رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القفزة الاقتصادية المصرية.. هل هي حقيقة، وما معناها؟



حمل بداية هذا الاسبوع خبرا ايجابيا ومفرحا لمصر، أو هكذا بدا عندما احتل صيغة "عاجل" على كافة وسائل الأخبار العالمية، في يوم 21 مارس الماضي. تمثل ذلك في اعلان وكالة "فيتش" الدولية ارتفاع التصنيف الائتماني المصري طويل الأجل من درجة B إلى B+ مع نظرة مستقبلية مستقرة. وصلني هذا الخبر من وكالة أنباء عالمية مرموقة كرسالة، تظهر على الهاتف لمن هم مسجلين كمشتركين أو متابعين لدى الوكالة.
مع نهاية يوم الاعلان، حاولت أن أجري متابعة للخبر في وسائل الاعلام المصرية، ظنا مني أنه سيحظى بالقدر الواجب من الاحتفاء والتفسير، ومناقشة تحليلاته ومدلولاته المتوقعة، باعتبار أن الغالبية العظمى من الرأي العام المصري باتت اليوم على يقين، بأن التحدي الأكبر التي تواجهه الدولة المصرية هو تحدي اقتصادي، وينسحب ذات اليقين على حياتهم اليومية، ليحتل نسبة لا يستهان بها من الجدل والضيق في طيات ما يتداول من أحاديث عامة، أو كتابات منشورة ومثلها على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي. للأسف وكعادة موضوعات مشابهه؛ لم أجد ما يشف غليل أحد، أو لنقل كنوع من الايضاح والتبسيط وتبيان الأمر على حقيقته لمن هم غير المتخصصين، وأنا منهم. فطبيعة الموضوعات الاقتصادية فعليا تحتاج إلى متخصص يعرف كيفية طرح القضايا وتقييمها، وتبيان نقاط القوة والخطر المتوقع في مداها القصير والطويل، وما هي حدود تأثيرها ومدى وصولها إلى المواطن. ولهذا حديث طويل في مثل تلك القضايا وغيرها، والسبب في غيابها عن وسائل اعلامنا، وقبلا عزوف المواطنين عنها في حال اتاحتها مكتوبة أو عبر أثير وشاشات العرض المتنوعة، على أي الأحوال وجدت أمامي ما أرى أن من المهم الاطلاع عليه.
حيث اضطلع المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، في وحدته للدراسات الاقتصادية كتب د. عمر الحسيني ما عنوانه، رفع وكالة “فيتش” لتصنيف مصر الائتماني… ماذا يعني؟وفيه تناول الإجابة عن السؤال بمقدمة تقول أنه: تأتي أهمية هذا التطور، بالنظر إلى أهمية مؤسسة “فيتش” ذاتها باعتبارها واحدة من أكبر ثلاث شركات للتصنيف في العالم (بالإضافة إلى شركتي ستاندرد آند بورز، وموديز). ولا شك أن هذا التصنيف سوف يزيد من الثقة الدولية في الاقتصاد المصري، الذي يخوض تحديا قويا خلال السنوات الأخيرة، خاصة في إطار مشروع الإصلاحات الاقتصادية الجارية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. وتعتبر الشركات الثلاث السابقة، هي الشركات الأهم في سوق التصنيف الائتماني، حيث استحوذت على 95% من هذه السوق بحلول عام 2013. وتعتمد معظم الشركات والمؤسسات المالية الأضخم حول العالم في قراراتها، على تقارير تلك الشركات الثلاث، ولذا أطلق عليهم لقب الثلاثة الكبار( Big Three).
استعرض التقرير المعلوماتي لدكتور عمر الحسيني، ما بررت به “فيتش” قرارها في رفع تصنيف مصر الائتماني، بإحراز مصر تقدما كبيرا في تنفيذ برناج الإصلاح الاقتصادي والمالي، الذي يساهم -طبقا لتحليل الوكالة- في زيادة فرص استقرار الاقتصاد الكلي، وفرص التمويل الخارجي. واستعرضت الوكالة في تقريرها النتائج المرتقبة، لبرنامج الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي، متوقعة استمرار هذه الإصلاحات في توليد نتائج اقتصادية أفضل حتى مما هو متوقع، في الاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي. كما أشارت “فيتش”إلى استمرار تدني نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، ونمو فوائض الميزانية الأساسية، بالإضافة لارتفاع الاحتياطي من النقد الأجنبي إلى ما يعادل ستة أشهر من المدفوعات الخارجية الحالية. وتوقعت الوكالة انخفاض الإنفاق على الأجور والإعانات والفوائد، بنسبة تقترب من 5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من يونيو 2016 إلى يونيو 2020.
وهنا كان جدير بتقرير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن يلفت الانتباه إلى أنه، ومع أهمية رفع التصنيف الائتماني لمصر من جانب وكالة “فيتش”، إلا أنه ليس التقييم الإيجابي الأول، فقد سبقه خلال عامي 2019 و2018، رفع شركة “ستاندرد آند بورز” تصنيف مصر الائتماني طويل الأجل إلى B بنظرة مستقبلية مستقرة (مايو 2018)، تبعه قرار شركة “موديز” رفع تصنيف مصر إلى B3 مع نظرة مستقبلية إيجابية (أغسطس 2018)، وذلك مقارنة بتبني الشركات الثلاث نظرة مستقبلية سلبية للاقتصاد المصري خلال الفترة (2011-2013).جاء ذلك على خلفية ما تعرضت له الدولة المصرية من اضطرابات سياسية، أثرت بصورة مباشرة على الاقتصاد، ما أدى في التحليل الأخير إلى انخفاض الثقة في الاقتصاد المصري، وهروب رؤوس الأموال الأجنبية، حتى إن صافي التدفقات الأجنبية المباشرة انخفضت جذريا لتصل إلى ما يقرب من -483 مليون دولار أمريكي في عام 2011، مقارنة بحوالي 6.386 مليارات دولار في عام 2010. لكن ذلك الصافي عاد ليتخطى حاجز (6 مليار دولار) مرة أخرى في عام 2015، ووصل في عام 2016 إلى (8.107 مليار دولار).
ووفق ذلك قدرت الوحدة الاقتصادية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن رفع التصنيف الائتماني لمصر بواسطة الثلاثة الكبار إلى مجموعة من التطورات المهمة، التي شهدها الاقتصاد المصري. ونشير هنا إلى أربعة تطورات رئيسية؛ التطور الأول: يتمثل في تعديل هيكل الديون الخارجية، في اتجاه التحول تدريجيا من الديون قصيرة الأجل إلى الديون طويلة الأجل، من خلال الاعتماد على السندات ذات الآجال الأطول، بدلا من الأذون. التطور الثاني: تمثل في النجاح في زيادة تدفقات النقد الأجنبي للبلاد، من مصادر مختلفة. التطور الثالث: هو تقليص عجز الموازنة. وأخيرا، يتمثل التطور الرابع: في الوفاء بالالتزامات المالية الخارجية، تجاه الحكومات والمؤسسات الدولية في آجالها المحددة.
في النهاية أعتقد أنه من المهم الوقوف على مثل تلك التحليلات، التي تبدو للوهلة الأولى أنها خاصة بنخب المتخصصين، لكنها في حقيقتها قابلة للاطلاع والفهم وليست على قدر من التعقيد، الذي يتعلل به محاربو بناء الوعي حول أهم تقديراتنا وخططنا وطموح صناعة الغد الأفضل، الذي سنتشارك فيه ونتقاسمه جميعا لا محالة.