رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأديب.. طارق الطيب: فشلت بالماجستير فى عين شمس.. وحصلت على الدكتوراه من النمسا

جريدة الدستور

فى عام ١٩٨٤ غادر الروائى السودانى- المصرى طارق الطيب مصر متجهًا إلى أوروبا، تحديدًا النمسا دون إجادة أى لغة أجنبية، لكنه تمكن من الحصول على درجتى الماجستير والدكتوراه من فيينا، وأن يصبح أستاذًا جامعيًا نمساويًا وروائيًا عربيًا مشهورًا. «الطيب»، الذى ولد فى باب الشعرية لأم مصرية، عاش تجربة الغربة مرتين، مرة بالاغتراب عن وطن والده السودان، ومرة بالهجرة إلى النمسا التى يرى أنها أعطته الكثير، لتتوزع هويته على البلدان الثلاثة وتنتمى ثقافاته إلى ينابيع شتى، أفادته قطعًا فى رواياته الأربع ومجموعتيه القصصيتين ودواوينه الشعرية الخمسة ومسرحيته الوحيدة. حول مفهوم الهوية وكيفية التكيف مع البلدان المختلفة التى عاش فيها «الطيب» دار حوار «الدستور» مع مؤلف «وأطوف عاريًا».
■ أنت سودانى مصرى نمساوى فإلى أى الجنسيات تنتمى؟
- انتمائى واضح وصريح لمعانٍ لا لبس فيها، أمّا الجنسية فهى مشكلة من يحوّلون الأمر لانتماءات تشبه التعصب فى فرق كرة القدم، فأنا مولود لأب سودانى وأم مصرية، عشت ربع قرن بالكامل فى القاهرة، وأعيش منذ ٣٥ سنة فى النمسا، وأحبها وأحمل جنسيتها أيضا بلا إخفاء أو مداهنة أو إظهار العكس، كما أننى حصلت على الجنسية النمساوية بسبب إقامتى الطويلة فى هذه البلاد وليس لأى سبب آخر، إضافة إلى أنه ليس عندى أى صراع داخلى، ببساطة أحب مصر والسودان والنمسا، ومن يرفض هذا الأمر ويبحث عن محبة واحدة فقط ومستاء من اختيارى، فعليه اللجوء للقضاء.
■ أيهما تزور على نحو أكثر مصر أم السودان؟
- ترددى على مصر هو الأكثر، وكان بحكم وجود الوالد والوالدة والإخوة، وبعد رحيلهما ما زالت بمصر صلات رحم وأقارب، وأهمها أختى الكبرى عزة، زرت السودان من فيينا مرتين، مرة بدعوة رسمية من اتحاد كتاب القصة بالسودان، ومرة رتبت لطلابنا وبعض الأساتذة بجامعة فيينا زيارة نادرة إلى معظم أنحاء السودان؛ ليتعرفوا عليه من الداخل. هذا العام ستكون رحلة الجامعة إلى مصر، وأزور دولًا كثيرة فى كل أنحاء العالم بدعوات ككاتب، ويسهل الجواز النمساوى الأمر كثيرًا، هذا الجواز الذى يفتح الحدود بلا حدود.
■ كيف تكيفت مع اختلاف الحياة بالنمسا عن مصر والسودان؟
- هذه سؤال عريض جدًا تصعب الإجابة عنه باختصار، فجوانب الحياة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا فيها الكثير جدًا من الفروق التى يصعب حصرها، لكن سوف أختار الحديث عن الجانب الثقافى، الحى الصغير الذى أسكن به، وهو فى حجم حى الزمالك تقريبًا به قاعتان كبريان للسينما و٣ مسارح حول عدد من المتاحف، يؤمّها مجمع الفنون الذى يحتوى وحده على ٣ متاحف، والحى به ثانى أكبر مكتبة فى فيينا بعد المكتبة الوطنية وعدد لا يستهان به من قاعات العروض والنشاطات الأدبية والفنية، فالثقافة غذاء يومى فى حياتى، يمكننى أن أعيش عامًا كاملًا فى الحى السابع الذى أسكن فيه مكتفيًا به.
