رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أنيس عبيد.. قصة حياة رائد الترجمة فى مصر

جريدة الدستور

ولد رائد الترجمة أنيس عبيد سنة 1909، لأسرة قبطية ثرية وكان واسع الثقافة ومحب للأفلام الأجنبية التى كانت تعرض من دون ترجمة.

وظهرت فكرة ترجمة الأفلام الأجنبية عام 1912 على يد "ليوبولد فيوريللو" الإيطالي المقيم في مصر، وكانت مكتوبة على ألواح زجاجية يعرضها "البروجكتور" على شاشة صغيرة غير واضحة بجوار الشاشة الأصلية التى يعرض عليها الفيلم ولم تكن تترجم حوار الفيلم جملة جملة؛ بل كانت عبارات قليلة تصف ما يحدث فى هذا الجزء من الفيلم، لم تنتشر هذه الطريقة كثيرًا لتكلفتها وصعوبة متابعة الأحداث على شاشتان منفصلتان.

لذلك ففى الأغلب لم يشاهد الأفلام الأجنبية سوى الأجانب المقيمين فى مصر وبعض المثقفين من المصريين وعندما كان الشاب "أنيس" يذهب مع أصدقائه للسينما الصيفى يجلس وسطهم لاعبًا دور المترجم لينقل لهم ما يفوتهم من حوارت وأحداث، الأمر الذي كان يفسد متعته طول الوقت، فشغلته هذه المشكلة.

وتخرج "أنيس" فى كلية الهندسة عام 1932 ثم بعدها سافر إلى باريس، للحصول على درجة الماجستير في الهندسة وهناك تغير مسار حياته، فى مقر الجامعة حيث يدرس شاهد إعلانًا بالصدفة عن فتح باب التقدم لدورة تدريبية حول كيفية دمج الكتابة علي شريط السينما.

وكانت الدورة فى الأصل بهدف دعم الأفلام العلمية لكتابة التعليقات والمصطلحات العلمية على الشاشة لتوضيح الصورة، والتحق "أنيس" بالدورة، حيث أضاء فى ذهنه فكرة استخدامها فى الأفلام السينمائية للمصريين.

وبصدفة أخرى التقى فى باريس بالفنان محمد عبدالوهاب وطاقم فيلم "الوردة البيضاء" حيث مثل فى الفيلم دور من جملة واحدة احتاجوا كومبارس مصرى ليقولها، وبذلك اقترب من الوسط السينمائى فعاد لمصر تاركًا الماجستير وراءه ودخل مجال المونتاج السينمائى، حيث عمل كمونتير لفيلمى "كله إلا كده" و"الغندورة" عام 1934 ثم كف بعدهما نهائيًا عن ممارسة المونتاج للتركيز فى مشروعه الأول وهو الترجمة.

وخاض "عبيد" معركة مع صناع السينما في مصر لإقناعهم بفكرة طباعة الترجمة على الفيلم وترجم مجموعة أفلام قصيرة واضعًا الكتابة أسفل الشاشة "كما هو متبع حتى اليوم" وقدمها في عروض خاصة مجانية حتى يتأكد الصناع من احتمالات نجاحها لكن لم يتحمس الكثيرين لمشروعه لتخوفهم من عدم اهتمام الجمهور بأفلام الغرب.

وعام 1939 أصدر مجلس الوزراء المصرى قرار بإلزام جميع دور العرض بعرض ترجمة عربية مصاحبة لكل الأفلام الأجنبية وكان ذلك ثمرة لمقالات أنيس عبيد فى جريدة الأهرام المطالبة بذلك.

وكان أول فيلم أجنبى روائى ترجمة "أنيس عبيد" هو "روميو وجوليت" عام 1944 وقد نجح الفيلم نجاح مبهر وحقق ايرادات غير مسبوقة، فكانت هذه هى بداية رحلة نجاحه فى عالم الترجمة.

وفي عام 1950 تمكن المهندس "أنيس" من إختراع ماكينة لطباعة الترجمة العربية على الأفلام الـ16 مللى وكان ذلك سبق تحدثت عنه الصحف المصرية، فى نفس العام أنشأ فى بيروت مع شريك لبنانى "معامل خورى وعبيد للترجمة" وقد انتهت هذه الشراكة عام 1979.

وعلى مدى "40" عام أنفردت معامل "أنيس عبيد" بترجمة الأفلام الأمريكية والهندية والأوربية فى مصر وتمكنت من تعريف المصريين بروائع السينما العالمية، حيث أصبحت جملة «تمت الترجمة بمعامل أنيس عبيد بالقاهرة» العبارة المميزة للفيلم الأجنبى.

وفى الثمانينات أنشأ التليفزيون المصرى قسم خاص بترجمة الأفلام الأجنبية وتبعه فى ذلك التلفزيونات العربية.

وفى 16 أكتوبرعام 1988 سافر "أنيس عبيد" للسماء بعد أن فتح للمصريين وباقى ناطقى العربية نوافذ متسعة على العالم.