رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السريون.. قصة جيش «الإرهابية» الخفى فى مصر


عناصر «الإخوان» اخترقوا وزارات المالية والكهرباء والنقل والطيران وبعضهم وصل إلى مناصب عليا
النخب الفاشلة تساعد الجماعة فى تحقيق أهدافها عبر ترويج الشائعات عن المشروعات القومية

كان ذلك فى أبريل من عام ٢٠١٦، وقتها أيقن الإخوان أن أى محاولات منهم لإعادة مرسى لحكم البلاد سوف تبوء بالفشل، فعقدوا مؤتمرًا فى تركيا تحت عنوان «شكرًا تركيا» حضره قادة التنظيم الدولى لهم، وألقى فيه القرضاوى كلمة وصف فيها أردوغان بالسلطان تارة، وبالخليفة تارة أخرى، وقال فى المؤتمر أمام الجمع الإخوانى: إن الله وملائكته والأنبياء والصديقين يقفون مع أردوغان، وكأن ملك الوحى سيدنا جبريل تنزل على القرضاوى ليخبره بوقوف الله وملائكته وأنبيائه مع أردوغان.

على هامش المؤتمر عقدوا لقاءات سرية مع عزمى بشارة الإسرائيلى القح، وقد حضر ممثلًا لإمارة قطر، وأيمن نور عميل المخابرات الأمريكية، وشخص يمثل المخابرات التركية، وحضر اللقاء إبراهيم منير مسئول الإخوان فى أوروبا، وصلاح عبدالمقصود الذى كان منسقًا لهذا المؤتمر وآخرون، وقد نشر بعض شباب الإخوان خبر هذا اللقاء حينها عبر صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعى، مستنكرين إنفاق الإخوان الملايين على مؤتمرات تأييد أردوغان فى نفس الوقت الذى يعانى فيه هؤلاء الشباب من الفقر والحاجة فى منفاهم الاختيارى.
كان مما نشره هؤلاء الشباب أن المجتمعين اتفقوا على استهداف المؤسسات الصلبة للدولة المصرية من خلال عدة أذرع، منها الجمعيات الحقوقية التابعة لها، وأيضًا من خلال إعلامها وصحفها وقنواتها الفضائية، وكان أهم تلك الأذرع، الكتائب الإلكترونية ودورها فى نشر الشائعات التى تستهدف إضعاف الروح المعنوية للشعب، وإصابته بالإحباط، وخلق حالة كراهية بينه وبين الجيش والشرطة والقضاء.
وبدأ الإخوان فى تنفيذ الخطة من خلال وسائلهم الإعلامية فى الداخل والخارج، ومعها خطة تشويه الجيش المصرى، واتهامه بالتفريط فى أرض مصر، وأنه يعمل على الاستئثار بحكم مصر وحده، وأنه يحارب المواطنين الشرفاء، وأول ما فعلوه هو ترديد بعض أدبياتهم الخاصة بعقيدة الجيش المصرى فى كل وسائل التواصل الاجتماعى.
كانوا يسعون من خلال تلك الأدبيات إلى كسب أنصار جُدد من المتدينين السطحيين غير المُنظمين، هذه الأدبيات الإخوانية تقوم على أن الجيش المصرى ذو عقيدة مزيفة. كيف ذلك؟ ولماذا؟.. يقول الإخوان للشباب المتدين السطحى الذى لم يستو على عوده بعد: إن عقيدة الجيش المصرى ينبغى أن تكون: «الدفاع عن الدين» ومحاربة من يعتدى على الإسلام والمسلمين فى أى بقعة من بقاع الأرض، فى حين أن عقيدة الجيش المصرى الدفاع عن الوطن بحدوده وأرضه، ولا علاقة له بما هو كائن خارج مصر، وليس لديه معتقد غزو بلاد الدنيا وفتحها، وبذلك لا يكون هو جيش الإسلام والمسلمين، ثم يقولون: إن هذا الجيش يضم المسيحيين، وبذلك يكون جيشًا مُشركًا بالله! ومن وسائلهم الممنهجة استخدام لفظ «العسكر» بديلًا عن تعبير «الجيش المصرى»، وهم يعلمون تمام العلم أن هذا التعبير لم يطلقه المصريون إلا على عساكر الغزاة، أو عساكر المماليك، فكانوا يقولون على قائد الجيش الفرنسى الغازى: «سارى عسكر الفرنسيس»، وعلى جنود المماليك المرتزقة «عسكر المملوك».
