رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سفير «داعش» فى تركيا: أردوغان طلب مقابلتى.. وتعاملت مع مسئولى المخابرات

جريدة الدستور

كشف تفاصيل الاجتماعات السرية بين أنقرة والتنظيم على الحدود السورية التركية
النظام التركى أتاح «بوابات عبور قانونية» للدخول والخروج من سوريا
وفروا لنا مستشفيات وعربات إسعاف على الحدود وفى داخل تركيا لعلاج مصابينا بالمجان
لا يسألوننا عن هويتنا ولا يطلبون جوازات سفر ويكفينا إخبارهم بـ«نحن من الدولة الإسلامية»
أنقرة تعاونت معنا لتدمير الأكراد والسيطرة على كل الشمال السورى حتى الموصل

حصلت مجلة «هوم لاند سيكيوريتى توداى» الأمريكية، على معلومات تؤكد ارتباط تنظيم «داعش» الإرهابى بمسئولين كبار فى الحكومة التركية، وتوصلت إلى تفاصيل اجتماعات سرية كانت تتم على الحدود السورية التركية.
وأجرت المجلة مقابلة مع مهندس مغربى يُدعى «أبومنصور المغربى»، الذى انضم إلى «داعش» فى سوريا عام ٢٠١٣، وعمل سفيرًا له فى تركيا، والتقى مسئولين رفيعى المستوى فى جميع الفروع الأمنية.

