رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قارئ الملوك.. الشيخ الطبلاوي: أحب شادية لأنها طيبة و«فنانين اليومين دول مغرورين»

جريدة الدستور

«ما ينفعش يكون فيه مقرئة ست» ويمكن للمرأة التلاوة بين أسرتها وذويها وليس فى الإذاعة
أول أجر تقاضيته 5 قروش واشتريت منه «3 كيلو لحمة» وحزين لعدم تكريمى بمصر

بوجه بشوش، وابتسامة عريضة لا تفارق وجهه، يستقبل زواره فى منزله الذى يجمع بين الرقى والتواضع، والذى تحكى أركانه تفاصيل الحياة البسيطة التى يحياها القارئ الشيخ محمد محمود الطبلاوى، الذى صدح اسمه فى أركان الدنيا مغردًا بالقرآن، حتى أصبح علمًا بين القراء فى شتى بقاع الأرض. «الدستور» زارت الشيخ الطبلاوى فى منزله، واستعادت معه ذكريات رحلته مع تلاوة القرآن التى بدأها فى سن العاشرة، وعلاقته بعدد من كبار القراء والمشايخ، بالإضافة إلى أهم المشكلات التى يواجهها حاليًا فى ظل شغله منصب «نقيب القراء».


■ كيف بدأت رحلتك مع القرآن الكريم؟
- نشأت وتربيت فى منطقة ميت عقبة بمحافظة الجيزة، لكنى من أصل منوفى، وقبل مولدى شاهد والدى رؤيا، إذ جاء أبوه له فى المنام وأخبره بأن زوجته، التى هى أمى، ستنجب ولدًا، ولا بد أن يسميه «محمد»، وأنه سيكون من حفظة القرآن الكريم.
لذا تمسك والدى بهذه الرؤيا، وحرص على أن أكون من حفظة القرآن، حتى إنه كان يدفع لشيخى فى الكتاب «قرشًا بحاله»، فى الوقت الذى يدفع فيه الآخرون «تعريفة»، كى يهتم بى الشيخ أكثر.
■ هل كنت منتظمًا فى الحفظ والذهاب إلى الكُتّاب؟
- طبعًا، كنت منتظمًا فى الذهاب للكتاب، لأن التعليم زمان لم يكن بهذا القدر من «الحنية» التى يتعاملون بها اليوم، فقد كان شيخ الكتاب، الشيخ غنيم عبيد الزهوى، يجمعنى مع ٥ من الطلاب يوم الخميس من كل أسبوع، ويجعل كل واحد يقرأ شيئًا من القرآن بصوته.
وكان الشيخ غنيم خبير أصوات بالفطرة، رغم أنه لم يدرس موسيقى، وكان يقول لنا: «فلان صوته أقرع»، أى أنه لا يؤثر فى المستمع، و«فلان صوته نحاسى»، و«فلان صوته من القلب»، ويصنفنا تبعًا لجودة الأصوات، وكان يقول لى: «يا محمد يا بنى: أبشرك.. سيكون لك مستقبل عظيم، لأن صوتك زى صوت الشيخ رفعت».
■ هل مكثت فى الكُتّاب لمدة طويلة؟
- استمررت فى حفظ القرآن بالكتاب حتى عمر ٩ سنوات، إلى جانب دراستى بالمدرسة بالطبع، لكنى بعد الانتهاء من مراحل الدراسة الأساسية شعرت برغبة فى التبحر فى علوم القرآن، لذا توجهت للدراسة فى «معهد القراءات»، وأخذت إجازة فى قراءة رواية حفص عن عاصم، وإجازة عالية فى القراءات، وإجازات أخرى أكثر تعمقًا وتخصصًا.
■ متى بدأت تلاوة القرآن أمام الناس؟
- بدأت تلاوة القرآن على الناس فى عمر ١٠ سنوات، وفى الماضى كان الناس يحرصون على «ختم القرآن» أثناء المناسبات والنذور والولائم، ويدعون حفظة القرآن الكريم للقراءة فيها.
