رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أفغنة ليبيا!



الأهم من هجوم وزير خارجية «موزة» على الجيش الوطنى الليبى، واتهامه له بعرقلة الجهود الدولية لتحقيق الحوار الليبى، هو استمرار هذا الجيش فى تطهير طرابلس وسحق الميليشيات الإرهابية، المدعومة من قطر وتركيا. بالضبط، كما أن الأهم من إلقاء القبض على إبراهيم أحمد عمر، رئيس البرلمان السودانى المنحل، عقب عودته من العاصمة القطرية الدوحة، هو قيام السلطات السودانية بإغلاق حساب البرلمان فى البنك المركزى.
ثبت بشكل قاطع أن الميليشيات الإرهابية التى ملأت ليبيا، منذ الإطاحة بمعمر القذافى، تدعمها دول، تكاد تكون معروفة بالاسم، أبرزها فرنسا وإيطاليا. ومعروف أن لتلك الجماعات والتنظيمات وداعميها مصالح ومكاسب تتمسك بها، وستظل تدافع عنها. هذا بالطبع غير وجود شواهد كثيرة على أن الولايات المتحدة دعمت برامج «سرية» لتدريب وتمويل وتسليح الإرهابيين، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء، كـ«مجنون إسطنبول» و«العائلة الضالة» التى تحكم قطر بالوكالة. وهؤلاء الإرهابيون، هم الذين هدد بهم فايز السراج، دول أوروبا، واتخذتهم إيطاليا ذريعة للهجوم على الجيش الليبى!.
فى تبريرها لاستضافة مؤتمر باليرمو، الذى انعقد منتصف نوفمبر الماضى، قالت الحكومة الإيطالية إن هدفها «تقديم مساهمة جادة وملموسة لدعم استقرار ليبيا، بمشاركة كل الأطراف الرئيسية». غير أن توجيه الدعوة لتركيا، لم يكن له ما يبرره، و«لا تجب مكافأة أى طرف إقليمى أو دولى تورط فى دعم الإرهاب، ومعاملته كما لو كان جزءًا من الحل فى ليبيا»، وما بين التنصيص من كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قمة باليرمو المصغرة التى شارك فيها الرئيس التونسى ورؤساء وزراء إيطاليا وروسيا والجزائر ورئيس المجلس الرئاسى الليبى والقائد العام للجيش الوطنى الليبى ورئيس المجلس الأوروبى ووزير الخارجية الفرنسى.
مؤتمر «باليرمو» جاء قبل مرور حوالى ٦ أشهر على مؤتمر مماثل استضافته العاصمة الفرنسية باريس. ومعروف أن فرنسا وإيطاليا بينهما قدر من التنافس بشأن كيفية التعامل مع الأزمة الليبية، وبينهما أيضًا اتهامات متبادلة بمحاولة الانفراد بالحل، مع أن الأهداف مشتركة، أو ينبغى أن تكون كذلك: استقرار ليبيا، القضاء على الإرهاب، ومنع تدفق الهجرة غير الشرعية. أما سبب التنافس أو الصراع بين الدولتين وبين دول أخرى، فهو محاولة انتزاع نصيب أكبر من «الكعكة» التى تريد الولايات المتحدة أن تنفرد بها، ونقصد مخزون النفط الليبى. وفى وجود مثل هذا الصراع الذى يطيل الأزمة ولا يحلها، كان على الجيش الوطنى الليبى أن يتحرك.
الدور التركى القطرى القذر فى ليبيا والسودان، وغيرهما من دول المنطقة، يكشف دور الولايات المتحدة فى الصراعات، التى لم تعد تتدخل فيها بشكل صريح، بعد غزوها لأفغانستان والعراق، بل عبر وكلاء، كما فعلت فى سوريا والعراق واليمن وليبيا، و... و.... وكلها فى طريقها إلى أن تصبح نسخًا، بفوارق صغيرة أو كبيرة من أفغانستان، التى كان مبرر أو «تلكيكة» الغزو الأمريكى لها، هو قيام حركة طالبان بتوفير ملاذ آمن لتنظيم القاعدة الذى تم اتهامه بتنفيذ هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١.
مع أن القوات الأمريكية، بمشاركة القوات التى تحالفت معها، أطاحت بحكم طالبان، فى ٧ أكتوبر ٢٠٠١، إلا أن الحركة لا تزال تقاتل إلى الآن. ولم تستطع الولايات المتحدة وحلفاؤها، القضاء عليها، طوال ١٧ عامًا، أنفقت خلالها ما يزيد على تريليون دولار، وراح ضحيتها آلاف الجنود الأمريكيين، الحلفاء، والأفغان. وتبريرًا لذلك، ظهرت تفسيرات عبثية، وصلت حد اتهام روسيا بدعم طالبان والقاعدة، مع أن مقاتلى التنظيمين الإرهابيين، اكتسبوا خبراتهم ومهاراتهم القتالية خلال مشاركتهم فى حربهم ضد الاتحاد السوفيتى (السابق)، التى دعمتهم فيها الولايات المتحدة، بالتمويل والتدريب والسلاح.
بعد ذلك كله، لا توجد مؤشرات على نهاية تلك الحرب أو اقتراب تلك النهاية. بل هناك تأكيدات على أن الحركة، حركة طالبان، صارت فى وضع أفضل، وأنها قادرة على تحقيق المزيد من المكاسب على الأرض. كما أن المعارك الأخيرة أثبتت عدم قدرة الجيش الأفغانى على الاحتفاظ بالمناطق التى يسيطر عليها. والأكثر من ذلك هو أنها ترفض الدخول فى مفاوضات سلام أو إجراء مصالحة مع الحكومة الأفغانية، وتصر على أن تكون المفاوضات مع الجانب الأمريكى، بشكل مباشر، وأن يكون أول بنودها هو بحث انسحاب القوات الأجنبية، الأمريكية أو غيرها!.
الخلاصة، هى أن الجيش الوطنى الليبى لو لم يتمكن من القضاء على الميليشيات الإرهابية، المدعومة من تركيا وقطر، فإن الوضع فى ليبيا سيستمر فى التدهور، وقد يرفض تنظيم داعش، أو القاعدة، الدخول فى مفاوضات سلام أو إجراء مصالحة إلا مع الجانب الأمريكى، بشكل مباشر، واستبعاد تركيا، قطر، إيطاليا، وفرنسا من اقتسام تريليونات وثروات الشعب الليبى!.