رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منتصر (6) قرصة الثعبان الأقرع.. لماذا ضرب أحمد زكي طارق الشناوى وشتم كاتبين؟

جريدة الدستور

هذه الواقعة حائرة بين روايتين.
الأولى تقول إن أحمد زكى أوقع طارق الشناوى فى الكلام حتى سخر من أدائه فى فيلم «ناصر ٥٦» وجهًا لوجه، وقال إنه كان يقلد جمال عبدالناصر، فردّ: مقلدتوش يا طارق.. لأن التقليد يؤدى إلى الضحك مثل الرسم الكاريكاتورى أو المونولوجست.
وحين حاول طارق أن يتفلسف ويشرح الفرق بين التقليد والمونولوج ليصل إلى نقطة أن «المبالغة فى التقليد تفجر الضحك وهو ما يفعله المونولوجست وأنت كنت تقلد ولا تبالغ»، وجد قبضة يد أحمد زكى تستقرُّ فى وجهه.


يروى السيناريست مصطفى محرم تفاصيل «خناقة ٩٦»، بقوله إنه كان مدير مهرجان الإسكندرية السينمائى، ويستيقظ متأخرًا بسبب ظروف التنظيم، لكنهم أيقظوه فى يوم أحد، وقالوا له: إلحق.. أحمد زكى ضرب طارق الشناوى.
خاف أن تسرى الحكاية بين الفنانين والصحفيين، وتتحوَّل إلى «فضيحة للمهرجان»، وارتدى ثيابه بسرعة، ونزل المطعم، فرأى الشناوى يجلس غاضبًا، وحوله مجموعة من الزملاء: «سألته: جرى إيه؟، فأخبرنى بأنّ زكى عندما وجده متمسكًا برأيه فى تمثيله للشخصيات، ضم قبضة يده، وضربه فى غيظ». سأل محرم عن زكى، فأخبروه بأنه انصرف، ولم يظهر طوال أيام المهرجان، وسَرَت شائعة بأنه يقيم فى فندق فلسطين، وقال البعض إنه عاد إلى القاهرة ليمارس حياته الطبيعية، بينما ظلّ طارق الشناوى مكتئبًا.
لم يكن طارق بحرفية عادل حمودة، الذى يخوض معركة شرسة مع عادل إمام على صفحات، لكنه أول من يمدحه ويجرى ليقبِّله فى الحفلات العامة، فيروى أنه لم يكتفِ بلوم زكى على تمثيله لدور «ناصر» إنما تردَّد أنه يفكر فى أداء دور عبدالحليم حافظ وأحمد فؤاد نجم ومتولى الشعراوى وأنور السادات، فقلت له: «ليس فى صالحك أن تؤدى كل هذه الشخصيات، لأنها سوف تصبح أقرب إلى فوازير رمضان، وأضفت مداعبًا: لم يتبقَ لك سوى أن تؤدى دورى أنور وجدى وليلى مراد».

استجمع زكى كل قوته فى قبضة يده اليمنى، طبقًا للرواية الثانية، التى صاغها الشناوى، و«وضع يده على يدى حتى لا أغادر المنضدة وسحبت يدى لا شعوريًا بقوة وتمزق جيب القميص وغادرتُ المطعم ولم يكن فيه سوى أحمد زكى ومحمود سعد».
سرد طارق الشناوى روايته لما جرى بعد وفاة أحمد زكى بقليل، وختمها بسرّ تقديمها الآن: «لست مع الرأى الذى يقول إن علينا أن نذكرَ محاسن موتانا فقط لأن الشخصية المهمة سياسية أو فنية أو أدبية بعد رحيلها من حق الكتاب والنقاد تقييمها بالإيجابيات والسلبيات».

لكن.. لماذا انفعل الشناوى؟
«فجأة قال لى أحمد زكى إن هناك ناقدًا كبيرًا -وذكره بالاسم وأضاف لاسمه كلمات نابية- قد كتب ضده فى إحدى المجلات الشهرية ولم أرتَح لتلك الشتائم التى توجَّه إلى ناقد كبير، بعدها انتقل بالسباب إلى ناقد آخر كتب أيضًا نقدًا ضده على صفحات مجلة خاصة تصدر فى مصر، ووجدت أن الرد الوحيد على تلك الحالة هو أن أنصرفَ لأن هناك تطاولا بالألفاظ يوجه إلى اثنين من الكتاب ووضعت يدى على المنضدة استعدادا للانصراف».
«كل أصدقاء أحمد زكى يعرفون أنه عندما يبدأ الحوار يتكلم هو أغلب الوقت وربما يكرر العديد من المعلومات أكثر من مرة ومن الصعب أن توقفه»، طبقًا للشناوى، بينما يحتاج الفنان درجة معيّنة من الخبرة والثقة ليواجه طارق الشناوى كى يهزمَه بالضربة القاضية، فالمعروف عن الناقد أن «قرصته مسمومة» لا ينجو منها إلَّا لاعب سيرك يحمل على كتفيه مدفعية ثقيلة من «الفن والسياسة والعلاقات»، وهو ما شجع زكى على اصطياده حين استيقظ فى السابعة صباحًا، ونزل يتناول الشاى لـ«يعدل مزاجه» قبل أن يكتب عموده الأسبوعى «شىء من قلمى» فى «الأهالى» (وكانت من أهم الصحف المصرية وأكثرها توزيعًا فى التسعينيات):
«لم أجد إلا أحمد زكى ومحمود سعد فى المطعم، وكان أحمد زكى يجلس فى موقع لا يمكنه من ملاحظة باب الدخول، وأشرت لمحمود من بعيد بألا يذكر اسمى حتى لا يلاحظ أحمد تواجدى ونبدأ فى حوار طويل وأنا أريد أن أصعدَ لأكتب العمود.. ولأنه ليس لدىّ وقت فلا داعى لأن أدخل فى نقاشِ مع أحمد زكى خاصة أننى أعلم أنه سوف يواصل حديثه عن رأيى الذى سبق وكتبته فى فيلمه ناصر ٥٦ فى روزاليوسف ومجلة الشاهد».
انقلب محرم على زكى بعد وفاته، فأراد أن يكشف «خناقة طارق الشناوى» لأول مرة لإثبات أن أحمد زكى كان عنيفًا فى رفضه للآراء الناقدة إلى درجة «الضرب والإهانة».
هل كان أحمد زكى عدوًا للصحافة؟
يقول عادل حمودة إنه كان متحمسًا لخطواته الأولى حين بدآ معًا وكانا يتناولان «الكابتشينو» وينفقان أغلب أموالهما على السجائر، فى مقهى «لاباس» بوسط القاهرة قبل أن يذهبا للعمل: «كان يعتبر الكتاب الذى أنشره هو مؤلفه وكنت أعتبر الفيلم الذى يمثله أنا بطله، فنحن جيل واحد وسِكَة واحدة.. ومتاعب مشتركة اقتسمناها سويًا».