ثم بشكل أو بآخر يستخدمون الفاشلين من قيادات النخب الفاشلة، ليهجم أحدهم علينا عبر القنوات الفضائية المصرية، وينهال على رموز الأمة من القادة العسكريين بحجارة الغباء، فيتهم صلاح الدين الأيوبى قاهر الصليبيين بكل ما هو شنيع، ويسحب منه كل فضل، ويقول عنه إنه أحقر شخصية فى التاريخ! ويحوّل قطز قاهر التتار إلى قزم لا قيمة له، ويجعل من أحمد عرابى قائدًا عسكريًا فاشلًا، لم يكن يسعى إلا إلى حكم مصر، وأنه هو الذى تسبب فى احتلال الإنجليز لنا، ثم يتهم عبدالناصر قائد ثورة يوليو بكل القبائح السياسية والإنسانية، وصولًا لترتيب ذهنية فى عقل المشاهدين بخصوص الرئيس عبدالفتاح السيسى، بحسب أنه فى المقام الأول كان قائدًا عسكريًا.
كل هذا يتم على قدم وساق منذ فض تجمع رابعة الإرهابى المسلح، إلا أنكم تستطيعون ملاحظة ارتفاع وتيرته بعد أبريل ٢٠١٦ إلى الآن، وهو يزداد زيادة مطّردة، وقد استغلوا إعدام قتلة النائب العام الشهيد هشام بركات، ليخلقوا حالة تعاطف مع هؤلاء القتلة من خلال مظلومية مفتعلة، ثم كان الأمر الثانى وهو استغلال حالة الإصلاح الاقتصادى لإشاعة جو من اليأس بين الناس، والزعم بأن الأمور ستزداد سوءًا يومًا بعد يوم، ليس استغلال الحالة الاقتصادية فقط، ولكن تفعيل بعض الأزمات وجعلها تصل إلى حد يظن معها المواطنون أن الحكومة فاشلة فى إدارة مرافق الدولة.
وقد اكتشفت الشرطة المصرية فى أكتوبر ٢٠١٦ وثيقة رسمية أعدها الإخوان بعد مؤتمر «شكرًا تركيا»، تدور حول خطة الجماعة لتفعيل الأزمات، وأسندوا إلى محمد كمال مسئول تنظيمهم المسلح القيام بتنفيذ هذه الخطة، فبعد مداهمة الشرطة الوكر الذى كان محمد كمال يدير منظومته الإرهابية منه، فتبادل معهم إطلاق الرصاص فكان أن خرّ صريعًا، عثرت الشرطة على تلك الوثيقة التى أظهرت كيف يفكر الإخوان وكيف يستهدفون الوطن، وجاء فى هذه الوثيقة التى أصبحت من أوراق قضية تنظيم محمد كمال بنيابة أمن الدولة الآتى:
تشكيل «لجان صُنع الأزمات» وهو عبارة عن عدة لجان مختلفة وضع لها الإخوان خطط حركة، ومن هذه اللجان:
لجنة تأزيم المرور: على كل مجموعة من الإخوان فى كل منطقة العمل على تأزيم الأزمات المرورية عن طريق التوقف بسياراتهم فى الطرق وقت الاختناق المرورى، والادعاء بأن السيارات بها عطل، ولمن لا يملك سيارة يجب أن يقوم باستئجار سيارة لتنفيذ التأزيم، ويفضل الوجود معًا بشكل مكثف فى مداخل محطات البنزين التى تطل على شوارع ضيقة لاصطناع عدة أزمات، منها أزمة مرور، ومنها العمل على نشر شائعة بنقص البنزين أو زيادة سعره، ويستحسن أن يكون هذا التأزيم فى الأيام من الإثنين للخميس، وقت الصباح الباكر، وعند الظهر.
