رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خلوة الأفارقة.. الدستور تكشف أسرار زاوية الطريقة التيجانية بـ«حى المغربلين»

جريدة الدستور

هنا فى «حى المغربلين» بوسط القاهرة، حيث يقع مقر ومسجد الطريقة التيجانية الصوفية، يبدو الأمر مختلفًا عن الطرق الأخرى، فالمكان لا يقتصر على إقامة حلقات الذكر والإنشاد وغيرها من الطقوس الصوفية، بل يؤدى ما يشبه «مهمة دبلوماسية» تتمثل فى استقبال المئات من الطلاب الأفارقة، من الجزائر والمغرب والسنغال والسودان، وغيرها من دول القارة السمراء، لتلقى علوم «الإسلام الوسطى» على أيدى علماء الأزهر والصوفية.
فى السطور التالية، تنقل «الدستور» مشاهد من هذه المهمة، وتلتقى عددًا من هؤلاء الطلاب، للحديث عن أبرز ما يتلقونه من علوم فى زاوية «التيجانية»، وذلك بعد استعراض تاريخ الطريقة ونشأتها، وأهم المبادئ والأفكار القائمة عليها.

مؤسسها المصرى أسهم فى التقارب مع السودان.. والشعراوى وعلى جمعة أبرز تلاميذه
«التيجانية» هى إحدى الطرق الصوفية السنية، ظهرت لأول مرة فى بلدة «بوسمغون» التابعة لولاية «البيض» بالجزائر، وهى تنتسب إلى القطب الصوفى أبوالعباس أحمد التيجانى، الذى انتقل إلى المغرب، وكان من العلماء الكبار، وتوفى ودفن فى مدينة «فاس» المغربية، حيث أقيم له ضريح يعد من المقدسات الصوفية التى يقصدها الزوار من جميع أنحاء قارة إفريقيا وخارجها.
وقال عماد الأسوانى، أحد مريدى «التيجانية»، إن الطريقة انتقلت إلى مصر على يد الشيخ قاسم الشارجى، وذلك فى عام ١٢٦٠ هجرية الموافق ١٨٤٤ ميلادية، موضحًا أن «قاسم الشارجى حول زاوية أنشئت بمعرفة شقيقه قدور منذ ١٠ سنوات، إلى وقف لصالح الطريقة، وذلك لخدمة تجمع الحجاج الوافدين من شمال إفريقيا وغربها».
وأضاف أن هذه الزاوية «ظلت المركز الرئيسى لهذه الطريقة فى القاهرة حتى عام ١٨٩٨، حين شيدت زاوية تيجانية أخرى فى حى المغربلين بمعرفة محمد سرور أغا، الذى أنشأ وقفًا آخر للطريقة، على مساحة ٣٠ فدانًا بالقرب من دمنهور».
وأشار إلى أن الطريقة انتشرت خارج القاهرة، وتحديدًا فى أسيوط وقنا، ابتداءً من فترة الخمسينيات، وذلك بفضل جهود وسلوكيات الحجاج التيجانيين القادمين من شمال وغرب إفريقيا، بجانب انتشارها فى مديرية الشرقية ما بين «بلبيس» و«منيا القمح» فى السبعينيات، نتيجة لجهود رجل تونسى يسمى البشير محمد الزيتونى، والذى أقام فى قرية «تلبانة» بمدينة منيا القمح إلى أن مات بها. فيما تولى الداعية التيجانى المراكشى، أحمد السباعى، نشر الطريقة فى المنوفية.
ومنذ عام ١٩٣٣ حتى ١٩٧٨، تولى قيادة الطريقة الشيخ محمد الحافظ عبداللطيف التيجانى، ودعمها بالدروس والمحاضرات والمؤلفات عن التصوف وعن الشيخ الأول أحمد التيجانى، بجانب إصداره مجلة «طريق الحق» عام ١٩٥٠، والتى ظلت تصدر حتى توقفها عام ١٩٨٣، وخلفه فى قيادة الطريقة ابنه أحمد التيجانى، الذى توفى قبل نحو عامين.
وعن الشيخ محمد الحافظ التيجانى، الذى يعد مؤسس الطريقة فى مصر خلال العصر الحالى، قال خالد التيجانى، أحد أتباع «التيجانية»: «هو أحد علماء الأزهر البارزين، ولد فى المنوفية، وحفظ القرآن الكريم فى سن صغيرة، ونسبه يعود إلى أشراف المغرب».
وأضاف أن أتباعه وتلاميذه يقولون عنه: «كان بحرًا فى العلوم الشرعية خاصة الحديث والتفسير، وتعلم الفقه والتصوف وشيئًا من الرياضيات والعلوم العصرية، وأخذ من أحمد السباعى التيجانى، أحد أكبر شيوخنا، بعض كتب الطريقة، كما اتصل بأكابر علمائها فى شمال وغرب إفريقيا، فأجازوه فى الإرشاد والدعوة إلى الله».
وتابع: «أسس زاويته الرئيسية فى منطقة المغربلين بالقاهرة، وفتح الله على يده كثيرًا من الزوايا التيجانية فى عدة دول، مثل تركيا، وماليزيا، وفلسطين».
وأشار إلى تأليفه عشرات الكتب والدروس للدفاع عن الإسلام، فضلًا عن إصداره الأبرز، مجلة «طريق الحق»، بجانب لعبه دورًا كبيرًا فى التقارب بين مصر والسودان، إلى أن توفاه الله يوم ٢٩جمادى الثانية ١٣٩٨ هجرية، الموافق ٥ يونيو ١٩٧٨ ميلادية.
واختتم: «الكثير من علماء الأزهر الكبار، تتلمذوا على يد الشيخ محمد الحافظ التيجانى، ومن بينهم الدكتور على جمعة شيخ الطريقة الصديقية الحالى مفتى الديار السابق، والشيخ محمد متولى الشعراوى، والدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء، والدكتور حسن الشافعى».