■ كم بلغ أول أجر تلقيته على تلاوتك؟
- أول أجر على التلاوة كان من عمدة إحدى القرى، بعد أن قرأت فى ذكرى والده، وأعطانى حينها ٥ قروش، وكان هذا مبلغًا كبيرًا بالنسبة لى، حتى إنى ذهبت به إلى الجزار واشتريت منه «٣ كيلو لحمة جملى»، فالمال وقتها كان به خير وبركة.
■ ألم تفكر أبدًا بالعمل فى مجال مختلف كالغناء مثلًا؟
- والدى كان يريد أن أكون من حفظة القرآن الكريم، لذا كنت أحرص على ذلك، وأعتنى به كثيرًا، كما كان أبى يذهب للكتاب بشكل دائم للتعرف على مستوى تلاوتى، وكانت والدتى تدعمنى فى ذلك أيضًا.
أما الغناء، فلم أفكر فى ذلك، لأن الله- عز وجل- وهبنى لتلاوة القرآن، ولم يخطر فى بالى أبدًا العمل بمجال الفن والغناء، كما أن الفترة التى نشأت بها كانت تشهد وجود عدد من قراء القرآن المشهورين، مثل الشيخ على محمود، والشيخ محمد رفعت، والشيخ أحمد ندى، وكان عددهم محدودًا، وكنت أريد دائمًا أن أصبح واحدًا من هؤلاء القراء.
■ ألا تحب أهل الفن؟
- يمكننى هنا أن أتحدث عن الفنانة شادية، لأنها كانت تتمتع بقلب طيب، وأخلاق حسنة، لذا استمعت لحديث الشيخ الشعراوى، وسارت على طريق الالتزام، لكن العديد من الفنانين، خاصة فى هذه الأيام، يتمتعون بقدر كبير من الغرور، خاصة من يظل يقول: «أنا»، وكنا قديمًا نقول: «من قال أنا.. وقع فى القنا».
■ مَنْ كان مثلك الأعلى بين القراء؟
- الشيخ محمد رفعت كان دائمًا مثلى الأعلى فى تلاوة القرآن لأنه كان تقيا، ويتمتع بصوت يخرج من القلب، ويؤثر فى المستمعين بتلاوته، كما أحببت تلاوة الشيخ محمود محمد رمضان، والشيخ محمود الخشت، والشيخ طه النعمان.
■ ألا تعجبك تلاوة «الشيخ الطبلاوى»؟
- «أحيانًا باسمعه»، وأقول كان المفروض أن يركز على أمور معينة، وأعقب على قراءته بين حين وآخر.
■ كيف كانت علاقتك بالشيخ الشعراوى؟
- كنت أجتمع معه فى المناسبات ونلتقى كثيرًا، وقد كان عالمًا جليلًا ورجلًا ذواقًا للقرآن، لذا كان يقول رأيه بصراحة فى أصوات المقرئين، وكنت أحب التحدث معه كثيرًا فى أى لقاء يجمعنا، رغم أنه كان «قليل الكلام».
■ كيف بدأت رحلة تسجيل المصحف المرتل؟
- صاحب الفكرة كان الشيخ محمود خليل الحصرى، وبعدها طلبت من هيئة الإذاعة تسجيل القرآن الكريم كاملًا بصوتى، وحينها وافقت على ذلك، والتسجيل لم يأخذ وقتًا طويلًا، لكن الإذاعة قررت عدم إذاعته لأسباب لا أعرفها، لكنى لم أغضب من ذلك، خاصة أن العديد من القنوات والإذاعات أذاعته بعد ذلك، وحظى بتقدير ودعم كبيرين من كبار القراء حينها.
