رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبدالشافي يكتب: لكن غرامي كان أوهام

جريدة الدستور



المتحذلقون فى تفسير معانى أسماء البنات، يقولون إن الفتيات يحملن بعضًا منه، فتجد بعض العذوبة والرقة فى عبير وياسمين ونرجس، وكثيرات من «هند» تجدهن ممشوقات فارعات وجبارات أيضًا، ومعظم النواهد قصيرات محندقات أنيقات يتمتعن بأنوثة فياضة ورخامة لا حدود لها، وسلمى ومنى وسهى ورشا وهالة خفيفات الحركة لطيفات الروح، و«مى» تختال وتتغندر على سائر البنات باعتبارها «ذات الحرفين»، وشيماء وأسماء وإيمان وعفاف ونيفين يحرصن على التحذير من تناول القهوة والسجائر.
هكذا تجد الاسم يحمل فى معظم البنات جزءًا من المعنى إلا «هناء» يا أخى، كانت عيلة كئيبة وبائسة وحين وقعت فى حبها كنت فى زهرة شبابى هائمًا فى البرية مع غنوة الأستاذ محمد عبدالوهاب التى كتبها حسين السيد «عاشق الروح» أرددها كمتصوف عارف بعلوم الفلك وحسابات النجوم، يحمل بردته على كتفه ويطوف الشوارع بحثًا عن هذا المعنى: «وعشق الروح مالوش آخر لكن عشق الجسد فانى»، وحين جلست إليها أتغزل فى عينيها وبريق الوجد حين يطل مع فنجان القهوة وصوت فيروز، أشاحت بوجهها الكئيب وطلبت النادل، وقلت إن كلماتى أثرت عليها وستفيض أنوثتها بعد أن تتناول الليمون المثلج، فالبنات يطلبن «ليمون»، وجاء الولد مهذبًا بقميص أبيض وقبل أن أرفع عينى لأطلب ليمونها وقهوتى التى سأرشفها كما المتصوفة الكبار الهائمين فى بستان الحب، قالت هناء باقتطاب: قهوة، فقلت: قهوة.. قهوة زيادة لو سمحت، فقالت: وأنا سادة! وشعرت بأن الليلة غامقة أكثر من اللازم، وتأكدت بعد أن انتهى حوارنا بخلاف حول الأيديولوجيا، ولم أكن أحب هناء من أجل الأيديولوجيا فى حقيقة الأمر، لذا كرهت هناء وعشق الروح ذات نفسه، فقد كانت هناء قد سوّدت كل الصباحات التى جمعتنا قبل هذه الموقعة الأيديولوجية، فما من مرة التقينا إلا وكانت مكلضمة كارهة للحياة وللغد والأمس أيضًا، لكننى تعلمت أن الجسد ليس بتقاسيمه وما تكرمت عليه الطبيعة من نتوءات والتواءات تحدد الخصر واستدارة الصدر، ولكن بنداءاته الخفية التى تمس القلب وتخطف الروح والجسد أيضًا، وابتعدت عن «هناء» ووقعت فى غرام أغنية أخرى هى «حياتى أنت» كتبها حسين السيد وغناها عبدالوهاب وهى أشبه بمندبة كاملة، لطم خدود، وشد شعر وعياط ونهنهة كمان، الغنوة بتقول إيه يا سيدى: لكن غرامى كان أوهام.. ما كانش أكتر من أحلام»، يا نهار أسود يا جدعان، وكانت «منى» قد جننت أفكارى بالفعل، وجعلت غرامى بها أوهامًا تذروها الرياح فى يوم عاصف، عرفتها فى الجامعة وكانت حلوة حلاوة لا مثيل لها، ولأننى لم أكن أعرف حكاية معانى الأسماء فى ذلك الوقت. فقد كانت هى «المنى» الذى أسعى وراءه فأعبّ أنفى برائحتها إن اقتربت تهمس فى أذنى، وأهيم شوقًا إن انسدلت خُصلة من شعرها الأسود الغزير على وجهى، وكانت تفعل كل هذا بدلال وحب وأنوثة، حتى إذا انضم إلينا باقى أعضاء الشلة من الأصدقاء والصديقات فتتحول «منى» إلى كلبة وزبالة وحقيرة تتعمد السخرية من بنطلونى، وكان من هذا النوع الذى تبرز منه جيوب كثيرة ويعد أحدث صيحة فى موضة التسعينيات، وأمرر السخرية بسخرية لكنها لا تتوقف عن القهقهة والسخف، تضحك وتضرب كفها بكف «نشأت» الذى أشاع وسط الشلة كلها أن منى تحبه هو ولا تحبنى أنا، ومنى تضحك معه، وإن عُدنا وحدنا- هى وأنا- انكمشت كقطة تحك رأسها الصغير الناعم بكتفى، فأنسى غضبى كالعبيط وأحبها تانى، حتى إذا ذهبنا فى رحلة إلى فايد كما كل الجامعات آنذاك، فكانت منى مع نشأت السئيل، وكنت أنا أندب حالى مع عبدالوهاب أفندى «لكن غرامى كان أوهام»، وقد ذهبت هناء ومعها منى وبقيت مع عبدالوهاب نجدد العهد كل يوم وكل مرحلة من العمر، وكل سنة وعبدالوهاب الذى عشقنا على صوته وبكينا على كتفه معانا.