رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سريلانكا.. نهاية العالم!


التحذير أو الإنذار الأمنى أو المخابراتى الصادر منذ ١٠ أيام، باعتزام انتحاريين الهجوم على «الكنائس البارزة» فى سريلانكا، لم يحل دون حدوث ٨ تفجيرات متتالية، فى فنادق وكنائس كانت تقيم قداس عيد الفصح، صباح الأحد، راح ضحيتها حوالى ألف، بين قتيل وجريح، بينهم عشرات يحملون الجنسيات الأمريكية والبريطانية والتركية والهندية والبرتغالية و... وغيرها.
جزيرة سريلانكا، التى يقصدها السيّاح الأجانب لزيارة القمة الجبلية المعروفة باسم «نهاية العالم»، يعيش فيها حوالى ١.٢ مليون مسيحى كاثوليكى يمثلون ٧٪ من إجمالى ٢١ مليون نسمة، هو عدد السكان الذين يعتنق ٧٠٪ منهم البوذية، و١٢٪ الهندوسية بينما يبلغ عدد المسلمين حوالى ٢ مليون، أى ١٠٪ من عدد السكان. وكعادتها فى مثل تلك الحوادث، فرضت السلطات السريلانكية حظر التجول، وقامت بتعطيل شبكات التواصل الاجتماعى لمنع نشر «أخبار كاذبة أو غير صحيحة» بعد التفجيرات، لكن هناك مقطع فيديو أظهر الكثير من الجثث وانهيارًا فى أجزاء من سقف واحدة من الكنائس التى تم استهدافها.
لم تتضح بعد طبيعة الانفجارات والهجمات الأعنف فى سريلانكا، منذ انتهاء الحرب الأهلية التى استمرت منذ ١٩٧٢ حتى ٢٠٠٩، ولم تعلن أى جهة مسئوليتها. فقط، قالت الشرطة إن ثلاثًا على الأقل من الهجمات الثمانى نفذها انتحاريون، وأنها ألقت القبض على ٨ مشتبه بهم. وفى كلمة نقلها التليفزيون الرسمى أشار رانيل ويكريميسينجى، رئيس وزراء سريلانكا، إلى أن أسماء المشتبه بهم، حتى الآن، «محلية»، وأن المحققين «يسعون إلى معرفة ما إذا كانت لديهم علاقات مع الخارج أم لا»، بينما أظهرت وثائق حصلت عليها وكالة الأنباء الفرنسية أن بوجوث جاياسوندارا، قائد شرطة سريلانكا، وجه تحذيرًا لكبار الضباط قبل ١٠ أيام من وقوع الهجمات.
التحذير كان نصه كالتالى: «تفيد وكالة مخابرات أجنبية أن جماعة التوحيد الوطنية- وهى حركة إسلامية- تخطط لتنفيذ هجمات انتحارية تستهدف كنائس بارزة، وكذلك المفوضية العليا الهندية فى كولومبو». و«جماعة التوحيد الوطنية» هى جماعة إرهابية متطرفة فى سريلانكا محسوبة على الإسلام، قامت العام الماضى بتدمير عدد من التماثيل البوذية، لكن ليس مستبعدًا أن يزعم المشتبه بهم، الثمانية أو غيرهم، أنهم ليسوا أعضاء فى أى جماعة أو منظمة، بالضبط كما فعل الإرهابى الأسترالى، برينتون تارانت، منفذ الهجوم على مسجدى «كرايستشيرش» بنيوزيلندا، الذى قال إنه تصرف بمفرده وليس تنفيذًا لأوامر أى جماعة أو منظمة.
الإرهابيون كما أوضحنا مرارًا لهم دين واحد وينتمون لكيان واحد، أو أمة واحدة، مهما اختلفت التسميات والمسميات، والشك فى ذكائك واجب، لو اعتقدت أن «المعتقد» فقط هو الذى يحركهم، وتجاهلت الدور الذى تلعبه مؤسسات وأجهزة مخابرات دول، وكذا يمكن الشك فى ذكائك ومعلوماتك، إن اعتقدت أنهم يفرّقون أو يميزون بين المسلم والمسيحى أو حتى البوذى، لأن الجميع فى نظرهم ووفق معتقدهم وقناعتهم، أغيار أو «كفار»، ولن يرضوا عن هذا أو ذاك حتى يتبع أحد تنظيماتهم أو جماعاتهم أو يكون مركوبًا (ذهنيًا) منهم، وظهيرًا سياسيًا لإرهابهم.
فى أعقاب جريمة نيوزيلندا دعا أبوالحسن المهاجر، المتحدث باسم «داعش»، مناصرى التنظيم إلى الثأر، وذلك فى تسجيل صوتى بلغ ٤٥ دقيقة، رفض فيه تشبيه الهجوم على مسجدى «كرايستشيرش» بالهجمات التى يقوم بها التنظيم، ثم حرض على الانتقام: «إن مشهد القتل فى المسجدين لحرى به أن يوقظ الغافلين، ويحض أنصار الخلافة القاطنين هناك للثأر والانتقام لدينهم ولأبناء أمتهم، الذين يذبحون فى كل مكان من الأرض...»، وطبيعى أن يستجيب إلى هذا التحريض من يوصفون بـ«الذئاب المنفردة»، وتحديدًا فى مناطق النزاعات العرقية أو الطائفية، ونشير بالمرة إلى أن مصطلح «الذئاب المنفردة» ظهر لأول مرة، سنة ١٩٩٠ حين نصح الأمريكيان أليكس كيرتس وتوم متزجر المنتمين للخلايا الصغيرة بالعمل فى سرية تامة، وعلى انفراد، من أجل شن هجمات ضد غير البيض بشتى الوسائل المتاحة، وعدم التصريح بأى شىء يمس توجهاتهم السياسية إذا ما تم إلقاء القبض عليهم حفاظًا على سرية توجهاتهم.
ضحايا هجمات سريلانكا الثمانية، أو ما يستجد من هجمات، قتلهم الإرهاب عدو البشر الأول، على اختلاف جنسياتهم وأعراقهم ودياناتهم، وهو القاتل نفسه الذى قام منذ ثورة ٣٠ يونيو، ولا يزال، بمئات العمليات الإرهابية، قتل خلالها مئات المصريين، مسلمين ومسيحيين، وقام بحرق وتخريب وتدمير عشرات الكنائس والمساجد فى طول مصر وعرضها، وعليه فما لم تتحد كل دول العالم لمواجهة هذا الوباء نكون فى طريقنا إلى «نهاية العالم»، إلى نهاية العالم بالفعل، وليس إلى تلك القمة الجبلية التى يزورها السيّاح الأجانب فى سريلانكا.