رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عيد الأم.. أمّ «هتلر» مثلًا!



مات أطفالها الثلاثة، صغارًا، وحين أرادت كلارا بولتزل، إجهاض طفلها الرابع، نصحها الطبيب بخطورة العملية، فتراجعت واستمر حملها، لتنجب، مساء السبت ٢٠ أبريل سنة ١٨٨٩، طفلًا اختارت له اسم أدولف، أدولف ألويس هتلر.
قسوة الأب جعلت الطفل أكثر قربًا وتعلقًا بأمه، التى كانت تعانقه وتقبله كلما قام والده بتعنيفه. وزاد هذا التعلق، بينما أراد الأول لابنه أن يحصل على وظيفة حكومية مثله، وكان موظفًا بإحدى إدارات الجمارك، كانت الثانية تساند طموح طفلها فى أن يصبح رسامًا أو موسيقيًا. وبوفاة الأب، فى ٣ يناير ١٩٠٣، ابتاعت كلارا لابنها بيانو كبيرًا، وتركته يمضى وقته فى الرسم والتلوين، وكتابة الشعر. ثم وفرت له بعض المال، حتى يتمكن من الانتقال إلى العاصمة النمساوية فيينا لدخول كلية الفنون الجميلة، لكنه فشل فى اجتياز اختبار القبول. وبالتزامن، اكتشفت كلارا إصابتها بسرطان الثدى، وتدهورت حالتها الصحية بشكل سريع، وأصبحت طريحة الفراش وغير قادرة على النهوض، فعاد أدولف إلى المنزل ليظل بجوار والدته حتى فارقت الحياة فى ساعة مبكرة من يوم ٢١ ديسمبر ١٩٠٧، عن عمر يناهز ٤٧ سنة.
الطبيب إدوارد بلوخ، الذى ذهب إلى منزل العائلة ليحرر شهادة الوفاة، أكد أنه لم يشاهد طيلة فترة عمله إنسانًا بلغ درجة الحزن التى كان عليها أدولف عند وفاة والدته، مشيرًا إلى أن هذه الحالة استمرت لفترة طويلة. وعلى ذكر ذلك الطبيب، نشير إلى أنه منذ عشر سنوات، تحديدًا فى ديسمبر ٢٠٠٩، صدر كتاب عنوانه «التاسع من نوفمبر: كيف قادت الحرب العالمية الأولى إلى المحرقة» للكاتب جوشيم ريكر، زعم فيه أن كراهية هتلر لليهود، كان سببها وفاة والدته على يد الطبيب اليهودى، إدوارد بلوخ، بجرعة زائدة من مادة الـ«أيودوفورم»، Iodoform، العلاج المعتمد لسرطان الثدى، فى ذلك الوقت. وأشار المؤلف إلى أن هتلر «لم يسامح الطبيب اليهودى، وامتد عداؤه لكل اليهود، مدعيًا أنهم جميعًا يعانون المرض نفسه، وأن عليه تخليص العالم منهم».
يتناقض هذا الكلام مع ما ذكره شهود عيان بأن هتلر شكر الطبيب وعائلته على مساعدة والدته، وأنه كان يرسل لهم بطاقات معايدة بالسنة الجديدة. ويناقض هذا الكلام، أيضًا، أن عداء هتلر لليهود بدأ بعد التحاقه بالجيش البافارى عندما دخلت ألمانيا الحرب العالمية الأولى، وشعوره، ككثيرين من الضباط والجنود الألمان، أن هزيمة بلادهم فى الحرب لم تكن عسكرية وإنما كانت بسبب خيانة داخلية من اليهود والعملاء. غير أن هذه المزاعم لا تقاس بالأكاذيب والافتراءات التى امتلأت بها كتب وتقارير وأفلام سينمائية تناولت حياة ووفاة الرجل الذى لم يضرب هيروشيما وناجازاكى بالقنابل النووية، ولم يقتل عشرات الملايين من الهنود الحمر، الفيتناميين، الكوبيين، الكوريين، العراقيين، السوريين، الأفغان، الباكستانيين إلخ.. إلخ.. إلخ.
إلى جانب تفوقها العسكرى والاقتصادى، امتلكت دول الاستعمار القديم والجديد، أيضًا، منظومة متكاملة للسيطرة على الرأى العام، والتلاعب بالعقول. ونجحت فى تصدير صورة مشوهة للرجل الذى قاد بلاده فى مرحلة شديدة الصعوبة، واستحق أن يكون زعيمًا شعبيًا، بعد أن شهدت ألمانيا خلال فترة حكمه تحولات أو قفزات سياسية واقتصادية، وتعززت علاقاتها بعدد من الدول الغنية بالمواد الخام التى تحتاجها الصناعة والصناعات العسكرية تحديدًا. وصارت دولة عظمى، بعد أن خرجت من الحرب العالمية الأولى بهزيمة مذلة اضطرتها إلى التوقيع على معاهدة فرساى التى حملتها مسئولية الحرب، وأرغمتها على دفع تعويضات.
هتلر، أدهش العالم أيضًا بذكائه وسياسته. أما عن الجرائم المنسوبة لألمانيا النازية، خلال الحرب العالمية الثانية فإنها، بلا شك، لا تقارن بالجرائم الثابتة التى ارتكبتها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، مثلًا، داخل مستعمراتها وخارجها، قبل وأثناء وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. كما لا يمكن مقارنتها أيضًا بتلك التى ارتكبتها (ولا تزال) الولايات المتحدة، أو الدولة المارقة الكبرى التى وقع العالم بين مخالبها، والتى قامت خلال السنوات الـ١٦ الماضية بقتل ما يقترب من مليون و٢٠٠ ألف فى حروب خارج أرضها. والأرقام من تقرير مشروع تكاليف الحرب، الصادر عن معهد واطسون للدراسات الدولية بجامعة براون الأمريكية.
.. وتبقى الإشارة إلى أن هتلر تحدث مرات عديدة عن حبّه وتقديره لوالدته ووصف يوم وفاتها بأنه «يوم مروّع»، فى كتابه «كفاحى». كما أنه طوال حياته، كان يضع دائمًا صورتها على جدران غرفه ومكاتبه ببرلين وميونخ. وظلت صورها ترافقه حتى انتحاره فى مخبئه بالعاصمة برلين، المعروف بـ«ملجأ الفوهرر». وعليه، لن تفاجأ لو عرفت أن هتلر هو القائل: «يظل الرجل طفلًا حتى تموت أمه، فإذا ماتت شاخ فجأة».