رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرنسا والقذافى


شهدت ساحة مقاومة الإرهاب فى ليبيا فى الأسابيع الأخيرة، تحولًا كبيرًا فى مواقف بعض الدول، ومن بينها فرنسا وأمريكا. فرنسا تدعم المشير حفتر، قائد الجيش الليبى، الذى يتولى تطهيرها من الإرهابيين، فى حين أنها قبل ذلك تؤيد موقف المعارض السياسى فايز مصطفى السراج، الذى كان يعارض حفتر، والذى يتزعم المجموعات الإرهابية فى ليبيا.
إضافة لهذا التناقض، تم ضبط عناصر مسلحة فرنسية كانت تحاول التسلل من ليبيا إلى تونس، عبارة عن مجموعة مكونة من ١٣ فردًا، وزورقين من الزوارق المطاطية، حاولا أيضًا عبور الحدود البحرية، فى نفس اليوم، وعلى متنهما ١١ شخصًا يحملون جنسيات أوروبية ولديهم جوازات دبلوماسية، هم أعضاء فريق أمنى كان مكلفًا بتأمين السفارة الفرنسية فى ليبيا، قالت تقارير صحفية إنهم مستشارون عسكريون كانوا يقدمون دعمًا لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
طبيعة الدور الفرنسى فى ليبيا ومصالح باريس الحقيقية، جعلت الرئيس الفرنسى الحالى ماكرون يبدو تارة مع الجهود الأممية من أجل إيجاد حل سياسى للأزمة، وتارة يؤكد دعمه لحكومة طرابلس، ويستقبل السراج ويبحث معه عن حل للأزمة.
لكن فرنسا فى الوقت نفسه من أبرز الدول الداعمة للجنرال خليفة حفتر. ومع ذلك لا يحب الفرنسيون ليبيا، ولكنهم مع ذلك يحبون قطر. مع أن كلتا الدولتين تدخلتا تدخلًا مباشرًا فى صميم الشأن الداخلى فى فرنسا.
حجم الأموال التى أنفقتها ليبيا فى ٢٠٠٧ على حملة الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى حين كان مرشحًا، بلغت أقل قليلًا من ٥٠ مليون يورو.. بينما جرى تمويل حملة مرشح للرئاسة الأمريكية فى ٢٠٠٤ بخمسة ملايين دولار. كما تم تمويل حملة مرشحة الرئاسة فى أوكرانيا يوليا تيموشينكو فى ٢٠١٠.
يروى الكاتب الروائى والصحفى عبدالستار حتيتة فى سلسلة مقالات بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية فى ١٩ فبراير ٢٠١٨، أن صديق ومساعد سيف الإسلام القذافى نجل العقيد القذافى، سلّم بنفسه أموال الدعم الليبى ومقدارها أربعة ملايين يورو حملة للمرشحة الأوكرانية، بتكليف من رئيس الحكومة الليبية آنذاك.
كان صديق سيف الإسلام القذافى، أحد شهود عمليات رشاوى مالية كثيرة جرت خلف الأبواب المغلقة، وأشار إلى أن تمويل بلاده للحملة الرئاسية فى فرنسا، تم عبر رجال أعمال مقربين من ساركوزى، وأن هذا الأخير، الذى كان لا يزال وزيرًا للداخلية فى بلاده، تعهد وقتها بتطوير العلاقات الثنائية مع ليبيا والعمل فى إفريقيا وإسقاط التهم عن المدانين الليبيين الأربعة فى قضية تفجير طائرة «يو تى إيه» الفرنسية، فى حال دخوله قصر الإليزيه.
كانت هناك مشاكل عالقة بين فرنسا وليبيا، منها قضية تفجير طائرة «يو تى إيه»، ومن بين المتهمين الأربعة فيها عبدالله السنوسى، أحد أكبر القيادات الأمنية الليبية، ويقال إن أحد هؤلاء الضباط كان موجودًا فى الاجتماع، الذى تم فى فندق «كورنثيا» فى طرابلس، والذى أقام فيه الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى فى سبتمبر ٢٠٠٥.
وقتها كان وزيرًا للداخلية، ومن أتى به لليبيا كان مستشاره كلود غيان. وبعد إعلان نتائج الانتخابات وفوز ساركوزى بالرئاسة، حدثت مكالمة هاتفية بينه وبين القذافى، فى ٢٧ مايو ٢٠٠٧، عبَّر فيها ساركوزى للقذافى عن شكره وإخلاصه فى التعاون مع ليبيا فى كل المجالات كافة، وأنه سينفذ ما تم الاتفاق عليه فى مجالات مكافحة الإرهاب، ومجال الطاقة النووية، كما وعد ساركوزى بإرسال بعثة استكشافية لتقصى هذا الأمر، وفى مجال الدفاع، قرر ساركوزى الاتفاق على عقود بيع طائرات الرافال الفرنسية.
أموال القذافى فى أوروبا ربما أسهمت إلى حد كبير فى انتهاج سياسة أكثر اعتدالًا فى مواجهة المتطرفين، بعد أن نشرت صحيفة بلجيكية تقريرًا قالت فيه إن السلطات البلجيكية تفتح حاليًا تحقيقات فى اختفاء ما يصل إلى ١٠ مليارات يورو فى أصول ليبية مجمدة تابعة للعقيد الراحل.