رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ومع ذلك استمرّت


فى كل حضور جماهيرى لها، تظهر سيدات وفتيات يرتدين قمصانًا تحمل تلك العبارة: «ومع ذلك، استمرت». وهى العبارة التى التصقت بـ«إليزابيث وارن» منذ قالها السيناتور الجمهورى ميتش ماكونال، زعيم الأغلبية فى مجلس الشيوخ، وهو يصف فشل محاولاته لإسكاتها خلال إحدى مناقشات المجلس.
الديمقراطية إليزابيث وارن، هى عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوسيتس، ويضم فريقها عددًا من أبرز النشطاء السياسيين فى الولاية. وفى نوفمبر الماضى، أعيد انتخابها لفترة ثانية مدتها ست سنوات فى انتخابات التجديد النصفى. والأهم من ذلك هو أن هناك داخل الحزب الديمقراطى الأمريكى من يراهنون عليها، فى الانتخابات الرئاسة المقبلة، المقرر إجراؤها فى نوفمبر ٢٠٢٠، ويرون أنها قد تطيح بالرئيس الحالى، دونالد ترامب، وتنجح فيما فشلت فيه هيلارى كيلنتون، وتصبح أول امرأة تجلس على المكتب البيضاوى!.
ليس لدى «وارن» غير تشخيص واحد لكل المشكلات، وترجعها كلها إلى «الفساد» و«عدم اهتمام الإدارة إلا بالطبقة العليا». أما العلاج، فتلخصه فى تلك الجملة: «عندما ننظم أنفسنا ونقوم بالمقاومة، نستطيع إحداث فارق حقيقى». وبهذا الحل السهل، شديد البساطة، ترى أن بإمكانها إنهاء معاناة الطبقة الوسطى، وإصلاح الرأسمالية الأمريكية، حتى تستفيد منها كل الأسر الأمريكية مرة أخرى. وترى، أيضًا، أنها تستطيع إنهاء عصر «تعظيم قيمة حامل الأسهم» الذى لا تهتم فيه الشركات إلا بمصالح حملة أسهمها على حساب العمال والمجتمع والدولة ككل!.
السياسة ليست منافسة خبراء. وعليه، لن نتوقف عند سطحية التشخيص وعبثية العلاج. كما أن ما يعنينا، فى الأساس، هو أنها استمرت مع لا معقولية صمودها أمام عشرات المرشحين المتوقع ظهورهم خلال الأشهر التى تفصلنا عن المؤتمرات الحزبية الأولى، قد يكون بينهم شخصيّات من العيار الثقيل مثل نائب الرئيس السابق جو بايدن، وعضوى مجلس الشيوخ بيرنى ساندرز، كمالا هاريس، ورجل الأعمال الملياردير مايكل بلومبرج. و... و... ومن المقرر أن تبدأ فى فبراير المقبل الانتخابات التمهيدية، التى يختار الديمقراطيون فيها مرشحهم الفعلى.
فى ٣١ ديسمبر الماضى، نشرت «وارن» مقطع فيديو، قالت فيه إنها قررت تشكيل لجنة لدراسة إمكانية ترشحها فى انتخابات ٢٠٢٠ الرئاسية. وفى اليوم التالى، وفى أول أيام العام الجارى، كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ضيفًا على قناته المفضلة «فوكس نيوز»، وعلق على هذا المقطع بقوله: «سنرى كيف تفعل ذلك. وأتمنى لها كل التوفيق، وأحب أن أنافسها». لكنه حين سُئل عما إذا كان يعتقد أنها تؤمن فعلًا بإمكانية فوزها فى الانتخابات المقبلة، قال ترامب: «لا أعرف، عليك أن تسأل طبيبها النفسانى لأن إجابته ستكون أكثر دقة على السؤال».
الرئيس الأمريكى اعتاد انتقاد «وارن»، وكثيرًا ما اتهمها بالكذب بشأن انحدار أصولها من الهنود الحمر، أو الأمريكيين الأصليين. إذ سبق أن أعلنت أن والدتها تنتمى إلى قبيلتى «شيروكى» و«ديلاوير». وردًا على انتقادات ترامب، أجرت «وارن» اختبار الحمض النووى، لإثبات صحة كلامها، وظهر فى النتائج وجود دماء هندية حمراء فى عروقها، لكن ظهر أيضًا أن معظم أسلافها كانوا أوروبيين. ومع ذلك، فإنها تتجنب ذكر اسم «ترامب»، لاعتقادها أن هذه الرسالة تستطيع الوصول إلى بعض ناخبى الطبقة المتوسطة الذين منحوه أصواتهم فى الانتخابات الماضية. على عكس هيلارى كلينتون التى أصدرت حملتها وثيقة فى ٨٤ نقطة كانت غالبيتها تهاجم «ترامب» وتركز على فكرة أنه لا يصلح لأن يكون رئيسًا.
انتقادات كثيرة وهجوم متواصل، ومع ذلك استمرت، لتؤكد أن السياسة دأب «مش هز أكتاف».. تواصل جماهيرى، فى الواقع الفعلى، عبر ندوات ومؤتمرات، وليس فقط فى الواقع الافتراضى أو الوهمى، بكتابة تدوينات وتغريدات، كما يفعل، عادة، من يدفعهم الفراغ، إلى إعلان ترشحهم أو اقتراح ترشيح آخرين، قبل أن يعلنوا تراجعهم لأنهم تعرضوا لضغوط، تكون غالبًا انتقادات فى وسائل الإعلام أو على شبكات التواصل الاجتماعى. وطبعًا، لا لوم أو تثريب على فلان أو علان أو «تان تان»، لو أرادوا الترشح فى انتخابات الرئاسة، أو غيرها، أو لو قاموا بترشيح آخرين. أما مَن يستحقون اللوم والتثريب، وغيرهما، فهم هؤلاء الذين يدفعهم الفراغ، الزائد عن الحد، أو حسابات أخرى، إلى الاهتمام بهذا العبث أو العبث المضاد.
.. وتبقى الإشارة إلى أن استمرار «وارين» لا يعنى، أبدًا، أنها ستكون المرشح «الديمقراطى» لخوض السباق الرئاسى، لأن مرشح الحزب، كما يتوقع كثيرون بينهم الرئيس الأمريكى، سيكون واحدًا من اثنين: بيرنى ساندرز أو جو بايدن. المجنون والنائم، كما وصفهما ترامب، منذ أيام، فى حسابة على تويتر، وهو يؤكد أنه ينتظر مواجهة كليهما «.. وليرحم الله روحيهما».