رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حينما ينادينا الوطن



إن مصر تتحرك للأمام وتعاند إلى أقصى درجات العناد فى مواجهة كارهيها وأعدائها والمرتزقة الذين أنشأوا عشرات من مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعى للدعوة لمقاطعة الانتخابات
للوطن حق علينا.. وهذا الحق يقتضى أن نتحرك فى اتجاه أمانه واستقراره حينما نسمع نداءه، خاصة حينما يمر بظروف يلوح فيها الخطر.. كنت أسمع وأشاهد أغنية جميلة ومؤثرة جدًا مؤخرًا مرارًا وتكرارًا، وأُعيد سماعها وكلما سمعتها أحسست أنها تدخل قلبى وتهز مشاعرى وتجعلنى أفكر فى حال منطقتنا العربية وما يمر فيها من محن وما يواجه وطننا من أخطار لا تزال محدقة به.
هذه الأغنية الجميلة هى «أنا مواطن»، وكنت قد شاهدتها منذ سنوات وأحببتها عندما تغنى بها المطرب التونسى القدير لطفى بوشناق، وكان ذلك بدار الأوبرا المصرية فى إطار حفلات مهرجان الموسيقى العربية أثناء مواجهة تونس خطر الظلاميين وخطر الفوضى، وهو مطرب عربى أحرص على حضور حفلاته الغنائية عندما يكون فى القاهرة وأحرص على الاحتفاظ بأغانيه لأنه يجمع بين الطرب الأصيل وقوة الأداء وصدق الإحساس فى مزيج يندر وجوده فى يومنا هذا مع هوج الأغانى السطحية والأصوات العشوائية.
وكانت تونس حينما تغَّنى بها تمر بظروف عصيبة، وكانت مصر قد خرجت لتوِّها من ظروف عصيبة.. وفجأة بكى لطفى بوشناق وهو يتغنى بقيمة الوطن على خشبة المسرح حينما قال: «يا وطن أنت حبيبى وعزى وتاج رأسى. أنت يا فخر المواطن والمناضل والسياسى.. أنت أجمل.. أنت أغلى من الكراسى.. أنا حلمى بس كلمة.. أن يظل عندى وطن.. خدوا المناصب والمكاسب.. لكن خلوا لى وطن» بكى على المسرح أثناء غنائه فوجدت دموعى تنسدل معه تأثرًا بما حدث لوطنى أثناء حكم الظلاميين وربما أيضًا خوفًا عليه وتأثرًا أيضًا بما حدث لتونس الخضراء، لأننى زرتها حينما كانت مستنيرة وجميلة قبل ٢٠١١ ولما حدث لها بعدها لعدة سنوات.. وإذا بى أجد نفسى منذ أيام بينما كنت أتابع الجدل الدائر والهجوم الممنهج من فئات معينة حول التعديلات الدستورية.. ثم حينما تحدد موعد الاستفتاء وجدت نفسى أتذكر أغنية لطفى بوشناق مرة أخرى.. أنا حلمى بس كلمة.. أن يظل عندى وطن.. وأتعجب من هؤلاء الجالسين على الإنترنت والفيسبوك يبثون الكراهية ويدعون الشعب إلى الفوضى وعدم النزول للمشاركة فى الاستفتاء.. ونجد نداءات تدعو للمقاطعة وتروج لأفكار وشائعات لا تمت للحقيقة بصلة.. ووجدت سيلًا من المرتزقة يروجون ضد استقرار بلدنا.. بعض هؤلاء من الوجوه القبيحة التى كشفناها، وبعضهم وجوه قامت بإعداد شريط فيديو يبث على مواقع التواصل الاجتماعى مصحوبًا برفض وقول لا للتعديلات الدستورية، وبعض هذه الوجوه لفنانين يعيشون على أرض الوطن وأفراد ينعمون بالأمان داخل الوطن، لكنهم لا يعرفون قيمته.. ولا يهمهم ما يحدث لشعب مصر المخلص لها، والذى يعيش داخلها ويحرص عليها ولا يملك الملايين مثلهم من هنا وهناك. وفى مواجهة أعداء الاستقرار وجدنا أن ملايين المصريين قد نزلوا إلى الشوارع ليدلوا بأصواتهم، ورأيتهم يبثون الأغانى الشعبية والوطنية التى تتغنى بحب بلدهم، والتى ملأت الشوارع والأزقة أمام لجان الاستفتاء.. وبعض الأغانى يحفظها الأهالى فيرددونها مع الميكروفونات أو يرقصون على أنغامها.. المشهد الانتخابى أمامى حينما ذهبت للإدلاء بصوتى فى إحدى المدارس بمحافظة الجيزة.. كان يدعو للفخر والفرحة فى آن واحد.
أما الملحوظة الواضحة فهى توافر النظام داخل اللجان الانتخابية وقيام الجيش والشرطة بتأمين حماية المشاركين بكل المحبة والوطنية التى تسكن قلوبهم.. ووضح منذ اليوم الأول أن الشعب قد اختار الاستقرار، وذلك من مشهد الزحام حولى فى اللجنة، حينما ذهبت لأداء واجبى نحو استقرار وطنى وأمانه، وللتضامن مع أسر الشهداء الذين فقدوا أعز من لديهم ونزلوا للمشاركة أيضًا، ولتوجيه رسالة للعالم بأن الشعب المصرى يقف مع استقرار بلده وأمانه، وأنه يدرك أنه صاحب الحق فى اختيار مستقبل أبنائه وأحفاده، وأنه يستكمل حلقات ثورة ٣٠ يونيو الشعبية الهادرة، وأنه يقف بالمرصاد فى مواجهة كل أعداء الاستقرار وعملاء الداخل والخارج.
أديت واجبى لأننى أريد وطنًا مستقرا حديثًا لى ولأبنائى ولأحفادى من بعدى.. ولأن مصر تستحق أن نصونها وأن نحبها وأن ننتصر لها، ولأننا حينما ينادى الوطن لا بد أن نتحرك جميعًا لتلبية النداء.
إن مصر تتحرك للأمام وتعاند إلى أقصى درجات العناد فى مواجهة كارهيها وأعدائها والمرتزقة الذين أنشأوا عشرات من مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعى للدعوة لمقاطعة الانتخابات. إن مصر أكبر من أن تتأثر قوتها من حفنة من تجار الشائعات وأبواق الكراهية. إن مصر لا تغضب من الذين قالوا لا، لأن الأغلبية هم الذين قالوا نعم، ولأن الديمقراطية هى هكذا. إنها تعنى حرية الرأى، وهذه الأغلبية التى قالت نعم هى التى ستحافظ على الوطن.