رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العالم مصطفى السيد: سقطت فى الكيمياء بالثانوية.. وكان نفسى أبقى «طبيب»

جريدة الدستور

فى مدينة زفتى بمحافظة الغربية، ولد العالم الكبير الدكتور مصطفى السيد، رئيس أمناء جامعة زويل، أحد رموز مصر فى مجال البحث العلمى، شغوفًا بالبحث والتأمل وراهبًا فى محراب العلم حتى حملته الرحلة على مغادرة مصر والاستقرار طويلًا بالولايات المتحدة التى وصل بها إلى أقاصى المجد دون أن ينسى جذوره أو يفقد شغفه بموطنه. وفى حواره مع «الدستور»، اصطحبنا الرمز الكبير إلى عالمه، واستعرض معنا تفاصيل رحلته وما حملته من آلام وتحديات وآمال وطموحات، كاشفًا عن ظروف نشأته وأسباب تعلقه بمجال الكيمياء الذى برع فيه، ورؤيته لمستقبل البحث العلمى فى مصر، بالإضافة إلى آخر تطورات أبحاثه فى مجال علاج السرطان، التى يعمل عليها منذ ١٢ عامًا.
■ بداية.. كيف كانت ظروف نشأتك؟
- ولدت فى مدينة زفتى بمحافظة الغربية، ودرست الابتدائية والإعدادية بها، وانتقلت إلى القاهرة عند دراستى بالمرحلة الثانوية، وتربيتى كانت محافظة فى أسرة متواضعة تحب العلم والتعليم مثل معظم الأسر المصرية وقتها.
وكان والدى يعمل مدرسًا للرياضيات فى نفس المدرسة التى كنت أدرس بها، وكان رجلًا عظيمًا وحنونًا جدًا منحنا الحرية فى اختياراتنا، سواء فى الدراسة أو العمل، وفى صغرى كنت مرتبطًا جدًا بإخوتى، إذ كنت مدللًا بينهم، فقد كنت آخر العنقود. وأخى الأكبر «محمد» أكثر من ساعدنى فى حياتى، وكنت دائمًا أستشيره فى جميع أمورى، حتى إننى عندما سافرت ظللت أرسل إليه «جوابات» لآخذ رأيه فى كل ما يتعلق بحياتى، لذا كان الجميع يوقره ويحترمه، خاصة أنه كان يعمل فى مجال المحاماة ويدير الأمور بذكاء وهدوء. ووالدى قبل وفاته كان يقول لى: إذا أردت شيئًا فعليك بأخيك، ويمكن القول إن أخى هو الذى ربانى أنا وإخوتى وأنفق علينا وعلى الأسرة، ورعانا برجاحة عقله ونباهته.
■ متى بدأ تعلقك بعلم الكيمياء؟
- علاقتى بالكيمياء بدأت منذ دراستى فى الثانوية، فقد أحببتها جدًا، وكنت «شاطر جدًا فيها»، والفضل فى هذا يعود إلى مدرس المادة. وفى آخر سنة فى الثانوية كانت أختى على وشك الزواج، والبيت كله مشغول بذلك، لذا لم أستطع المذاكرة بشكل جيد، لذا قررت عدم مذاكرة الكيمياء، معتقدًا أنى متفوق فيها، وبدأت التركيز على المواد التى أشعر فيها بضعف.
وحين أُعلنت النتيجة فوجئت بنجاحى فى جميع المواد، عدا الكيمياء، وكانت صدمة كبيرة لى، وبعدها دخلت امتحان «الملحق» فى الصيف ونجحت، وازداد بعدها اهتمامى بالكيمياء أكثر وأكثر.
■ هل قررت وقتها أن تتخصص فى هذا العلم؟
- بكل صراحة كنت أفضل وقتها أن أصبح طبيبًا بشريًا، وبالفعل قدمت أوراقى بعد الثانوية العامة للالتحاق بكلية الطب، لكنى لم أوفق فى ذلك، بسبب أن مجموعى كان «ناقص درجتين».
بعدها التحقت بأكاديمية المعلمين بجامعة عين شمس، فى أولى دفعاتها، وعندما تخرجت عينت مع زميلى الدكتور على الأطرش معيدين عام ١٩٥٣، وكنا أول معيدين فى الجامعة.
■ متى بدأت رحلتك للدراسة فى أمريكا؟
- كان ذلك بعد تخرجى فى الجامعة بـ٣ أشهر، بعد أن قرأت إعلانًا فى إحدى الجرائد جاء فيه أن أحد الأساتذة فى جامعة «فلوريدا» بالولايات المتحدة الأمريكية يطلب مساعدًا مصريًا له، على أن يكون متفوقًا فى العلوم والرياضيات ويهتم بمجال الأبحاث.
