رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفجيرات الفصح بسريلانكا.. التى لم تحدث فجأة!


تفجيرات سريلانكا التى أودت بحياة ما يزيد على ٣٢٠ ضحية، التى استهدفت الكنائس الرئيسية التى تحتفل بعيد الفصح، ستحتل موقعًا متقدمًا فى قائمة العمليات الإرهابية الكبرى تاريخيًا، بمقياس الهجمات والحوادث الأكثر دموية التى تخلف عددًا من الضحايا والمصابين، مما اضطر الحكومة السريلانكية للاعتراف بعد أيام من وقوعها بأنه كان لدى أجهزة الاستخبارات الوطنية بعض إشارات الإنذار المبكر عن احتمال تنفيذ هجمات «انتحارية» تستهدف كنائس، لكنها أخفقت فى التحرك لدى صدور التقارير قبل وقوع الهجمات.

«راجيثا سيناراتنى» المتحدث باسم الحكومة السريلانكية، فصل الأمر على أنه كان لدى الشرطة تقرير عن الهجمات المحتملة، وأنه قد جرى توزيعه على بعض الأمنيين المعنيين، وهناك تشكك فى أن تكون رئاسة الحكومة تسلمت نسخة منه، لكن المؤكد أنه لم يتم إطلاع رئيس الوزراء أو أى من أعضاء الحكومة من الوزراء. وهذا ترهل أسهم بالطبع فى غياب القدرة على التحرك الاستباقى المدروس، الذى كان يمكنه أن يجهض تلك الهجمات أو يحاصر حدتها على أقل تقدير.

هذا دفع «سيناراتنى» إلى أن يطالب علانية بأن يقدم مفتش الشرطة استقالته، رغم إلقاء القبض على ما يزيد على (٢٥ مشتبهًا به)، فى الضلوع بالتخطيط وتنفيذ التفجيرات، وبعد تضارب إلقاء الاتهامات بحق «جماعة التوحيد الوطنية» بسريلانكا، وبين جماعة هندية تدعى «جماعة توحيد تاميل نادو».

وعلى ذكر الجانب الهندى، يبدو أن المعلومات الاستخباراتية التى وصلت سريلانكا قبيل وقوع الهجمات، كان مصدرها الأجهزة الهندية. حيث أفصحت الأخيرة همسًا بعد صدمة الهجمات بساعات، أنها سلمت الجانب السريلانكى ما يفيد بأن «هجومًا إرهابيًا بات وشيكًا»، دون أن تحدد أو تؤكد مكان وقوع ما تشير إليه، هل يجرى التخطيط له فى سريلانكا ويستهدف الهند، أم العكس هو ما كان لدى الأجهزة الهندية؟.

فى إطار التفتيش عن المعلومات التى تخص «الشبكة الدولية» التى سارعت السلطات السريلانكية، فى إلقاء اتهام ضلوعها والوقوف خلف تنفيذ تلك الهجمات غير المسبوقة، والتى يفتقر أى تنظيم أو جماعة محلية القدرة على تنفيذها بهذه القدرة، فضلًا عن وحشية وجرأة الهجمات بالصورة التى خرجت عليها- يبرز فى هذا السياق اسم «محمد قاسم محمد زهران»، وهو المعروف بأنه زعيم «جماعة التوحيد الوطنية» بسريلانكا، وله كنية شهيرة يعرف بها وهى «زهران الهاشمى»، حيث قام الأخير بمبايعة تنظيم «داعش»، بل وروج وحض أتباع الجماعة وغيرهم على مبايعة زعيم التنظيم «أبوبكر البغدادى».

