رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منظومة الدكتور شوقى والثقافة العلمية


فى لقاء تليفزيونى للعالم الكبير الدكتور فاروق الباز عام 1999 سألت المذيعة «من مذيعات الريادة المزعومة» سؤالًا استفز العالم الكبير «إمتى يا دكتور حترجع بقى ويرجع كل علمائنا فى الخارج ويقعدوا فى بلادهم وينموها؟.. فبادرها الباز منزعجًا: أرجوكى سيبيهم هناك.. سيبيهم ياخدوا الخبرة.. لأن الخبرة هناك لى ولهم تحدث كل يوم.. يحصلون على خبرة جديدة وكفاية فى الظروف دى أن نعود للوطن فى إجازات ومؤتمرات ومحاضرات لإنارة أهل الوطن بالخبرة التى كسبناها ونكتسبها بشكل مستمر.. أرجوكى سيبيهم!!
أما العالم الراحل د.أحمد مستجير، الرائد فى علوم الهندسة الوراثية فقد طالب بالآتى:
ـــ تهيئة مناخ الثقافة العلمية والبحث بشكل سريع.
ــــ الاستثمار فى العلم، لأن عائده مئات الأضعاف عن الاستثمار فى أى شىء آخر.
قال مستجير: لا بد من التحول من الأقدام إلى الرءوس.. هل ندفع للعلماء الكبار كى نحصل منهم على الخبرة، كما تفعل معهم الشركات عابرة القوميات لكى يساهموا فى النهضة العلمية، أم نكتفى بدفع مئات الملايين من الدولارات على مدربى كرة القدم، لقد كرهت كرة القدم ولاعبيها وأيقنت أن دخول عصر العلم والتكنولوجيا يلزم الخروج من عصر الكرة أو الانتقال من الأقدام إلى الرءوس!!
جاء فى مجلة «الشباب» الأهرامية مؤخرًا لتذكير القارئ: هل تتذكرون «العلم فى كبسولة».. ربما كثيرون من الأجيال الحالية لا يمثل لهم هذا العنوان شيئًا ويبدو مبهمًا، لكن المؤكد أنهم سيفاجأون عندما نكشف لهم أنه اسم باب ثابت كان يحرره العالم الكبير الدكتور أحمد زويل ينشر لسنوات فى مجلة الشباب خلال فترة التسعينيات يهتم بتبسيط العلوم والمصطلحات الصعبة بأسلوب سهل للفهم حتى لغير المتخصصين فى الكيمياء والفيزياء، ومن يعود لأعداد مجلة «الشباب» منذ عام 1987 سيلاحظ عدة تحقيقات وحوارات أشارت فيها المجلة لعالم مصرى مشهور عالميًا ويحظى بمكانة كبيرة فى جامعات أمريكا وأوروبا.. ولكنه للأسف كان- وقتها- مجهولًا فى بلده.. هذا العالم اسمه أحمد زويل، ونشير هنا لأن السبب فى تعريف المجلة لكثير من المصريين بهذا العالم الراحل هو أنه كان يرتبط بعلاقة صداقة قديمة برئيس تحرير المجلة وقتها الراحل الكبير عبدالوهاب مطاوع، ولذلك كان زويل لسنوات ليس مجرد ضيف على صفحات «الشباب».. ولكنه صاحب بيت، كما يقولون، ولذلك أيضًا لم يكن غريبًا أن يرافق الأستاذ عبدالوهاب مطاوع صديقه زويل خلال رحلته للسويد لتسلم جائزة نوبل عام 1999.. وكان وقتها ضيفًا على الحفل بصفة شخصية رغم محدودية الدعوات، وانفرد «عبدالوهاب مطاوع» بكواليس وصور تم نشرها على صفحات «الشباب»، وطوال السنوات التالية وحتى وقت قريب كانت المجلة تنشر بانتظام حوارات عديدة مع الدكتور زويل، سواءً خلال زياراته للقاهرة أو حتى فى أثناء وجوده بأمريكا وسفرياته الكثيرة.
وددت بتلك الإشارات لمقولات ومواقف رموز النبوغ العلمى من أبناء شعبنا العظيم التنبيه لأهمية دعم وسائط الإعلام العلمى «والله عيب هذا الفقر البشع فى مجال التوعية العلمية»، وكنت أتمنى أن يسبق «أو على الأقل يلحق» تنفيذ منظومة التعليم الجديدة، وجود منظومة إعلامية لدعم الثقافة العلمية لعموم الشعب المصرى بشكل عام ولشبابنا بشكل خاص، والثقافة العلمية ليست مفهومًا حديثًا فى هذا القرن أو فى أواخر القرن الماضى، بل تعود لفترة أطول، حيث بدأ التداول فيها فى فرنسا منذ منتصف القرن التاسع عشر، وينقسم الناس بين مؤيدين للثقافة العلمية الشعبية ومعارضين لها، فالمؤيدون يرون ضرورة تعميم الثقافة العلمية على جميع فئات الشعب وبأسهل الطرق، وهم يوتوبيون يشددون على أهمية تسهيل العلوم وتبسيطها ويركزون على القيام بذلك من قبل متخصصين، لأن الكثير من الصحفيين غير المتخصصين لا يملكون قدرة على التعبير بشكل سليم عن مواضيع علمية متخصصة، وهذا ما يجعل إمكانية تكرار الأخطاء واضحة، وخاصة عندما يستخدمون مصطلحات علمية غير مناسبة أو اصطلاحات مترجمة عن لغة وسيطة لا يتقنونها.
ويرى العلماء أن بعض حالات تبسيط العلوم عمل قد يؤدى إلى إفقار العلم ويحد من قيمته، إذ تكون العلوم مقدَّرة من خلال فوائدها، حسب رأيهم، ولهذا يتحدثون لصالح العلوم التطبيقية المفيدة للبشر، كإنتاج مواد وأدوية طبية، أو صناعة بشر آليين «روبوتات» تنوب عن الناس الحقيقيين فى الكثير من الأعمال، إلى آخر ما هنالك من الأدوات ذات النفع الواسع للناس.
ومما تقدم أرى أهمية دور المؤسسات الإعلامية والتعليمية والعلمية لدعم تعميم الثقافة العلمية من قبل حاملى هذه الثقافة القادرين على إيصالها إلى عامة الناس؛ ولكن دون أن يؤثر ذلك على جوهر البحث العلمى وتقدمه، ذلك لأن تقدم البلدان يرتبط بعدد باحثيه الحقيقيين وبعدد مقالاتهم العلمية المفيدة وليس بكثرة ما ينشرون من ثقافة علمية شعبية. هذا ويجدر أن نذكِّر بأن هناك باحثين أجانب بارزين كتبوا فى مجال الثقافة العلمية يمكن الاستعانة بفكرهم ومنظوماتهم الإعلامية التى روجت لفكرهم..