وتقدمت بأوراقى للبعثة، وتم قبولى، وسافرت إلى أمريكا، وفيها حصلت على درجة الدكتوراه فى الكيمياء، وقدمت فى وظائف جامعية حتى عملت مدرسًا فى جامعة «كاليفورنيا»، وتخصصت فى مجال الأبحاث.
■ ما أكثر الصعوبات التى واجهتك فى الغربة؟
- فى البداية لم أكن أجيد التحدث باللغة الإنجليزية، لكنى تعلمت ذلك بمرور الوقت، كما كنت أعانى من الإحساس بالغربة فهو إحساس مرهق جدًا، ومن الصعب أن تكون بعيدًا عن أهلك وأصدقائك، وأن تكون فى مجتمع لا تعرف فيه أحدًا، كما أن هذه المجتمعات لا ترحب سوى بالناجحين، لذا كان قرار مواجهة هذه التحديات وتحقيق النجاح قرارًا مصيريًا.
أما فى العمل فكانت الصعوبة تتمثل فى أنى كنت أعمل كثيرًا جدًا، وأتقدم بطلبات مختلفة للالتحاق بالوظائف الجامعية حتى أصبح أستاذا بها، وما هون الأمر هو أنى كنت أحب عملى الذى يقوم على التدريس والبحث. كما أنى فى هذه الفترة كنت أواجه صعوبة فى العودة إلى مصر، لأنه كان زمن حكم الرئيس عبدالناصر، وكان السفر من أمريكا إلى مصر صعبًا، ومن يذهب لأمريكا لا يستطيع العودة مرة أخرى، وهو ما اختلف فى عهد الرئيس السادات، الذى فتح الأبواب أمامنا للعودة إلى مصر مرة أخرى.
ومن وقتها أصبحت أقضى جميع إجازاتى فى مصر، وأستغلها فى إقامة محاضرات للطلاب فى جامعة القاهرة وغيرها.
■ تعمل حاليًا رئيسًا لمجلس أمناء جامعة زويل.. كيف ترى دور الجامعة فى مستقبل البحث العلمى فى مصر؟
- نحن فى جامعة زويل نعمل حاليًا على ضم مزيد من الطلاب للجامعة مع تعميم تجربتها فى عدد من المنشآت التعليمية الأخرى، من أجل تخريج باحثين مصريين متميزين فى عدد من المجالات البحثية التى يحتاجها العالم، والتى يمكن لنا أن نحقق إسهامات متميزة فيها، وهو الحلم الذى تأسست عليه الجامعة فى الأساس. فالعالم الجليل أحمد زويل، رحمه الله، تحمل الكثير من أجل إنشاء هذا الصرح العلمى الكبير، وواجه اعتراضات مختلفة فى الداخل والخارج، ورغم ذلك استمر فى محاولته لإنشاء جامعة تسهم فى زيادة البحث العلمى فى مصر. ورغم ما تعرض له من ضغوط أسرية بعد كل المعوقات التى عانى منها فى سبيل تنفيذ حلمه، فإن عشقه لمصر كوطنى عظيم ومخلص كان أكبر، خاصة أنه كان يتمنى أن يراها دولة عظمى فى جميع المجالات، وكان يحزن جدًا عندما يرى بعض الدول الناشئة تتفوق علينا فى المجالات العلمية.
■ فى تقديرك.. هل تحقق هذا الحلم؟
- تحقق جزء منه، وهو المتمثل فى إنشاء الجامعة، فى ظل أن أعضاء هيئة التدريس بها يحملون خبرات علمية كبيرة فى مجالات البحث المختلفة، ويعملون على نقل خبراتهم للطلاب المصريين، وفق نظام الدراسة الذى يواكب أعلى المستويات العالمية، ويهدف بالأساس لتكوين العقل والفكر لا الحفظ والتلقين.
بالإضافة إلى ذلك نعمل على استكمال الحلم عبر تدشين أكاديمية يكون هدفها هو اكتشاف الموهوبين فى سن مبكرة، وإعادة بناء عقول الأطفال على إدراك أهمية البحث العلمى عبر تطوير مهاراتهم العلمية والبحثية.
