رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا رفض أحمد الكاس الاحتراف فى تشيلسى ويوفنتوس؟

جريدة الدستور

أسطورة كروية بمعنى الكلمة، هو أحد ٧ لاعبين تجاوزوا حاجز المائة هدف فى الدورى برصيد ١٠٧ أهداف، واللاعب الوحيد فى تاريخ مسابقة الدورى الذى فاز بلقب الهداف ٣ مرات متتالية. تألق واشتهر وانضم للمنتخب وهو فى صفوف الأوليمبى، وحقق بطولتين مع «فريق الأحلام» بالزمالك، لكن حياته كانت مليئة بالمواقف الصعبة التى تحداها بفضل قوة إيمانه. إنه أحمد الكاس، نجم الأوليمبى والزمالك السابق، وأحد نجوم المنتخب الوطنى فى مونديال إيطاليا ١٩٩٠، الذى تكشف «الدستور» فى السطور التالية كيف تعلم عشق الزمالك على يد عمه، وما قصة رغبة والده التى أجلت انضمامه إلى الزمالك ٧ سنوات، وكيف أسهم هدف أحرزه إبراهيم حسن فى حصوله على لقب «هداف الدورى»؟.

عشق الزمالك على يد عمه.. وهدف إبراهيم حسن منحه لقب «هداف الدورى»
ولد أحمد الكاس فى الإسكندرية يوم ٨ يوليو ١٩٦٥، وينتمى لأسرة نوبية، فالأب من قرية «عنيبة» بأسوان، وكان موظفًا بإحدى شركات الأدوية، والأم من قرية «الجنينة والشباك»، وكان ترتيبه الرابع بين ٥ أشقاء وشقيقات.
يعتز «الكاس» بأصوله النوبية، ويؤكد أن والديه غرسا فيه منذ الصغر عادات وتقاليد النوبة، وعلماه كيف يكون إنسانًا صاحب مبادئ يعتز بكرامته، لذا عندما أراد الزواج اختار شريكة حياته من قرية «توماس» فى «بلاد الذهب»، فكانت خير سند له فى المواقف الصعبة التى تعرض لها.
ارتبط «الكاس» بأسرته ارتباطًا شديدًا، ورغم أن أباه كان صاحب شخصية قوية شبيهة بشخصية «سى السيد» فى ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة، إلا أنه لا يتذكر أنه ضربه ولو مرة واحدة، لأنه كان طفلًا مطيعًا، وكانت الشقاوة من نصيب شقيقه الأكبر «محمد».
كان والده عضوًا عاملًا فى النادى الأوليمبى، شجع ابنه على الانضمام لصفوف الناشئين بالنادى السكندرى، وأطلقت عليه جماهير الإسكندرية لقب «الكاس الصغير» نسبة لمحمد الكاس، نجم الأوليمبى آنذاك، لتشابه أسلوب لعبهما ورقم الفانلة ولون البشرة.
فى كل يوم جمعة كانت الأسرة تتجمع فى منزل عمه كبير العائلة، الذى كان يعشق الزمالك، وأثناء مشاهدة المباريات كان يتحدث مع «الكاس» عن فاروق جعفر ملك النُّص، والمعلم حسن شحاتة، وكان يعطيه ٥ قروش عقب كل مباراة يفوز فيها الزمالك، ومن هنا تعلق الطفل الصغير بـ«القلعة البيضاء» وأصبح عاشقًا لها.
ومن المواقف التى لا ينساها «الكاس» ما حدث موسم ١٩٩٢-١٩٩٣ حيث كان الصراع على لقب هداف الدورى مع حسام حسن، واستمر حتى الأسبوع الأخير، ولكل منهما ١٤ هدفًا، ولعب الأهلى مع غزل المحلة، والأوليمبى مع المنيا، وسجل «الكاس» الهدف الأول فى الدقيقة الثانية، ثم سجل الأهلى هدفًا وطالب لاعبوه الحكم باحتسابه لحسام حسن، وفعل الحكم، رغم أن الإعادة التليفزيونية أظهرت أن شقيقه «إبراهيم» هو الذى سجل.
وعاد «الكاس» وسجل الهدف الثانى فى الشوط الثانى، وسجل «حسام» هدفًا ليتساويا فى رصيد ١٦ هدفًا، وكان من المفترض أن يحصل حسام حسن على اللقب، لكن اتحاد الكرة استند للتصوير التليفزيونى ومنح «الكاس» لقب الهداف بعد احتساب الهدف لـ«إبراهيم حسن».

