رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعديلات الدستورية ما بين التحديات والأخطار


أتابع وبكل اهتمام وعن كثب تلك الحملات واللقاءات والندوات التى يقوم بها العديد من الشخصيات العامة وبعض السادة أعضاء مجلس النواب لدعوة الشعب المصرى للاحتشاد والمشاركة فى التصويت على التعديلات الدستورية.
بل إننى شاركت فى بعض تلك الندوات فى محافظات الوجه القبلى ومنها البحر الأحمر وقنا والأقصر.. والحقيقة فإننى قد لمست تفهمًا كبيرًا من أهلنا هناك لأهمية إجراء تلك التعديلات، بل إن البعض كانت لديه الرغبة لتشمل العديد من المواد الأخرى لمعالجة بعض العوار الذى ورد فيها، وحتى لا يفهم من وراء المواد التى ورد بشأنها التعديلات أنها وضعت لتمديد فترة رئاسة السيد الرئيس أو توسيع صلاحياته.
من ناحية أخرى، فقد فوجئت بالعديد من الذين التقيت بهم فى تلك المحافظات يؤكدون أنهم ليسوا فى حاجة إلى مثل هذه الندوات واللقاءات، لأن علاقتهم وارتباطهم بالرئيس عبدالفتاح السيسى علاقة مباشرة بينهما، ولا يصح أن يزايد أحد على وطنيتهم واقتناعهم به رئيسًا للبلاد.. بل إنهم أكدوا على نزولهم عن بكرة أبيهم يطالبونه بالاستمرار فى قيادة الدولة لمرحلة ما بعد ٢٠٢٢ حتى ولو لم يحدث تعديل دستورى يتناول تلك المادة.
فى واقع الأمر فإن الشعب المصرى أصبحت لديه ثقافة الاقتناع وليس ثقافة الإقناع أو الإجبار على القيام بأمر هو ليس مقتنعًا به.. ومن هذا المنطلق فإنه من الواجب على أصحاب الرأى والرؤية ضرورة أن يقوموا بواجبهم تجاه هذا الشعب من خلال تبصيرهم بتلك التحديات والمخاطر التى تتعرض لها البلاد، خاصة خلال الفترة الحالية، سواء من الخارج أو من الداخل، وإننى على يقين أن القيام بهذا الدور من خلال شخصيات مقبولة شعبيًا ومحل ثقة جماهيريًا سوف يكون له مردود أكثر إيجابية من هذه الندوات والمؤتمرات التى تتكلف مبالغ مالية لو تم استغلالها فى خلق فرص عمل أو مساعدة الأسر والعائلات الأكثر احتياجًا لأتت ثمارها بشكل أفضل بكثير مما يحدث الآن.
ولعل من أهم التحديات الخارجية ما يحدث حاليًا فى كل من ليبيا والسودان والجزائر بعد سقوط الأنظمة الحاكمة بهم ومحاولة جماعة الإخوان الإرهابية المدعومة من قطر وتركيا وبعض أجهزة الاستخبارات الدولية السطو على الحكم بها تمامًا مثلما حدث فى مصر والذى لم يستمر لأكثر من عام واحد، ولكنه شهد حكمًا دينيًا فاشيًا اعتمد على سياسة الإقصاء والانتقام والأهواء الشخصية ولم يلتفت إلى مصلحة الوطن والمواطن، والدليل على ذلك تلك الأزمات التى شهدناها فى الكهرباء والبنزين ورغيف الخبز، وحاولوا تصدير الوهم لنا فيما عرف بمشروع النهضة.