لجنة تأزيم الخدمات: وهى خدمات الكهرباء والمياه والغاز، فعلى كل فرد من الإخوان الامتناع عن سداد فواتير تلك الخدمات، والتحايل فى هذا الأمر بشتى الطرق، ولا يسدد الأخ إلا إذا كان مرغمًا، وعلى المهندسين والفنيين المتخصصين الذين يعملون فى تلك الجهات العمل على تعطيل المحابس الرئيسية للغاز فى المناطق التابعة لهم وتعطيل الكهرباء والمياه، ومن الأفضل إحداث أضرار كبيرة فى مواسير المياه والصرف الصحى، وكابلات الكهرباء والاستيلاء على ما يستطيعه الأخ الفنى منها.
لجنة تأزيم الخدمات الشرطية: ينبغى وضع الشرطة فى حالة إنهاك تام عن طريق تقديم بلاغات وهمية عن قنابل مفخخة فى المحاكم أو المصالح الحكومية، كما يجب أن يتم الإبلاغ عن وجود إخوان وخاصة القيادات المختفية، فى أحد بيوت شخصية من الشخصيات المحبوبة فى المنطقة، فإذا جاءت الشرطة واقتحمت المكان لن تجد الإخوان، ولكنها ستصطحب صاحب الدار للتحقيق معه، وهذا الأمر سيصنع أزمات بين المواطنين والشرطة ويعيد للأذهان قصة زائر الفجر.
أما الأهم من ذلك كله فهو تأزيم الاقتصاد، وقد نصت الوثيقة على أن تأزيم الاقتصاد هو أهم عنصر من عناصر التأزيم وبه تسقط دول، لأنك لو سيطرت على اقتصاد دولة، فإنك تستطيع أن تصنع لها ما تشاء من أزمات، وتدخلها فى إخفاقات.
وورد بهذه الخطة الشيطانية وضع أساليب فى غاية الإحكام، لتحويل إنجازات النظام السياسية إلى فشل كبير، واستخدام اللجان الإلكترونية فى ذلك، ومنها إظهار العاصمة الإدارية الجديدة بأنها كارثة الكوارث ومحطة من محطات الفساد، والمفاعلات النووية بأنها ستجلب الخراب لمصر، والمدن الجديدة بأنها محطة للفساد ليغنم الجيش من ورائها، وليمنع شركات المقاولات من العمل! وبصفة عامة السخرية من كل المشروعات الجديدة، وإظهارها على أنها عبث لا فائدة منها، وأنها ستسبب خسائر كبيرة لمصر.
وإذا كان كل ما سبق أصبح معروفًا، إلا أن الإخوان يتحركون أيضًا من خلال أذرع خفية لا يراها أحد، وقد نجحوا إلى حد كبير فى إخفاء تلك الأذرع التى تتحرك فى الظلام لضرب الاستقرار وإفشال مؤسسات الدولة، فعبر سنوات وببطء شديد وهدوء ودون صخب نجح الإخوان منذ حكم مبارك فى اختراق العديد من مؤسسات الدولة المصرية، مثل وزارة الطيران، ووزارة النقل والمواصلات، ووزارة المالية ووزارة الكهرباء واتحاد الإذاعة والتليفزيون، وهلم جرّا مما لا يمكن حصره، وقد وصل بعض الإخوان «السريين» إلى مناصب عليا فى ظل حكم الرئيس السابق عدلى منصور بحكم التدرج الوظيفى، ولا يزال بعضهم يشغل العديد من المواقع المؤثرة إلى الآن.