والده أخّر انضمامه لـ«الأبيض» 7 سنوات.. رضى بـ«المظاليم» بسبب مرضه.. وفقد شقيقته وشقيقه فى 48 ساعة
انضمامه إلى الزمالك ورحيله عنه، كانت وراءهما قصة إنسانية، ففى العام ١٩٨٨ أراد فاروق جعفر ضمه لـ«الأبيض»، وبالفعل جلس معه واتفقا على كل شىء، وحضر الراحل جورج سعد، كبير مشجعى الزمالك، إلى الإسكندرية وأنهى الاتفاق مع مسئولى النادى الأوليمبى، وحصل على الاستغناء، لكن والد «الكاس» رفض.
قال الوالد إن ابنه لن يلعب لأى نادٍ فى مصر غير الأوليمبى، لكنه أعطى «سعد» وعدًا بأنه فى حالة انتقال ابنه من الأوليمبى فلن يلعب إلا للزمالك، واستجاب «الكاس» لرغبة والده، وبعد ٧ سنوات وقبل بداية موسم ١٩٩٥١٩٩٦ قام المستشار جلال إبراهيم، رئيس الزمالك فى ذلك الوقت، ومعه رئيس النادى الحالى وهانى زادة ومحمد عامر أعضاء المجلس الأبيض، بالتفاوض مع مسئولى الأوليمبى، وتم الاتفاق على كل شىء وانتقل للزمالك.
وبعد انتهاء موسم ١٩٩٦١٩٩٧، طلب مجلس إدارة الزمالك من «الكاس» تجديد تعاقده مع النادى، لكن والده كان يعانى من المرض فقرر أن يكون بجانبه، لذلك عاد للإسكندرية وانتقل للأوليمبى الذى كان يلعب فى الدرجة الثانية.
أصعب شىء على الإنسان أن يفقد من يحب، وقد تعرض «الكاس» لهذه المحنة مرتين، الأولى كانت قبل ٢١ يومًا من انطلاق مونديال ١٩٩٠ بإيطاليا، إذ لعب المنتخب الوطنى ودية مع نظيره الأسكتلندى وتعرض «الكاس» للإصابة، وأكد الطبيب أنه لن يستطيع المشاركة فى الودية التالية أمام اليونان، وطلب «الكاس» من الراحل محمود الجوهرى، المدير الفنى للمنتخب، عدم السفر إلى اليونان والعودة للقاهرة للاطمئنان على والدته المريضة.
كان «الكاس» يراوده شعور قوى بأن شيئًا ما سيحدث، لكنه استجاب لرغبة مدربه وسافر مع المنتخب إلى اليونان، وهناك حاول الاتصال بوالدته، لكنه فشل وقبل العودة للقاهرة وصل خبر وفاتها لـ«الجوهرى» الذى طلب من أيمن شوقى زميل «الكاس» أن يخبره بما حدث، لكنه رفض لأنه يعلم مدى ارتباطه بوالدته، وهنا طلب «الجوهرى» من فتحى مبروك، المدرب العام للمنتخب، أن يقوم بهذا الأمر، وبعد وصول الطائرة إلى مطار القاهرة أخبره «مبروك» بوفاة والدته، فأظلمت الدنيا فى عينيه وانهمرت دموعه.
وعن هذا الموقف يقول «الكاس»: «ارتباطى بوالدتى كان كبيرًا، وكانت مريضة وترفض أن تذهب للطبيب بصحبة أحد غيرى، ووفاتها وأنا خارج مصر وعدم حضورى الجنازة أثر سلبًا على حالتى النفسية حتى إننى طلبت من الجوهرى عدم المشاركة فى كأس العالم، لكنه أكد لى أن والدتى كانت تتمنى أن ترانى أصول وأجول فى ملاعب إيطاليا، ويجب أن أحقق أمنيتها بعد وفاتها، فتراجعت وشاركت فى المونديال، وبعد انتهائه تلقيت عرضين للاحتراف فى تشيلسى الإنجليزى ويوفنتوس الإيطالى، لكنى رفضت خوض التجربة، لأن حزنى على وفاة أمى كان أكبر من كل شىء».
ومرت السنوات واعتزل «الكاس» اللعب وتحول لمجال التدريب، لكنه كان على موعد مع تجربة مريرة أخرى، فقد كانت شقيقته الكبرى «منى» تعانى الفشل الكلوى، وكانت تجرى عملية غسيل الكلى ٣ مرات أسبوعيًا، وفى هذا الوقت كان «الكاس» مدربًا لدمياط، وفى يوم جمعة اتصلت به زوجته وأخبرته بوفاة شقيقته، وسارع بالعودة للإسكندرية لحضور الجنازة وتلقى العزاء.
وفى مساء نفس اليوم توجه إلى دمياط، لأن فريقه كان مرتبطًا بمباراة مع السويس، ولم يعلم أن شقيقه الأكبر تم نقله إلى المستشفى، وبعد عودته علم بالأمر، فتوجه إلى المستشفى وقابل الطبيب الذى غاب عنه دقائق ثم عاد ليخبره بوفاة شقيقه، ليفقد «الكاس» شقيقته وشقيقه خلال ٤٨ ساعة، لكنه تقبل قضاء الله بقلب المؤمن.