وقد كشف بعد أيام من وقوع الهجمات عن أن «زهران الهاشمى» هو قائد تلك الهجمات، حتى وإن تلقى دعمًا خارجيًا ممن أشير إليهم بـ«الشبكة الدولية». وتعد هذه الجماعة هى الأقرب لنموذج- متكرر- من أحد أفرع تنظيم «داعش»، المنتشرة فى أماكن عديدة من العالم، حيث فعليًا يتلقون دعمًا بالتخطيط وتغطية نفقات التنفيذ، فى حال الاستقرار على تنفيذ هجمات فى مكان معين بعيدًا عن مركز التنظيم، الذى كان- لشهور مضت- يصدر عن الأراضى السورية فى مدن الرقة أو دير الزور.

تبدو خلفية الإعلان الذى لم يتأخر طويلًا، الصادر عن تنظيم «داعش»، بتبنيه هذه الهجمات الدامية، عبر منصاته الإعلامية الرسمية «وكالة أعماق»- هى الأقرب إلى حقيقة ما كان يخطط له التنظيم خلال أسابيع مضت، فهو بمجرد إعلانه الرسمى بأنه سيقوم بـ«عملية انتقام»، ردًا على هجوم «كرايستشيرش» فى نيوزيلندا، بدأ حثيثًا يبحث عن ساحة ما لينفذ فيها هذا التهديد.

فالتنظيم الأم كان أمام مأزقه الداخلى، الناجم عن خساراته المتتابعة للأرض فى سوريا، ولم يكن يحتاج سوى تلك العملية العنصرية فى نيوزيلندا، ليسارع بالاشتباك معها وإطلاق تهديداته الانتقامية، حيث لم يكن ليفلت عملية استحوذت على اهتمام واستنكار العالم بطابعها الصادم، دون أن يضع نفسه فى الجانب المقابل الذى يضع على عاتقه «الرد الافتراضى» لصالح المسلمين، وهى معادلة مختلة بالطبع وزائفة فكريًا، وبها العديد من ألغام إعادة إنتاج وتدوير الكراهية والعنف. 

إلا أنها من الزاوية التنظيمية؛ كانت تشى بأن تنظيم «داعش» لن يفلت تلك الفرصة، فهو فى أشد الاحتياج لترميم مصداقيته وقدراته أمام فروعه الخارجية، وفى وسط تنظيمات «السلفية الجهادية» التى ظلت خلال النصف الثانى من العام ٢٠١٨ وما مضى من هذا العام، تتداول ما اصطلح على تسميته مرحلة «ما بعد داعش». هذا لم يكن ليُرضى التنظيم بالطبع، بالنظر إلى أنه بذل من قبل جهدًا تنظيميًا كبيرًا، فى تقوية فروعه المنتمية له والقادرة على إنتاج «عنف محلى» مسلح وشديد التطرف، وفى بعض المناطق يفوق ما يقوم به المركز.

هذه الأفرع، فضلًا عن إيمانها العميق بالفكرة المركزية للتنظيم الأم، فإنها هى الأخرى لديها من الإشكاليات المحلية ما يدفعها إلى المضى قدمًا، فى التورط والضلوع بتنفيذ هذه الأجندة التنظيمية، التى تحقق لها تلك المكاسب المزدوجة- من وجهة نظرها-، فجماعة «التوحيد الوطنية» السريلانكية، قادمة من ميراث لصراع طويل ما بينها وبين المكونات البوذية والهندوسية، وهى كثيرًا ما روجت للتمييز العنصرى فى سنوات تجنيدها العناصر السريلانكية، الذين سافروا وانضموا لتنظيم «داعش» فى سوريا، ومنهم من احتل مناصب قيادية بالتنظيم.

ومما لا يجب إغفاله أيضًا، أنه مورس بحق الإثنية المسلمة فى سريلانكا اضطهاد طائفى واسع، رسخ حالة الاحتقان والتى لها امتدادات داخل الجارة الأكبر «الهند». لذلك سيكون تنفيذ عملية من هذا النوع تحت لافتة «الرد الانتقامى»، محققًا لها المكسب المحلى المشار إليه، بالإضافة إلى ترويج وإعادة التأكيد بأن الدوائر الجهنمية للتعصب، لن تهدأ فى الوقت القريب على الأقل.