«تهذيب النقائص» هدفها.. احتفالاتها طوال العام.. وتنظم زيارات لبقية الطرق
تقوم الطريقة التيجانية على مجموعة من المبادئ، وردت فى العديد من مؤلفات علماء الطريقة، من بينها: «تجريد النفوس من غواشى الظلمة، وتصفيتها من كدورات المادّة، والسير بها إلى العالم الروحانى والتجريد الملكوتى، حتى يمدّها الحقّ بنوره فترى وتسمع وتسكن وتتحرّك وتعلم وتأخذ وتترك بفضل الله عز وجل».
ويرى علماء الطريقة أن التيجانية «مدرسة يجتمع فيها الإخوان متحابين فى الله على كتابه الكريم وسُنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم»، وأنها تعمل على تهذيب وإصلاح مجموعة من «النقائص»، بينها: «حبّ النفس والرئاسة والرياء والبخل والحقد والحسد».
وفى حوار سابق أجرته «الدستور» مع شيخ التيجانية الراحل، أحمد محمد الحافظ التيجانى، قال إن أتباع «التيجانية» ينتشرون فى جميع أنحاء الجمهورية، وإن كانوا يتمركزون بصورة أكبر فى الوجه البحرى، وبخاصة محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ومطروح وشمال سيناء.
وأضاف أن الطريقة تنظم العديد من الأمسيات والملتقيات الدينية، فى مقرها ومسجدها بمنطقة «المغربلين» فى وسط القاهرة، وذلك طوال معظم شهور السنة وبالأخص رمضان، وهى تهدف إلى «تهذيب النفس وإصقالها بمبادئ أهل التصوف». وواصل: «نقيم الكثير من الليالى خلال شهرى شعبان ورمضان، محبة فى رسول الله وآل بيته رضوان الله عليهم أجمعين، وهناك احتفالات خاصة بمناسبات معينة، مثل الاحتفال بليلة القدر، وغيرها من المناسبات التى تحتفى بها الطريقة فى الشهر الفضيل، الذى له طبيعة خاصة عند السادة الصوفية، وتقام فيه الموائد، ويقدم فيه الطعام للفقراء والمساكين الذين ينتظرون هذا الشهر من العام إلى العام».
وذكر أن الطريقة تنظم زيارات سنوية إلى مشايخ الطرق الصوفية الأخرى، من أجل تقوية الصلة بين أبنائها ومريديها وأتباع تلك الطرق، ويشارك فيها كبار شيوخ المنهج التيجانى فى مصر، مشددًا على أن هذا «متعارف عليه بين أبناء الطريقة التيجانية الذين ينظمون هذه الجولات بشكل دائم». وإلى جانب مقرها فى القاهرة، تمتلك «التيجانية» مئات الساحات الصوفية فى جميع أنحاء الجمهورية، حيث تشهد طوال العام، تنظيم أمسيات دينية وجلسات علم وقراءة قرآن، حتى مطلع الفجر، بمشاركة العديد من علماء الأزهر والأوقاف، والكثير من المواطنين، المنتمين للصوفية وغيرهم، وفق شيخ «التيجانية» الراحل.
وتابع: «هذه الليالى ليالى علم وذكر وطاعة لله عز وجل، وتشهد تكريم حفظة القرآن الكريم، بعد عقد مسابقات خصيصًا لذلك».

