رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب السويدى: بار لاجيركفيست

جريدة الدستور

الجميع يعلم كيف عُلِّقوا، هناك، على الصلبان، ومن كانوا مجتمعين وقوفًا حوله: مريم أمه، ومريم المجدلية، وفيرونيكا، وسمعان القيروانى، الذى حمل الصليب، ويوسف الرامة الذى كفَّنه. لكن على مبعدة يسيرة أسفل السفح، أو بالحرىّ إلى جنب، كان يقف رجل مثبت العينين على المحتضر فى الوسط، يراقب النزاع من اللحظة الأولى حتى الأخيرة. كان اسمه باراباس. هذا الكتاب عنه.
كان فى حوالى الثلاثين، متين البنية، شاحب الملامح، أصهب اللحية، أسود الشعر. حاجباه أسودان أيضًا، وعيناه غائرتان كأنهما تريدان أن تختفيا.
تحت إحدى عينيه ندبة عميقة حجبتها لحيته. لكن مظهر الرجل ليس بذى شأن.
قد كان تتبَّع الحشد، عبر الشوارع، طوال الطريق من قصر الحاكم، لكن على مبعدة يسيرة خلف الآخرين. حين تهاوى الرَّبى المنهكُ تحت صليبه، توقف، ووقف ساكنًا، برهة، كى يتجنب اللحاق بالصليب، ثم أمسكوا بذلك الرجل سيمون، وأجبروه على حمله بدلًا من الربى. لم يكن فى الجمع رجال كثيرون، ما عدا الجنوب الرومان طبعًا، النسوة كن الكثرة، يتبعن الرجل المحكوم، وعدد من الصغار الموجودين، دومًا هناك، حين يُسار برجل ما، على هذا الطريق، كى يُصلب- إنه نوع من التغيير لديهم. لكنهم سرعان ما تعبوا، فعادوا إلى ألعابهم، متوقفين لحظة لينظروا إلى الرجل ذى الندبة الطويلة أسفل الخد وهو يمشى خلف الآخرين.
الآن، كان واقفًا هنا، على تلة الإعدام، ينظر إلى الرجل المعلَّق على الصليب الوسط، دون أن يحيد ببصره عنه. الحق أنه لم يرد المجىء إلى هنا، البتة، حيث كل شىء غير ظاهر، ذو عدوى، وإن وطأ المرء هذا المكان المشبع اللعين فإن بضعة منه ستظل هنا ولسوف يرغم على العودة إلى المكان، ولن يغادره أبدًا. الجماجم والعظام متناثرة على الأرض، مع الصلبان المتهاوية، أو نصف المتهاوية، التى لم تعد ذات نفع، لكنها متروكة لتظل هنا، إذ لن يلمس أحد شيئًا. لِمَ كان واقفًا هنا؟ إنه لم يعرف هذا الرجل، وليست له علاقة به. ما الذى يفعله فى الجُلجُلة، هو الذى أطلق سراحه؟
رأس المصلوب تدلَّى، وكان ثقيل الأنفاس، لن يطول به الأمر الآن، لا شىء عجيبًا فى هذا الشخص. كان جسمه نحيلًا مضنى، وذراعاه رقيقتين كأنهما لم تستخدما فى شىء. أمرؤ غريب. اللحية غير كثة، والصدر أملط، مثل صدر صبى. إنه لم يحببه.
منذ اللحظة الأولى التى رآه فيها، فى باحة القصر، شعر بأن ثمة أمرًا غريبًا حوله. لم يستطع أن يقول ما هذا الأمر: إنه إحساس محض.
من رواية براباس