رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوضع الأوزيري لتمثال رمسيس الثاني بمعبد الأقصر يثير جدلًا بين الأثريين

جريدة الدستور

سادت حالة من الجدل العلمي حول الوضع الأصلي لتمثال الملك رمسيس الثاني الذي تمت إزاحة الستار عنه مؤخرًا فى صرح معبد الأقصر، خلال احتفال وزارة الآثار باليوم العالمي للتراث، حيث رفض العديد من الأثريين وأساتذة الجامعات الوضع الأوزيري "عقد يديه على صدره" وطريقة ترميم التمثال، فيما أكد راي جونسون رئيس البعثة الأمريكية بالأقصر التابعة لجامعة شيكاغو ورئيس دار شيكاغو هاوس بالأقصر أن الوضع الأصلي لتمثال رمسيس الثاني وترميمه صحيحان 100%.

ونقلت وزارة الآثار، في بيان مساء اليوم، عن راي جونسون، رئيس البعثة الأمريكية التي كانت مسئولة عن إعادة ترميم التمثال، قوله إن النقوش الموجودة في نهاية الفناء المفتوح الأول بمعبد الأقصر، والتي تمثل واجهة المعبد المكونة من الصرح والمسلتين وصواري الأعلام والتماثيل، تم نحتها قبل وضع التماثيل في أماكنها، وتعكس التخطيط الأصلي الذي لم يكتمل كليةً أبدًا.

وأضاف أنه يبدو من التخطيط الأصلي للصرح أن التماثيل الضخمة المنحوتة من "الجرانوديوريت" للملك رمسيس الثاني تصوره إما في الوضع جالسًا أو واقفًا أو في الوضع سائرًا، ولكن لسبب ما فقد تم تغيير هذه الخطة "ربما لإتمام العمل في المهلة الزمنية التي طلبها رمسيس الثاني للمهمة"، فتم جلب تمثالين سابقين من الجرانيت الأحمر، وتم نقش اسم الملك رمسيس الثاني عليهما، أحدهما على أقصى الجانب الأيمن والآخر على أقصى الجانب الأيسر، وكان التمثال الضخم على أقصى الجانب الغربي "الواقف حاليًا ومنذ سنوات طويلة"، في الأصل للملك أمنحتب الثالث، وهو مختلف أيضًا، لأن على رأسه التاج الأبيض، وليس التاج المزدوج، وهو أيضًا منحوت من الجرانيت الأحمر.

وأوضح أن التمثال الضخم على أقصى الجانب الشرقي المنحوت من الجرانيت الأحمر- والذي تم إعادة إقامته منذ بضعة أيام بدعم مادي من مؤسسة "شيكاغو هاوس Chicago House" والسفارة الأمريكية- هو عبارة عن تمثال ضخم من أواخر الأسرة الـ ١٨، ربما لحورمحب "وتم إعادة نحت الوجه"، وتدل الأجزاء الباقية من التمثال على أنه كان في الهيئة الأوزيرية.

وأوضح أن القاعدة الأصلية للتمثال والموجودة بمكانها الأصلي كانت صغيرة الحجم جدًا لتسع تمثالًا في الوضع سائرًا، والذي يؤكد أن التمثال كان في الوضع واقفًا وليس في الوضع سائرًا، لذا فإن إعادة البناء والوضع الأصلي للتمثال صحيحان 100%.

 وأشار إلى أنه في الفناء الأول تم نقش الصيغة المبكرة من اسم الملك رمسيس الثاني "Ra-ms-ss" على تماثيله الضخمة بجوار تماثيل الملك أمنحتب الثالث "ولا تظهر تماثيل الملك رمسيس الثاني الأصلية ذيل الثور بين قدميه؛ أما تلك الخاصة بالملك أمنحتب الثالث فتظهر كلها ذيل الثور بين قدميه"، وعندما شرع رمسيس الثاني بإقامة تماثيله في المعبد، ترك اسم الملك أمنحتب الثالث دون أي تغيير؛ لأنه أراد أن يقترن بالملك العظيم الذي أقام ثلاثة أرباع المعبد.

وقال: "لاحقًا وقبل الاحتفال باليوبيل الأول للملك رمسيس الثاني، قام بتغيير فكره وأقدم على محو اسم الملك أمنحتب الثالث ونقش التماثيل باسمه بالصيغة الأحدث "Ra-ms-sw" سالبًا هويتها الأصلية"، مشيرًا إلى أن كل التماثيل الخاصة بالملك رمسيس الثاني بالفناء الأول تحمل الصيغة الأقدم لاسمه؛ أما التماثيل التي استولى عليها من الملك أمنحتب الثالث فتحمل الصيغة الأحدث من اسم رمسيس الثاني، مما يدل على أنه لم يستول على تماثيل الملك أمنحتب الثالث، إلا بعد سنوات طويلة من وضعها بالفناء، وهو ما يعتبر مجرد تغيير للخطة الأصلية.

