رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استفتاءات الخواجات


الخواجات هم الأجانب الذين لا يحملون الجنسية المصرية. أما «استفتاءات الخواجات»، فهى تلك التى أجرتها قنوات تليفزيونية وصحف ومواقع إلكترونية، غير مصرية، بشأن تعديل الدستور المصرى، وقامت بالترويج لها بتدوينات وتغريدات، مموَّلة، أغرقت شبكات التواصل الاجتماعى، مع شائعات، أخبار كاذبة، ومعلومات مضللة، وصور وفيديوهات مفبركة.
لم يعد سرًا أن هناك دولًا تستخدم وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية، فى لعب أدوار داخل دول أخرى، كما لم يعد ذلك اتهامًا مرسلًا يطلقه من أكلت «نظرية المؤامرة» أدمغتهم. خاصة بعد مزاعم التدخل الروسى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، التى كانت مبنية بالكامل على قيام جهات ومواقع إلكترونية روسية بتمويل إعلانات على شبكات التواصل الاجتماعى، استهدفت تضليل الناخب الأمريكى. وبعد ثبوت قيام شركة «كامبريدج أناليتيكا» البريطانية بالحصول على بيانات عشرات ملايين الحسابات على الشبكة، استطاعت بعد تحليلها أن تتعرف على توجهات وميول آراء أصحاب الحسابات، وأن تتمكن من توجيه الأمريكيين لانتخاب دونالد ترامب رئيسًا، ومن توجيه البريطانيين للتصويت بـ«نعم» فى استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
تحت ضغوط، اعترفت شركة «تويتر» بأن شبكة «روسيا اليوم» موّلت نحو ١٨٠٠ تغريدة لدعم دونالد ترامب. وقامت الثانية، شركة «فيسبوك»، بتسليم التدوينات ذات الطابع السياسى التى مولتها جهات روسية، وتعهدت باتخاذ تدابير جديدة بشأن الإعلانات السياسية، خاصة ذات الصلة بالانتخابات، وقامت بمنع بيع إعلانات لوسائل إعلام روسية، أبرزها روسيا اليوم «RT»، وسبوتنيك، كما اعترفت «جوجل»، أيضًا، بأن جهات روسية استخدمت مواقع تابعة لها، يوتيوب والبريد الإلكترونى «جى ميل»، وتعهدت هى الأخرى بأن تضع مجموعة من القيود والسياسات الصارمة على أى إعلانات تحمل شبهة استهداف سياسى.
على امتداد سنتين تقريبًا، تم تشكيل لجان أمريكية، تابعة للمخابرات المركزية ولوزارة العدل وللكونجرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب. وتولت لجنة قضائية خاصة التحقيق، وأصدرت منذ أيام تقريرها النهائى، فى ٤٤٨، الذى يمكن تلخيصه فى عدم وجود تنسيق بين ترامب أو حملته مع روسيا، التى أشار التقرير، بشكل واضح، إلى أنها حاولت التدخل. ونشير هنا إلى أن عددًا من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى، قاموا بتوجيه انتقادات حادة إلى «تويتر»، و«فيسبوك» و«جوجل»، وطالبوا باتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع أى جهات خارجية من توجيه الرأى العام أو التأثير على الناخب الأمريكى.
غير الكونجرس الأمريكى، طالب مجلس العموم البريطانى، والجمعية الوطنية الفرنسية والبرلمان الأوروبى بفرض قيود صارمة على شركات ومواقع التواصل الاجتماعى، لمنعها من التأثير على نتائج الانتخابات فى أى بلد. وعليه، وبعد سلسلة من الفضائح المتتالية، كان من المفترض أن تلتزم الشركات الثلاث بما تعهدت به، وألا ترتكب «الجريمة» نفسها التى هُوجمت (وأدينت) بسببها فى الغرب قبل الشرق.
بدلًا من ذلك، قامت تلك الشركات ببيع إعلانات لجهات ومؤسسات خارجية، تستهدف التأثير على الناخب المصرى، موّلتها أو دفعت تكاليفها وسائل إعلام، جهات، وكيانات أمريكية، وبريطانية، وألمانية، وتركية، وقطرية، بعضها ينتقد التعديلات الدستورية، وبعضها يشكك فى نتائج الاستفتاء بشكل فج. وبعضها «جاب م الآخر» ودعا الناخبين إلى عدم المشاركة، إما بشكل مباشر، أو عبر استضافة أعضاء جماعة الإخوان، أو المؤلفة قلوبهم وجيوبهم. وبالتزامن، صدرت تقارير وبيانات عن كيانات تخصصت فى التخديم على جماعة الإخوان الإرهابية، ولم تخف دعمها لدويلة قطر فى مواجهة الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب.
مع تلك الاستفتاءات، انطلق «كورس»، من الشواذ وطنيًا، ينشد فى تغريدات وتدوينات، ممولة، بأن نتائج الاستفتاء ستكون «زائفة»، وبأن التصويت «الموازى» على الإنترنت هو الفرصة الوحيدة المتاحة للمصريين لممارسة حقهم الدستورى بحرية. مع أن العاقل، أى عاقل، يعرف أن التصويت فى مثل هذه الاستفتاءات يكون متاحًا لكل مواطنى العالم. ما يعنى أنها استفتاءات كونية، لا يمكن الاحتكام إلى نتائجها إلا لو كانت مصر هى العالم كله، أو تحول وصفها، مجازًا، بـ«أم الدنيا»، إلى حقيقة.
النكتة، هى أن نتائج «استفتاءات الخواجات» حين جاءت على غير ما أرادوا أو استهدفوا، أطلقوا غلمانهم ليشككوا فيها ويرجعوها إلى تدخل لجان إلكترونية أو ما يصفونه بـ«الذباب الإلكترونى». بالضبط، كما سيرجعون نتائج الاستفتاءات، وأى انتخابات، إلى المجال العام الذى يزعمون أنه مُوصد، أو إلى الأفق السياسى الذى يقولون إنه انسدْ، أو إلى أى «كلام فارغ» قد يكون مدفوع الثمن، أو ناتجًا عن أمراض نفسية.
.. ولا تبقى غير الإشارة إلى أن رئيس «كمبريدج أناليتيكا» السابق، اعترف بالصوت والصورة، فى الفيلم الوثائقى الذى عرضته القناة الرابعة التليفزيونية البريطانية، بأن الشركة لعبت أدوارًا فى انتخابات دول عديدة، غربًا وشرقًا، وتفاخر بأنهم تمكنوا من الإيقاع بسياسيين، عبر نصب «مصايد جنسية» أو بدفع «رشاوى».