رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بن سلمان.. غاب فى الفبركة!



لنفسك، أو لأصدقائك، احتفظ برأيك فى محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى، وزير الدفاع، نائب رئيس مجلس الوزراء، فلسنا بصدد تقييمه، أو الحديث عنه من الأساس. بل عن واقعة «فبركة» من العيار الثقيل، ارتكبتها جريدة الـ«جارديان» البريطانية فى عددها الصادر الثلاثاء. ما يعنى أننا بصدد جريمة مهنية. غير أننا لن نختلف لو رددتها، ومعها سوابق فبركات الجريدة البريطانية وغيرها، إلى أسباب سياسية.
تقرير كبير، يزيد على ١٢٠٠ كلمة، كتبه ستيفانى كيرشجزنر، من واشنطن، ونك هوبكنز، من لندن، زعم فيه الكاتبان أن ولى العهد السعودى تغيب عن سلسلة من الاجتماعات المهمة فى السعودية فى الأسبوعين الأخيرين، وأن هناك تقارير ومعلومات لدى الجريدة عن تجريده من بعض سلطاته المالية والاقتصادية. بينما كانت وسائل الإعلام السعودية، بالتزامن مع صدور عدد الـ«جارديان»، تقيم الأفراح والليالى الملاح، وهى تنقل تقريرًا عن وكالة الأنباء السعودية (واس)، مدعومًا بالصور، يقول إن الملك السعودى، خادم الحرمين الشريفين، استمع، صباح الثلاثاء، إلى شرح مفصل من الأمير محمد بن سلمان، حول أربعة مشروعات تقوم بتنفيذها «لجنة المشاريع الكبرى» التى يرأسها ولى العهد!.
تقرير الـ«الجارديان» زعم أن الملك السعودى سلمان بن عبدالعزيز قام بتقليص مسئوليات ولى العهد، ولو مؤقتًا، فى لقاء مع مجموعة من كبار الوزراء الأسبوع الماضى. وأن مساعد العيبان، وهو مستشار للعاهل السعودى، تلقى تعليمه فى جامعة هارفارد بالولايات المتحدة، سيشرف بصورة غير رسمية على قرارات الاستثمار بالنيابة عن العاهل السعودى. وعلى النقيض تمامًا من هذه المزاعم، أظهرت الصور المصاحبة لتقرير (واس) خادم الحرمين الشريفين وولى العهد يشهدان عرضًا لأربعة مشروعات نوعية كبرى فى مدينة الرياض، تبلغ تكلفتها الإجمالية ٨٦ مليار ريال (٢٣ مليار دولار)، هى «مشروع حديقة الملك سلمان»، «مشروع الرياض الخضراء»، «مشروع المسار الرياضى»، و«مشروع الرياض آرت».
الأكثر من ذلك، هو أن خادم الحرمين الشريفين، خلال استماعه لشرح ولى عهده، بشأن المشروعات الأربعة، ومشروع «المسار الرياضى» تحديدًا، أمر بإطلاق اسم «الأمير محمد بن سلمان» على الطريق الرابط بين «طريق الملك خالد» غربًا و«طريق الجنادرية» شرقًا، ويمتد بطول ٣٠ كيلومترًا، ليكون «طريق الأمير محمد بن سلمان» أحد أهم طرق مدينة الرياض الحيوية، وستزداد أهميته بعد أن يقام على امتداده مشروع «المسار الرياضى» الذى يضم مسارات للمشاة والدراجات الهوائية وركوب الخيل ومجموعة متنوعة من المنشآت الرياضية والفنية والثقافية والترفيهية والبيئية، والمواقع الاستثمارية.
ما فعله ستيفانى كيرشجزنر، من واشنطن، ونك هوبكنز، من لندن، سبقهما إليه كثيرون جعلوا صفحات الجريدة البريطانية مقلب فبركات أو نفايات، لعل أبرزهم جوزيف مايتون، مراسل الجريدة ذاتها، جريدة الـ«جارديان» السابق بالقاهرة، والذى كانت فبركاته حديث العالم منذ سنتين تقريبًا. ومع أن الشىء بالشىء يُذكر، إلا أننا لن نذكر، فضيحة المقالات التى كانت جريدة «واشنطن بوست» تنسبها للمرحوم جمال خاشقجى، وثبت أن سيدة تستعملها قطر، أو العكس، كانت تشاركه كتاباتها أو تكتبها بالكامل بالنيابة عنه، ربما بتنسيق مع المخابرات الأمريكية أو مخابرات دول أخرى. كما لن نتوقف عند فبركات ديفيد كيركباتريك، فى الـ«نيويورك تايمز»، التى كان للرياض نصيب منها، وإن كان أقل كثيرًا من نصيب القاهرة.
لم تعد الأخبار الكاذبة مجرد شائعات تقوم جهات، كيانات، أو أجهزة بزراعتها فى وسيلة إعلام أو اثنتين أو حتى عشر. بل تحولت إلى صناعة كاملة. ولم يعد سرًا أن هناك دولًا تستخدم وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية، فى لعب أدوار داخل دول أخرى، كما لم يعد ذلك اتهامًا مرسلًا يطلقه مَنْ أكلت «نظرية المؤامرة» أدمغتهم. ولأن غالبية التقارير، الحقيقية أو المفبركة، إن لم تكن كلها، موجهة أو مكتوبة بالأمر أو حسب الطلب، فإن عقلاء كثيرين، بعد لدغة أو لدغتين، صاروا يقرأون تلك التقارير ليعرفوا التوجهات، الانحيازات، الولاءات، التمويلات.. وخلافه. وكل ذلك، يمكنك معرفته أو استنتاجه من تقرير آخر نشرته الجريدة ذاتها فى العدد ذاته، عدد الثلاثاء، يتناول ما زعم أنها تحالفات سرية بين الإسرائيليين ودول الخليج، خاصة السعودية!.
نحن، إذن، أمام قتيل جديد يُضاف إلى مشرحة لا ينقصها مزيد من القتلى. بغض النظر عن موقفك، أو موقفنا، من ولى العهد السعودى، وزير الدفاع، نائب رئيس مجلس الوزراء، الذى يرأس «لجنة المشاريع الكبرى» و«اللجنة العليا لمكافحة الفساد»، وغيرهما من اللجان والهيئات والمؤسسات التى يصعب حصرها، والتى تجعل تقرير الـ«جارديان» بشأن تجريده من بعض سلطاته أو صلاحياته، يخالف الواقع ويصطدم باللافتات التى قد تكون موجودة، الآن، على امتداد ذلك الطريق أو الشارع.