لم نصل إلى إجابة.
يقول طارق الشناوى: «كتبت مقالًا سلبيًا عن أحمد زكى فى نهاية حياته ونشر فى جريدة الشرق الأوسط الدولية (عام ٢٠٠١)، كان هو أول من نبهنى إلى أن المقال نشر، وأضاف فى مكالمة صباحية: (يا طارق أنا مش زعلان من حقك تقول رأيك وإوعى تصدق إن أى حد يقولك إن أحمد زكى غاضب منك، هاتصل بعلى أبوشادى وأؤكد له أننى لست غاضبًا منه) ونشر على أبوشادى مقالا فى نفس اليوم على صفحات «الشرق الأوسط» منتقدًا الفيلم ثم انتقدت فيلم معالى الوزير، وقال لى أحمد إنه تقبل ما كتبته وأمضينا ليلة سعيدة».
يقسم الشناوى علاقة زكى بالصحافة إلى جزءين.
فى الماضى «كان لا يتقبل الرأى الآخر بسهولة»، لكنه «تسامح مع هذا الرأى فى فترة عرض (أيام السادات ومعالى الوزير)، وتقبل النقد بلا لمحة غضب».
وبالفعل، يروى زكى – فى واحد من حواراته – أنه جلس يشاهد أحد أفلامه، وبعد دقائق «ألقيت كوب الشاى فى جهاز التليفزيون وكسرته، وطوال الليل، كنت أعاقب نفسى لسوء تقمُّص الشخصية».
فى الصباح، قرأ مقالًا لسامى السلامونى. كان «يمسح البلاط بأحمد زكى» على دوره فى الفيلم، فاتصل به فورًا: «شكرًا يا سامى.. عشان فصلت بين صداقتنا وبين الشغل.. لو معملتش كده، كنت هافقد ثقتى فيك».
لفترة طويلة من حياته، لم يفرق أحمد زكى، الذى «لم يكن بثقافة نور الشريف أو ذكاء عادل إمام»، طبقًا لمصطفى محرم، بين النقد والتفتيش فى الحياة الشخصية، فكان يهجم على الأولى بذنب الثانية.
يعترف- فى حوار صحفى مع محمود سعد- بفضل الصحافة عليه فى بداية مشواره الفنى: «أنا لست ضد الصحافة، وضد من يقول (لا يجب اختراق الحياة الشخصية) لكن عتابى المبالغة من بعض الصحفيين فى كتابة الأخبار دون معرفة الحقيقة وأشعر أنهم يفكرون بالنيابة عنى».
وكانت لزكى كلمة شهيرة: «طالما أنّ هناك من يسعدون باقتحام حياة الفنان الخاصة فأهلا بهم ولكن بشرط أن يكتبوا الحقيقة».
ويضرب مثلًا: «فى بداية حياتى الفنية كتبت عنى إحدى الصحف، وكنت فى ذلك الوقت منفصلا عن زوجتى، خبرًا أننى تزوجت فنانة كبيرة وسط جو عائلى ولفيف من الأصدقاء فأصابنى الجنون، مَن هؤلاء الأصدقاء وأين هذا المأذون؟».
ومؤخرًا، «قرأت خبرًا فى إحدى المجلات الأسبوعية عن رفضى استلام جائزة لجنة تحكيم المركز الكاثوليكى لأنه يريد الجائزة الكبرى، وتعجَّبت من الخبر لأنه غير صحيح تمامًا».
بَدَت الأخبار السابقة فى تفاهة لا يليق بأحمد زكى أن يتفاعلَ معها.. لكن ما يغضبه فعلا «أخبار أخرى تتهمنى أننى أعيش فى الفنادق بسبب الوحدة والاكتئاب والشهرة والمال، فتعجبت أين المال؟.. وأنا بدأت من الصفر فأنا لست من عائلة ثرية.. أنا فلاح من أسرة عادية وبدأت بنفسى وتعالوا معى نحسبها فأنا لم أقدم فى حياتى سوى ثلاث مسرحيات وأنا فى المعهد.. (هاللو شلبى ومدرسة المشاغبين والعيال كبرت)، المفروض أن الصحافة الفنية والفنان خط واحد، وإذا أخطأ فنان لا بد أن يأخذ عقابه ولكن بخبر صحيح من أجل الناس، لأنهم يصدقون أى شىء».