رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب نهاد شريف

جريدة الدستور

- انتظر.. انتظر..
حملقت مغتاظًا: ما الذى تريدونه منّى؟
- شيخنا قادم لمحادثتك..
لوحت بقبضتى عاليًا: أغربوا عن وجهى.. اتركونى وحالى.. ماذا تريدون.. إننى لست منكم.. لست من مادتكم.. لست ندًا لخلقتكم..
- سموك فى حاجة إلينا..
أطلقت قهقهة متحشرجة من فرط غيظى.. صمت.. وجمت يأسًا.. وعدت أحملق.. فرأيت الشيخ العجوز ينتصب قبالتى ولحيته البيضاء تغطى صدره العارى حتى سرته.
- ماذا تريد؟
قال: بل سموك الذى تريد.. ورغبتك البقاء بيننا..
تساءلت فى وقاحة نادرًا ما يلجأ إليها شريطى المتكلم: ما الذى فى مقدورك أن تفعله؟
- لتهدأ سموك أولًا.. ولنتفاهم.. أرى أنك ناقم على بنى جنسك.. وأنك راغب فى النأى عنهم..
- تمامًا..
- لكن ألا ترى سموك.. أن بقاءك معنا فيه خطر عليك وعلينا فى نفس الوقت..
- تعنى احتياج بدنى لتجديد شحن بطاريته الذرية كل عام.. لقد جددت شحنها لآخر مرة منذ أسبوعين..
انحنى الشيخ قبالتى فى أدب يستغرب من أحد المتوحشين.. وتمتم والكآبة تملأ تغضنات وجهه البادئ الذكاء لدهشتى: إن بنى جنسك لن يقبلوا هربك إلى غابتنا.. ثم هم لن يغفروا بالتالى تشجيعنا وإيواءنا لك.. صدقنى.. سوف يصبون علينا نقمتهم التى لا تقاوم..
اضطرب شريط معلوماتى.. اهتزت إبره ذات الرءوس البللورية.
- أرأيت.. لا يوجد حل.. إذن فدعونى وشأنى..
همس الشيخ: بل هناك منفذ.. فقط لا مهرب من التضحية..
وعرفت ذلك المنفذ.. عرفت مطلبه الرهيب..
لكن الاختيار بين رفض مطلبه وتنفيذه لم يكن صعبًا على.. لم يكن بشعًا..
أجل إنه المنفذ الوحيد حقًا على قسوته..
تطلعت إليهم طويلًا.. حدقت بخلاياى الضوئية فى وجوههم القلقة الملتفة حولى.
لم تكن نظرتى جامدة هذه المرة.. تحرك ذلك الشىء فى مؤخرة رأسى فربط بينى وبينهم.. أزال نفورى وتقززى وزاد قربى منهم.. كم هو ممتع ذلك الإحساس الذى يغمرنى.. يدغدغ ثناياى.. بنوره الذى لا يقاوم.. ولوحت لهم بكلتا يدى.. وقد بدا بين وجوههم وجه «سوها».
وفى بطء تحركت.. ربما اعترتنى لحظة من التردد ونظرات «سوها» تودعنى.. لكنى تماسكت.. تقدمت مبتعدًا عنهم تشيعنى همهماتهم بما يسمونه.. الدعاء..
وغادرت الغابة أخيرًا.. وروائح ثمارها لا تزال عالقة بى.. وكانت وجهتى الأكيدة المفاعل الذرى.. الضخم.. الذى يمد قومى بطاقة بقائهم.. وقد انطوت تحت إبطى بعد حين لفافة تحوى عبوة ناسفة شديدة الانفجار.