ولما كانت السودان وليبيا تمثلان العمق الاستراتيجى الأمنى والسياسى لمصر جنوبًا وغربًا، فلك أن تتصور مدى خطورة وأهمية وجود شخصية قيادية واعية مثل الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يلم بحكم خبرته السابقة وعلاقاته الدولية الحالية كيفية التعامل مع هذه المواقف التى تمس الأمن القومى المصرى.. كذلك فإن المتغيرات السياسية الأمريكية التى طرأت مؤخرًا على دعمها الكامل لإسرائيل دون النظر للمصالح الفلسطينية أو العربية بشكل عادل، وهو ما جعلها تنقل سفارتها إلى القدس وتغلق مكتب المنظمة فى أمريكا وتعلن أن الجولان أرض إسرائيلية كل ذلك يتطلب حنكة سياسية يتمتع بها حاليًا الرئيس.. من ناحية ثالثة فإن الانفتاح المصرى على القارة الإفريقية وجعلها أحد أهم محاور السياسة الخارجية المصرية بعدما شهدت العلاقات المصرية – الإفريقية تراجعًا وفتورًا منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وحتى تولى الرئيس السيسى قيادة البلاد يدل على مدى الفهم والوعى السياسى لأهمية القارة الإفريقية على المستويين السياسى والاقتصادى بل الأمنى، وهو ما جعل إسرائيل تحاول التوغل والتغلغل فى إفريقيا، وهنا يجب ألا ننسى تلك الجولة التى قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلى لسبع دول إفريقية اصطحب معه خلالها ١٤ وزيرًا و٨٠ رجل أعمال من أصحاب الشركات الزراعية والصناعية واجتمع معهم جميعًا فى وقت واحد وما نتجت عنها من اتفاقيات استراتيجية واقتصادية وتعاون مع هذه الدول فى كافة المجالات.. ناهيك عن المؤامرات التى تتبناها تركيا وقطر ومحاولات دعم ميليشيات الإخوان والإرهابيين فى ليبيا والجزائر، وكذلك دعم الإخوان فى السودان بكل الطرق والوسائل لتكون شوكة فى ظهر الأمن القومى المصرى.. كذلك محاولات إغراق الشباب المصرى بتلك الكميات الهائلة من المواد والأقراص المخدرة التى يتم ضبطها يوميًا عبر الحدود البحرية والبرية قادمة من تركيا، وذلك للتأثير عليهم وعلى مستقبلهم الذى هو مستقبل الوطن قريبًا. وعلى مستوى الوضع داخل البلاد فما زالت فلول الإخوان الإرهابية تتفنن فى نشر الشائعات وتدعيم العناصر التكفيرية للاستمرار فى عملياتهم الإرهابية التى تزايدت خلال الأيام القليلة الماضية، سواء داخل العاصمة أو فى شمال سيناء والعريش حتى وصل الأمر إلى قيام أحد الصبية الذى لم يتجاوز ١٥ عامًا بتفجير نفسه ليقتل عددًا من رجال الشرطة البواسل وبعض الأهالى الأبرياء فى السوق التجارية بمدينة الشيخ زويد.. لقد وصل بهم الإجرام إلى حد تجنيد الأطفال لكى يقوموا بمثل تلك العمليات الإرهابية دونما وازع من ضمير أو دين.
إن انتشار فلول من الجماعة الإرهابية فى بعض الوظائف الإدارية وعودتهم لنفس أسلوبهم القديم وهو أسلوب الخلايا النائمة التى تتحين الوقت المناسب لإحداث تلك القلاقل والتوترات داخل البلاد وبين العباد يجعلنا نتمسك بوجود قيادة سياسية وأمنية واعية مثل الرئيس عبدالفتاح السيسى لمواجهة تلك المحاولات المستميتة التى تهدف إلى إسقاط الدولة مرة أخرى، وهو ما يحذر منه الرئيس دائمًا فى كل لقاءاته مع أبناء شعبه، لأنه فى هذه الحالة إذا سقطت الدولة مرة أخرى فلن تقوم لها قائمة ولو بعد حين.
دعونا نتذكر تلك السنة الكبيسة من عمر الوطن عندما كنا نخشى على أبنائنا وأهلنا التواجد فى المدارس أو العمل لما بعد الساعة السادسة مساء.. وكم جرائم السلب والنهب التى كانت تتعرض لها المحلات العامة والخاصة وتلك الحرائق وأعمال التخريب التى تعرضت لها المنشآت الحيوية والخدمية بل الأثرية والتراثية على أيدى مجموعة من المأجورين والمسجلين جنائيًا لإحداث حالة من الرعب والخوف فى نفوس المواطن المصرى البسيط هو وعائلته.
كل تلك المعطيات أرى أنه من اللازم أن نتناولها عندما نتحدث عن ضرورة إجراء بعض التعديلات الدستورية التى تهدف إلى تثبيت دعائم الأمن والاستقرار فى البلاد وحماية حدودها من دول الجوار والتوسع فى علاقاتها مع دول القارة الإفريقية والاهتمام بخلق جيل من الشباب يتحمل مسئولية إدارة الدولة والنهوض بحاضرها ومستقبلها.
الشعب يريد أن يفهم وأن يقتنع أولًا بدلًا من الشعارات الجوفاء واللافتات التى لا تشير إلى المبررات الحقيقية التى من أجلها ننادى بضرورة المشاركة فى الاستفتاء على تلك التعديلات.. لقد تغيرت ثقافة المواطن المصرى بشكل أكثر إيجابية وبالتالى يجب أن تتغير ثقافة التواصل والتعامل مع هذا المواطن لكى يقتنع أولًا ثم يتحرك فى الاتجاه الذى يراه مناسبًا بالنسبة له.. وأكرر هنا ما سبق أن سمعته من أعداد كثيرة ممن التقيت بهم أنه حتى ولو لم تكن هناك تلك التعديلات فإننا سوف ننادى الرئيس بأن يستمر فى قيادة الدولة حتى يتحقق لها الاستقرار والأمن والرخاء الذى نرى أنه فى الطريق إلى تحقيقه برغم كل التحديات والمخاطر التى تحيط بالوطن داخليًا وخارجيًا.
وتحيا مصر.