■ فى إطار مشروع زويل.. كيف ترى مستقبل مصر فى مجال البحث العلمى؟
- أتوقع أن تنهض مصر خلال السنوات المقبلة، خاصة أن العقول المصرية «من أفضل ما يمكن»، وإن شاء الله سيكون هناك تحسن كبير فى هذا المجال، فى ظل الحكومة الحالية التى تولى اهتمامًا كبيرًا بالتعليم، مع الأخذ فى الاعتبار أن العملية التعليمية تحتاج إلى تمويل كبير، لأن التمويل يعد أحد أهم أسس التطور العلمى فى الفترة الأخيرة. كما أن الرئيس عبدالفتاح السيسى مدرك تمامًا حقيقة الأوضاع الخاصة بالعملية التعليمية فى مصر، وبدأ بالفعل فى اتخاذ خطوات جادة للاستفادة من العقول المصرية فى هذه العملية، وأتوقع أن تبهر العقول المصرية العالم، كما أبهرتهم عقول قدماء المصريين.
■ على ذكر التقدم العلمى.. ما آخر التطورات فى مشروعاتك الخاصة بخصوص علاج السرطان بالذهب؟
- ما زلت مستمرًا فى الأبحاث الخاصة بعلاج مرض السرطان والتى أعمل عليها منذ ١٢ عامًا، وتشاركنى حاليًا مجموعة من أفضل الباحثين فى المركز القومى للبحوث وجامعة القاهرة فى العمل، خاصة أننى لا أستطيع استكمال أبحاثى فى الولايات المتحدة، لأن القانون يمنع إجراء التجارب على القطط والكلاب. والحقيقة أن الحكومة تمول الأبحاث فى جامعة القاهرة بطريقة محترمة، كما أن الجامعة تملك معامل مجهزة على أعلى مستوى.
وعلى العموم فإن تجارب علاج السرطان بالذهب نجحت على الحيوانات، وسنبدأ قريبًا فى تجربة هذه الطريقة فى العلاج على الإنسان، كما أننا طلبنا تصريحًا من وزارة الصحة للسماح لنا ذلك.
■ هل ما زلت مرتبطًا بالثقافة المصرية مثل الأغانى والأفلام؟
- بكل تأكيد، فأنا من الجيل الذهبى الذى تربى على عشق عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم، الذين أحبهم جدًا، ولدىّ فى منزلى مكتبة تضم جميع أسطوانات «عبدالوهاب» الذى أعشقه بشكل خاص، وأم كلثوم، وفريد، وحليم، ونجاة، ووردة، كما أحب أفلام الزمن الجميل وأعمال إسماعيل ياسين، وسعاد حسنى، وأيضًا أفلام أحمد زكى، وعادل إمام، ونور الشريف.
وأحرص كلما أتيت إلى مصر على مشاهدة الأفلام الجديدة مع أحفادى، ودائمًا أقول: «من يرتبط ببلده.. يرتبط بتراثها وأغانيها»، ونحن المصريين عندما نكون فى الخارج نكون أشد ارتباطًا بهذا التراث من غيرنا.
■ ما الكتب التى تحرص على قراءتها خارج مجال تخصصك؟
- معظم قراءاتى الحالية تنحصر فى مجالى الكيمياء والطبيعة، وتركز طبعًا على المجالات العلمية، لكنى كنت دائمًا أهوى قراءة روايات كبار الكتاب المصريين بمختلف أنواعها، وأقرأ لنجيب محفوظ ويوسف السباعى وطه حسين وغيرهم.
■ متى يكتب العالم الكبير الدكتور مصطفى السيد مذكراته؟
- أفكر فى ذلك حاليًا، وسأكتب فيها محطات حياتى بداية من النشأة فى مدينة «زفتى»، ومرورًا بعملى رئيسًا لمجلس أمناء جامعة زويل، ووصولًا إلى عملى البحثى، وأتمنى أن تتحول إلى مرجع لمن يريد الاطلاع عليها.
■ ما الرسالة التى تحب أن توجهها لشباب مصر؟
- أقول لهم كونوا على قدر من المسئولية تجاه بلدكم، واعلموا أن العقول المصرية أثبتت جدارتها فى جميع أنحاء العالم عندما كانت تهتم بالعلم والتعليم، وفى زمن ماض كانت لدينا جامعات متفوقة فى عدد من المجالات أكثر حتى من بعض الدول المتقدمة.
وعليكم أن تدركوا أن العقل المصرى هو من بنى الأهرامات التى لا يعلم العالم كله حتى الآن كيف بنيت، لذا عليكم الاهتمام بالتعلم القائم على الفكر والإبداع حتى نعود لمكانتنا التى نستحقها.