وأضاف أنه يمكننا القول بأن التمثالين الخارجيين المصنوعين من الجرانيت الأحمر على أقصى الجانبين الشرقي والغربي للصرح كانا ضمن خطة معدلة لواجهة الصرح، وأن أعمال إعادة البناء التي تمت بمعرفة الوزارة صحيحة، وكل فريق العمل المصري قد قام بعمل رائع، وأعاد واجهة معبد الأقصر للحياة المجيدة، وكانت كل المعابد المصرية من عصر الدولة الحديثة مزينة بنفس الأسلوب، غير أن معبد الأقصر الآن يعتبر هو الوحيد في مصر الذي به ست تماثيل ضخمة أصلية في مواقعها الأصلية.

لكن عددًا من أساتذة الآثار بالجامعات المصرية ونخبة من الأثريين اعترضوا على تلك الحجج، وقال الدكتور أحمد عيسى أستاذ الآثار المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة إن التمثال الذي أقيم أمام واجهة معبد الأقصر ويتخذ "الوضع الأوزيري"، لا يصح أبدًا أن يكون مقامًا أمام واجهات معابد الأرباب شرقي طيبة، مؤكدًا أنه خطأ علمي كبير، خاصة أن المعماري المصري ترك بنفسه على جدران معبد الأقصر رسمًا للواجهة بتفاصيلها كاملة ومنها التمثالان الجالسان والأربعة الواقفة.

وأوضح أن ما أثاره البعض حول نشر قديم للراحل الدكتور محمد عبد القادر رائد الأثريين المصريين الذن عملوا في الأقصر، حول بعض الرموز لبعض أجزاء تمثال تشتمل على المنطقة العلوية من صولجان "حقا" دفاعا عن الطابع الاوزيري لـ "التمثال الممسوخ" المقام حديثا أمام البرج الأيسر للصرح الأمامي لمعبد الأقصر، لا يعد دليلا لنصب هذا التمثال فى الوضع الاوزيري، خاصة وأن الملك رمسيس الثاني في تمثاله الشهير بمتحف "تورين" يمثله حاكما قويا نبيلا وهو يمسك كذلك بصولجان "حقا"، والملك امنحوتب الثالث أثناء احتفاله بعيد "سد" المصور في مقبرة "خرو-اف" يمسك بصولجان "الحق" أيضا.

من جانبه، أشار الدكتور محمد عبد المقصود رئيس قطاع الآثار المصرية السابق بوزارة الآثار إلى أن الملك رمسيس الثاني وثق شكل الواجهة لمعبد الأقصر مرتين الأولى علي الفناء الأول واكتشف النقش الثاني أثناء ترميم مسجد أبو الحجاج بعد الحريق، كما أن المصري القديم عمل محاكاة لشكل الصرح الأول على الجدار الجنوبي للفناء الأول "اوسخت وبا"، ومعناها "الفناء الامامي"، والمنظر الموجود يصور رمسيس الثاني في هيئة رسمية وليس الهيئة الأوزيرية.

وأيدته الدكتورة نهاد كمال الدين أستاذ ورئيس قسم الآثار المصرية القديمة كلية الآداب جامعة المنصورة، نافية وجود تمثال فى وضع اوزيرى أمام واجهة معبد دينى فى البر الشرقى.

وكانت البعثة الأثرية المصرية الأمريكية المشتركة نجحت في الانتهاء من تجميع وترميم وإعادة تركيب ورفع تمثال رمسيس الثاني في وضعه الاوزيري، ليكون بذلك آخر تمثال ضمن ٥ تماثيل أخرى للملك رمسيس الثاني، حيث نجحت وزارة الآثار خلال العامين السابقين بتجميع وترميم وإعادة رفع تمثالين آخرين للملك بالصرح الأول بمعبد الأقصر.

ويبلغ ارتفاع التمثال حوالي 12 مترا، ووزنه ما يقرب من 60 طنا، وهو مصنوع من الجرانيت الوردي ويصور الملك رمسيس الثاني واقفا وتم الكشف عن بقايا هذا التمثال أثناء أعمال حفائر البعثة الأثرية المصرية برئاسة الدكتور محمد عبد القادر داخل المعبد عام 1958 وحتى 1960، والتي تمكنت أيضًا من الكشف عن أجزاء تماثيل أخرى وجدت مدمرة أمام الصرح الأول، ويرجح أنها دمرت نتيجة تعرضها لزلزال مدمر في العصور المصرية القديمة.