■ بعد كل هذه السنوات فى الخارج.. كيف تعاملت معك النمسا؟
- كرمتنى النمسا بوسام الجمهورية لنشاطاتى الأدبية وتواصلى مع العالم الواسع أدبيًا، وفى العام نفسه كرمتنى بمنصب فخرى كسفير أدبى للعام ٢٠٠٨، بعد أن دعانى رئيس الجمهورية الأسبق هاينتس فيشر للغداء صحبة ٥ من أدباء النمسا فى القصر الجمهورى، وأخذنى معه بضعة أسابيع فى رحلة رسمية لمصر، ضمن وفد كبير، شمل وفدًا ثقافيًا من أجل المساهمة فى ربط تواصل ثقافى بين البلدين، أما الأهم هو أن الرئيس وزوجته بصفة خاصة قرآ أعمالى المترجمة للألمانية وتحدثنا فيها مرات.
■ نعود إلى ما قبل السفر.. متى خطرت لك فكرة الهجرة؟
- فى بداياتى، لم أستطع أن أكمل الماجستير بجامعة عين شمس لعدم القدرة على سداد المصروفات بوصفى أجنبيًا، خضت مغامرة كانت الأخطر والأهم فى حياتى.. سافرت إلى العراق إبان الحرب العراقية الإيرانية وعدت لمصر بخفى حنين، فقررت معاودة السفر إلى أبعد ما يمكننى، إلى مكان جديد بلا لغة إنجليزية ولا فرنسية، لأوتّد خيمتى هناك فكانت النمسا، أول ما قيل لى: «أنت من دول العالم النامى ومعفى من تكاليف الدراسة»، فدرست مجانًا، وبعد حصولى على درجة الدكتوراه عينت فى كادر التدريس فى ٣ جامعات، منها اثنتان من أكبر وأهم الجامعات فى أوروبا: جامعة فيينا وجامعة جراتس.
■ ننتقل إلى رحلة الأدب.. كيف كانت البداية، وماذا عن رؤيتك للكتابة حاليًا؟
- بدأت الكتابة فى عمر الإحساس بالحب فيما بعد المراهقة، تحديدًا فى السابعة عشرة، كتبت فيمن أحببتها نصوصًا كثيرة، لكنها لم تقرأ نصًا واحدًا منها، بل قرأتُ أنا نصوصى على أصدقائى موهمًا إياهم بأنها لصديق ولهان ولا يريد الكشف عن هويته، يكتب فى محبوبته شعرًا، استحسنوا الكتابة، فكنت أكتب فيها وعنها لهم دون أن يعرفونى أو يعرفوها، وبعد السفر إلى فيينا، بطّنت حالى بالكتابة كملاذ ومنأى بعد فقد استعمالى لغتى العربية للتواصل فى هذه البلاد، وبدأت الكتابة المنتظمة منذ العام ١٩٨٦.
■ وبمن تأثرت فى مشوارك الأدبى؟
- كثير من الكتاب والكاتبات تأثرت بهم وبهن، والقائمة هنا ستطول، لكن لا يمكن إغفال اتساع أفق الطيب صالح، وبانورامية نجيب محفوظ، وإدهاش يوسف إدريس وزكريا تامر، وغنائية أحمد شوقى، وعمق عبدالمعطى حجازى وسركون بولص، وفلسفة أدونيس، وتركيبات ساراماجو، ولذة ماركيز، وخلخلة شتيفانتسفايجو كافكا، وغموض توماس بيرنهارد، وكثافة توماس مان، ومتعة صلاح جاهين وبيرم التونسى وأحمد فؤاد نجم وسيرة جبرا ومحمود الربيعى وطه حسين، وتمرد فاطمة المرنيسى وآسيا جبار، وكاتبات وكتّاب كثيرون من المغرب العربى ومن المشرق.
■ بأى لغة تفكر؟ وبأى مفردات تأتيك أفكارك الأدبية؟
- الفكرة تصنع اللغة، والأفكار تأتينى بكل اللغات التى أعرفها، بل بالكلمات القليلة جدًا من لغات بعيدة لا أعرفها ولا أجيدها، وتأتى الأفكار عندى خالصة وخالية من قواعد اللغة والنحو، فى شكل أفعال وأعلام، ثم تسير الفكرة حرة حتى مولدها الذى يتشكل أثناء الكتابة حسب الأصول المرعية للغة، مستكملة حروف جرها وصفاتها وأحوالها وكل ما يلزم الجملة السليمة.