جاء «أبومنصور»، الذى كان يعمل مهندس كهرباء، من المغرب إلى سوريا فى عام ٢٠١٣، وذلك من خلال مروره بإسطنبول، ثم الحدود الجنوبية لتركيا. وكما هو الحال بالنسبة للعديد من المقاتلين الأجانب الذين تمت إجراء مقابلات معهم، صرح بأنه «يأمل فى تحرير المسلمين من الأنظمة الديكتاتورية وبناء الخلافة الإسلامية التى تحكمها المثل الإسلامية»، على حد تعبيره.
محطته الأولى كانت «إدلب»، حيث اندلعت الأعمال العدائية بين «جبهة النصرة» و«داعش»، وانتهى به الأمر على جانب «داعش» من هذا الصدع وكلفه التنظيم بوظيفة «مسئول استقبال» على الجانب السورى من الحدود التركية.
أدار «أبومنصور» شبكة من الأشخاص الذين يتلقون أجورًا من «داعش»، وعملوا على تسهيل سفر المقاتلين الأجانب إلى مدن الحدود التركية: «غازى عنتاب» و«أنطاكيا» و«سانليورفا»، وكانت مهمته كما يقول: «توجيه العملاء لاستقبال المقاتلين الأجانب فى تركيا».
وأوضح أن شبكة من الأشخاص ممولين من قِبل «داعش»، سهّلوا سفر المقاتلين الأجانب من إسطنبول إلى المناطق الحدودية مع سوريا، مثل: «غازى عنتاب» و«أنطاكيا» و«شانلى أورفة»، مضيفًا: «مسئولون فى المخابرات التركية والجيش التركى كانوا يتعاملون معهم بشكل مباشر».
وامتد التمثيل «الدبلوماسى» لـ«أبومنصور» نيابة عن التنظيم ليصل إلى الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان نفسه، قائلًا: «كنت على وشك مقابلته لكننى لم أفعل.. قال أحد ضباط مخابراته إن أردوغان يريد أن يراك على انفراد، لكن هذا لم يحدث».
وكشف عن لعبة مزدوجة حاولت تركيا لعبها مع الغرب فى عام ٢٠١٤، من خلال السماح للمقاتلين الأجانب بالدخول إلى سوريا مع إعطاء مظهر أنهم كانوا يتخذون تدابير لمنعهم، كما فتحت تركيا بعض «بوابات العبور القانونية» التى استخدمها أعضاء تنظيم «داعش» للدخول والخروج من وإلى سوريا، مضيفًا: «الدخول إلى سوريا كان أسهل من العودة إلى تركيا، فأنقرة تسيطر على حركة العبور».
وتحدث عن المفاوضات التى تمت بين «داعش» و«تركيا»، الخاصة بالإفراج عن الدبلوماسيين والعمال الأتراك الذين احتجزهم التنظيم بعد دخولهم الموصل عام ٢٠١٤، قائلًا: «كانت هناك مفاوضات للإفراج عنهم، وقدّم التنظيم فى المقابل مطالب كذلك، واستغرق الأمر بعض الوقت ونتج عن تلك المفاوضات إطلاق سراح حوالى ٥٠٠ سجين من تركيا بالمقابل، وعادوا إلى التنظيم».
وعندما تم سؤال «أبومنصور» عما إذا كان قد تم السماح لمقاتلى «داعش» المصابين بالعبور عبر الحدود وتلقى الرعاية الطبية فى تركيا، قال: «كانت هناك بعض الاتفاقيات والتفاهمات بين المخابرات التركية وداعش بشأن البوابات الحدودية، فيما يتعلق بالمصابين والجرحى».
وشرح: «كانت هناك فرق من ٣ إلى ٥ مجموعات مختلفة، يمثل البعض منها المخابرات التركية والأخرى تنتمى إلى الجيش التركى، عقدوا اجتماعات فى تركيا، داخل مواقع عسكرية أو فى مكاتبهم، حسب الموضوع الذى تجرى مناقشته. وكانت تعقد الاجتماعات مع الجانب التركى أسبوعيًا بالقرب من الحدود، وبعضها فى أنقرة أو فى غازى عنتاب».
وأضاف: «اعتاد الأتراك أن يرسلوا سيارة ومجموعة حراسة، وكان يرافقنى ٢ أو ٣ من جانبنا وكنت فى موقع القيادة لفريق داعش معظم الأوقات»، مشيرًا إلى أن مهمته كانت ذات طبيعة تنسيقية دبلوماسية «تحقق الاستفادة للجانبين».
وأوضح: «الفائدة بالنسبة لتركيا، هى أننا (تنظيم داعش) فى المنطقة الحدودية، وتريد تركيا إحكام قبضتها على حدودها للسيطرة على شمال سوريا. وفى الواقع كانت للأتراك طموحات أكبر من مجرد السيطرة على الأكراد. لقد أرادوا السيطرة على كل الشمال السورى، بداية من كساب (أقصى نقطة فى شمال سوريا) وصولًا إلى الموصل».
وأضاف: «هذه هى أيديولوجية الإسلاميين لأردوغان، وفى الاجتماعات مع الجانب التركى كان يتم التطرق إلى إعادة تأسيس الإمبراطورية العثمانية، وكانت هذه هى رؤية تركيا»، مشيرًا إلى أن ما قيل له فى اجتماعاته مع الأتراك طرح على أنه رؤية الرئيس أردوغان، لكن لم يتم طرحها من جانب جميع من التقاهم، مضيفًا: «لا يمكننى القول إن هذه هى رؤية الحكومة التركية بأكملها».
وواصل «أبومنصور» قائلًا: «نظرًا لأنهم دولة تابعة لحلف ناتو، فلا يمكنهم استثارة غضب ناتو ضدهم. لذلك لا يمكنهم التعامل مباشرة مع الموقف، لكنهم يريدون تدمير الأمة الكردية، لذا فهم يتعاملون مع الأمر من خلال داعش ويحصلون على فوائد من داعش».
وعن الفائدة التى تعود على «داعش»، قال «أبومنصور»: «إنها فائدة كبيرة للتنظيم، لأنها تحقق حماية ظهره لمسافة تمتد إلى حوالى ٣٠٠ كيلومتر من حدودنا (المناطق التى تسيطر عليها داعش) مع حدود تركيا. تعتبر تركيا طريقًا بالنسبة لنا للأدوية والغذاء، فهناك أشياء كثيرة تدخل باسم المعونة، وكانت البوابات مفتوحة».
وأوضح: «جرت مفاوضات حول إرسال مقاتلينا إلى المستشفيات فى تركيا. كانت هناك تسهيلات، فلم يتم التدقيق فى جوازات سفر القادمين للعلاج، وكانت هناك دائمًا بوابة مفتوحة، تسمح بعبور سيارة إسعاف تابعة لنا دون سؤال. يمكننا (عناصر داعش) العبور إلى تركيا فى العديد من الأماكن. ولا يسألون عن الهويات الرسمية، كل ما هنالك كنا نقوم بإخطارهم من نكون فقط، وأننا نتبع (الدولة الإسلامية)».
وعندما طُلب من «أبومنصور» توضيح كيفية حدوث ذلك بالضبط، أوضح: «عندما يصاب شخص فإن هناك مستشفى فى سوريا يتولى إرساله فى سيارة إلى الحدود. كما كانت هناك سيارات إسعاف على الجانب التركى تنتظر لنقل المصاب. وكان هناك أطباء يكرهون بشار الأسد عالجوا عناصر التنظيم».
وأضاف: «يتم إطلاع المخابرات التركية MIT بشأن الحالات الحرجة، فيرسلون سيارات إسعاف إلى الحدود، ثم ترسل هذه الحالات إلى مستشفيات قريبة من الحدود، أو إلى مستشفيات أخرى داخل تركيا، حسب احتياجات كل حالة»، متابعًا: «كان الأطباء هناك يبدون اهتمامًا كبيرًا ويهرعون للمساعدة سواء كانوا سوريين أو أتراكًا».
وحول من يتحمل سداد فواتير العلاج، أجاب «أبومنصور»: «التنظيم»، لكن «بعض المستشفيات العامة التركية كانت تقدم خدماتها لعناصرنا بالمجان»، مشيرًا إلى أنه تفاوض على ترتيبات واتفاقيات مرور الجرحى والإمدادات الطبية وغيرها، بجانب إمدادات المياه من نهر الفرات.
وتابع: «معظم النفط السورى كان يتدفق باتجاه تركيا. هناك الكثير من التجّار الذين قاموا بهذا الدور، وكانت تركيا السوق الوحيدة، التى يُرسل إليها النفط. فيما ذهبت كميات صغيرة فقط إلى نظام بشار الأسد، عبر خط الأنابيب أو الشاحنات».
ويصر «أبومنصور» على أن تركيا و«أردوغان» بـ«تطلعاته الإسلامية» كانا يعملان جنبًا إلى جنب مع «داعش»، ودلل على ذلك بقوله: «إذا عدت إلى الوراء فستجد أن تاريخ أردوغان يشير إلى أنه كان مجاهدًا فى أفغانستان فى الفترة من عام ١٩٨٣ إلى عام ١٩٨٧، وما زال هذا الأمر عالقًا معه».