتبلغ مساحته نحو 3 كم2، ويطلق على القسم الشرقي منه اسم (تل حبوة 1)، كما يطلق على القسم الغربي منه اسم (تل حبوة 2)، ويتضمن القسم الشرقي بقايا تحصينات قلعة (ثارو) التاريخية الشهيرة، أما القسم الغربي فيتضمن مبانٍ إدارية ومخازن لتموين الجيش المصري ومنطقة معابد.

وشدد على أن سيناء الأرض المقدسة، التي استشهد في سبيلها الأجداد والآباء في الماضي، والأخوة والأبناء في أيامنا هذه، كانت وستظل عنوانا خالدا لكفاح الأمة المصرية في سبيل الحرية والعزة والكرامة.