رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد الحناكى يكتب: وصولية أردوغان وشهداء مسجدى نيوزيلندا

جريدة الدستور



موقف أردوغان ونظامه من سوريا موقف انتهازى لا علاقة له بأى قيم فهو لا يهمه ماذا يحدث للسوريين بقدر ما تعنيه الفائدة التى تجنيها تركيا
يثبت الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، فى كل مرة، أنه يتاجر بالقضايا الإنسانية كما يتاجر رجل الأعمال ببضائعه، غير أنه يشطح معظم الأحيان بما لا يليق، راميًا عرض الحائط كل مشاعر الآخرين، مُصرًا على رفع كأس الاستعراض العالمى.
إذا كنا نحن المشاهدين أو المتابعين لا نلقى بالًا لتصريحاته ضد العدو الصهيونى، على اعتبار أنه وإن كان يزايد فهى ضد غاصب محتل، فإنك تشعر بالاستفزاز من طريقة تعامله مع المشكلة السورية والكردية والدواعش، وتقاطعهم بعضهم مع بعض.
ففى بداية الأزمة، جعل الأتراك حدودهم معبرًا آمنًا للدواعش لكى يتجهوا إلى سوريا وأحيانًا إلى الدول الأوروبية، بل إن منبج، المدينة السورية المتاخمة لتركيا التى تُعرف بأنها ذات أغلبية كردية، وفى فترة سقوطها بأيدى الدواعش أصبحت ملاذًا آمنًا لكل داعشى من أنحاء العالم، وعلاقتها بتركيا مثل «السمن على العسل»، المهم لدى تركيا ألا يقترب منها الأكراد.
المصيبة هى أن الأكراد سوريون، وهذا يعنى أن الأتراك «ليس لهم فى العير ولا فى النفير»، ولكن موقف الأتراك من الأكراد، أيًا كانت جنسيتهم، تاريخى فى عدائه، وبالتالى كان احتجاجهم بعد استعادة السوريين منبج من قبضة الدواعش، بعد احتلالها لمدة عامين ونصف العام فى «أغسطس» ٢٠١٦، غريبًا وساذجًا.
موقف أردوغان ونظامه من سوريا موقف انتهازى لا علاقة له بأى قيم، فهو لا يهمه ماذا يحدث للسوريين بقدر ما تعنيه الفائدة التى تجنيها تركيا! حتى لو أدى ذلك لأن تتحول سوريا إلى دويلات، بمعنى أنها تصفية حسابات مع الأكراد، أما الشعب السورى فإلى الهاوية، وطبعًا مع كل هذا الخذلان الذى يمارسه تجاه سوريا تجده يتوغل ويحتل، مطبقًا أسلوب الأتراك القديم الذى مارسوه من قبل مع سوريا أو قبرص.
قبل أيام وقعت الكارثة التى نعرفها جميعًا، عندما قام مجرم قاتل باعتداء أثيم على مصلين فى مسجدين فى نيوزيلندا، ما أدى إلى استشهاد أكثر من ٥٠ مسلمًا، ناهيك عن الجرحى، فى صدمة مروّعة إرهابية هزّت الكيان الإنسانى قبل أن تُوجع المسلمين أنفسهم، وكان رد الفعل النيوزيلندى قمة فى السلوك الحضارى والإنسانى على جميع الصُعد، رسميًا وشعبيًا، بل إن رئيسة الوزراء لبست فى ذلك اليوم الحزين حجابًا على الطريقة الإسلامية، وألقت تأبينًا بدأته بالسلام باللغة العربية، ناهيك عن شجب واستنكار لم تصنعه أى دولة من قبل، بالتالى: هل من المنطق أو من اللياقة أن أخرج كرئيس لدولة إسلامية وأهدد بعقاب الجانى إن لم تعاقبه نيوزيلندا؟.
هذا ما فعله أردوغان، قطعًا كان التصريح غير مقبول بتاتًا، لا دبلوماسيًا ولا حضاريًا، وكنت أتمنى أن يوفّر شجاعته المزعومة وينقل هذا التهديد إلى الكيان الصهيونى، الذى يعربد كل يوم فى الأراضى المحتلة وبوضح النهار وعن عمد، من ممارسات عنف وسجن وقتل ضد الفلسطينيين بجميع دياناتهم، الفارق بينهم وبين النيوزيلنديين أن الجانى فى نيوزيلندا كان تصرفه فرديًا وضد سياسة الحكومة، بينما فى فلسطين إرهاب الدولة هو ما يمارس الأفعال المشينة.
لم يهتم أردوغان بما قد تحدثه تهديداته من تأثير لدى المتطرفين من المتحمسين الإسلاميين، لا سيما من الصغار المغرر بهم، بل إنه لم يهتم بما يمكن أن يؤثر هذا على المسلمين فى نيوزيلندا من المتطرفين ضد الإسلام، أو ضد المهاجرين عمومًا، فهم يعتبرون تصريح زعيم محسوب على دولة إسلامية استفزازًا وتدخلًا، خاصة أن نيوزيلندا عالجت الأمر بكل حكمة واتزان.
فعلًا، حال المسلمين فى بعض البلدان يقول كما قال المثل أو الحكمة: «اللهم نجنى من أصحابى، أما أعدائى فأنا كفيل بهم».
نقلًا عن «الحياة» اللندنية