■ ما أهم المشكلات التى تواجهها حاليًا فى ظل توليك منصب نقيب القراء؟
- أكبر أزمة تواجهنى فى عملى كنقيب للقراء عدم وجود مقر للنقابة، فنحن ندير العمل من مقر بالإيجار، وندفع له مبلغًا شهريًا يصل إلى ٣ آلاف جنيه، نقتطعها من اشتراكات الأعضاء وبعض المساعدات من أهل الخير. وسبق أن تحدثنا مع وزارة الأوقاف فى هذا الشأن، لكن لم تتم الاستجابة لنا، لذا أناشد الرئيس عبدالفتاح السيسى توفير مقر ثابت لنقابتنا.
■ هل تضم نقابتكم قارئات للقرآن؟
- لا، «ماينفعش يكون فيه مقرئة ست»، لكن يمكن للمرأة أن تتلو القرآن فى المناسبات بين أسرتها وذويها، لكن التلاوة فى الإذاعة والتليفزيون تتطلب قدرًا من الخشونة، وأيضًا الطهارة التامة.
وأتذكر أنه كانت هنالك سيدة تُدعى «الحاجة سحر»، وكان لديها مكتب لتحفيظ القرآن، وكانت تتمتع بصوت يتسم بالخشونة وكان صوتها جيدًا وأخبرتها بذلك، لكن ذلك لا يعنى أنها يمكن أن تكون مقرئة.
■ زرت عددًا من الدول الإسلامية لقراءة القرآن بها.. فما الدولة التى أحببت زيارتها أكثر من غيرها؟
- دولة الأردن، فالملك عبدالله بن الحسين رجل عظيم، وكرمنى على تلاوتى للقرآن مرتين، كما أن شعبها يقدر حفظة القرآن وأهله كثيرًا، ويتسم استقبالهم لى دائمًا بحفاوة كبيرة، كما أنى لا أنسى عمومًا تكريمى فى عدد من الدول مثل جنوب إفريقيا، التى دعانى رئيسها لتلاوة القرآن هناك. ورغم ذلك للأسف لم يتم تكريمى فى مصر، غير أنى أشعر بالمحبة الكبيرة من الشعب، وهو ما أعتبره أعظم تكريم بالنسبة لى.
■ ماذا عن زيارتك لإيران؟
- زرت إيران لقراءة القرآن بها بدعوة من الشاه، وتلقيت منه تكريمًا على القراءة، وعندما تجولت فى شوارع إيران أثناء الزيارة وجدت مدرسة لتحفيظ القرآن تحمل اسمى وتسمى «مدرسة الطبلاوى».
■ ما قصة تلاوتك القرآن فى الكعبة؟
- كان الأمر بالصدفة وحدث منذ ١٥ عامًا، وكنت وقتها فى زيارة للمملكة العربية السعودية من أجل تأدية مناسك الحج، وطلب منى المسئولون من «آل شيبة» الذين يحملون مفتاح الكعبة أن أتلو القرآن الكريم داخلها.
وفتحوا لى الباب وقالوا: «اقعد يا شيخ طبلاوى هنا.. واقرأ: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها»، وحينها فعلت.
■ كمقرئ.. كيف تحتفل بالمناسبات الدينية مثل رأس السنة الهجرية والمولد النبوى وحلول رمضان؟
- كل ما يشغل بالى فى هذه المناسبات هو تلاوة القرآن، فهو اهتمامى الأول، غير أنى فى المولد النبوى من كل عام أحرص على شراء أضحية، غالبًا ما تكون «اثنين من عجول البقر»، ثم أذبحهما لوجه الله وأوزعهما على الناس.
■ هل هناك من أبنائك من تراه خليفتك فى قراءة القرآن؟
- لدىّ ١٢ من الأبناء، واحد منهم فقط هو الذى سلك طريق التلاوة، وهو ابنى الذى يحمل اسمى «محمد محمد محمود الطبلاوى»، ويذهب أحيانًا لبعض الليالى من أجل قراءة القرآن بوصفه امتدادًا لى.