مريدون من القارة السمراء: تُعلمنا الإسلام الوسطى دون تشدد.. والدروس تحمينا من أفكار المتطرفين
تتميز الطريقة التيجانية بميزة لا تتوافر فى الطرق الأخرى، وتتفرد بها بشكل واضح، وهى كونها مركزًا لتجمع الصوفية الأفارقة، خاصة من نيجيريا والسودان والمغرب والجزائر والكاميرون، حتى أصبحت الطريقة الصوفية الأكبر والأضخم فى القارة السمراء، بنحو ٢٠٠ مليون مريد فى تلك الدول.
وبحسب عماد الأسوانى، عضو الطريقة، تتنافس «التيجانية» مع طريقتى «القادرية» و«السمانية» فى جذب مريدى القارة السمراء، خاصة أنهما تتمتعان بنفوذ واسع هناك، لكن انتماء رؤساء وقادة دول لـ«التيجانية» متعها بسطوة وسيطرة أكبر.
وتستقبل الطريقة التيجانية آلافًا من المريدين الأفارقة داخل مقرها فى «المغربلين»، حيث يتلقون العلوم الدينية والصوفية على يد كبار علماء التصوف المصريين والأجانب، فضلًا عن إمدادهم بما يحميهم من أفكار جماعات التطرف والإرهاب.
وعن ذلك الدور الأخير، قال خالد التيجانى: «الطريقة التيجانية فى مصر تؤدى دورًا كبيرًا فى نشر الفكر الإسلامى الوسطى، من خلال المنهج الدينى الصوفى الذى تتبعه، ولا يقتصر على حلقات الذكر والإنشاد فقط مثل بقية الطرق».
وبداخل مقر الزاوية التيجانية فى «المغربلين»، جلست «الدستور» مع مريدين أفارقة من دول عديدة، أبرزها السودان والسنغال والمغرب والجزائر، والذين تحدثوا عن الأسباب التى جعلتهم يأتون من دولهم ويجلسون داخل هذه الزاوية.
وقال محمد حجازى مدثر التيجانى، وهو من السودان: «أجىء إلى الزاوية التيجانية فى مصر بشكل دائم، لتلقى العلوم الصوفية على يد علماء الأزهر التيجانيين، وعندما أعود إلى بلدى أنشر المنهج الصوفى التيجانى هناك، والقائم على وسطية الإسلام».
وأضاف أن «شيخ الطريقة التيجانية، فى أى وقت، هو أب لكل التيجانية فى القارة السمراء، ولذلك يقصده مريدو الطريقة من جميع أنحاء إفريقيا، خاصة مع انتشار أفكار الطريقة بين المثقفين والمتعلمين ورجال الدين».
واتفق معه السنغالى مصطفى كيرا، الذى قال: «نأتى إلى الزاوية التيجانية فى المغربلين دائمًا، لكى نلتقى شيخ الطريقة، ونستمع إلى علماء التصوف الكبار الذين يعلموننا المنهج الدينى الصحيح».
وأضاف أن من بينهم طلابًا فى الأزهر الشريف ممن يدرسون للحصول على درجتى الماجستير والدكتوراه، بجانب الطلاب الجامعيين العاديين. وتابع: «شيخ الطريقة الراحل، أحمد التيجانى، كان رجلًا عالمًا عارفًا بالله، يحب الجميع ويستقبل المريدين الأفارقة بشكل دائم، ويقول: إن هذه الساحة هى ساحات أبناء سيدى أحمد التيجانى فى أى مكان كانوا، وليس فى مصر فقط، وهو ما أسهم فى حمايتنا من التيارات المتشددة».
وقال عبدالقادر شماس، من دولة المغرب: إنه يزور مقر الطريقة التيجانية فى «المغربلين» كلما زار مصر، حتى «ينهل من روحانياتها وعلوم الشيوخ والعلماء الذين يأتون إليها، سواء من الأزهر أو من علماء الصوفية، بجانب المشاركة فى طقوس أهل التصوف من ذكر ودعاء وصلوات».