هؤلاء «السريون» هم «الطابور الخامس»، وفئة من الإخوان طُلب منهم أن يبقوا فى أماكنهم الوظيفية، ولا يُعبِّرون عن توجهاتهم السياسية والدينية والتنظيمية إلى أن تُصدر لهم الجماعة أوامر ما، فعليهم حينئذ القيام بتنفيذها، أما عن تقديرى الشخصى لأعداد هؤلاء فى الجهاز الحكومى فهى تصل إلى حوالى ٣٠٠ ألف منهم عدد لا يقل عن خمسين ألف موظف يشغلون مواقع قيادية وسيطة، سواء فى الحكم المحلى الأحياء السجل المدنى وزارة الصحة أوالعديد من الوظائف التى لها صلة بالتعامل مع الجمهور، ولكن الأخطر أنهم فى مؤسسة القضاء لا يزالون، وفى مؤسسة الشرطة لا يزالون.
وهدف تلك الأذرع الخفية، إفشال المؤسسات التى يعملون بها من ناحية، ومن ناحية أخرى نقل الشائعات وترويجها فى دوائرهم الوظيفية وبين الجمهور الذى يختلطون به، ولعلنا نذكر منذ أيام تلك الموظفة فى وزارة الصحة فى أحد مراكز علاج «فيروس سى» بمحافظة الشرقية، وهى تأمر المرضى البسطاء بالجلوس على الأرض كأنهم طائفة من العبيد، ثم تقوم بإنهاء العمل قبل موعده بساعات، صحيح أن محافظ الشرقية أحالها إلى النيابة الإدارية، ولكنها مجرد مثل لأذرع إخوانية تقوم بدور محدد، ولو بحثت الأجهزة الأمنية عنها لاتضح دون شك أنها من قسم الأخوات فى الجماعة، هذا القسم الذى يقوم حاليًا بأخطر الأدوار فى تاريخ الإخوان.
ولا يغفل الإخوان عن دور الطابور الخامس، أولئك الذى يقدمون أنفسهم على أنهم فصائل وطنية معارضة، أما الحقيقة فقد رأيناها عيانًا بيانًا، وهم يساعدون الإخوان فى الوصول للحكم، شاهدناهم وهم يبايعون الإخوان فى فندق فيرمونت، وشاهدنا نفس الوجوه وهى تتقلد موقعها بعد ذلك فى لجنة الخمسين أثناء إعداد دستور ٢٠١٤ فوضعوا فى مواده أفخاخًا، وغيروا من طبيعة نظام الحكم فى الدولة، فلا أبقوا عليه رئاسيًا، ولا جعلوه برلمانيًا، وخلطوا بين هذا وذاك، وخالفوا فيه المبادئ الدستورية العليا التى لا يقوم دستور إلا بها، فعلوا ذلك وهم يدركون أن الشعب سيضطر للموافقة على هذا الدستور المعيب لأنه دستور الضرورة، ثم رأيناهم بعد ذلك وهم يساعدون الإخوان فى الترويج لأكبر قدر من الشائعات التى تستهدف إسقاط الدولة نفسها.
وتاريخ هؤلاء وغيرهم يكشف عن أنهم ظلوا أعمارهم يعيشون بيننا على أنهم قادة المعارضة المصرية، ولكن حقيقتهم غير ذلك، فهم جماعات تشكل طابورًا خامسًا سريًا ينضم لأعدائنا، فيعبثون وينشرون الشائعات ويؤثرون فى الروح المعنوية، ويتجسسون على بلادنا، لتكون أوراقنا مكشوفة لأعدائنا، وفوق ذلك فهم ينشرون اليأس والإحباط ويشككون فى مصداقية القائمين على الدولة، ويستهدفون الروح المعنوية للشعب، فأنت إذا استطعت إسقاط الروح المعنوية لشعب، أسقطت الدولة نفسها، ومن حسن حظ الطابور الخامس فى العصر الحديث، أن أدواته أصبحت أقوى من أى وقت مضى، فتحت يده وسائل التواصل الاجتماعى وجمعيات حقوقية ومراكز بحثية ومحطات تليفزيونية، فيا لحظهم الحسن عن آبائهم وأجدادهم الذين أسسوا فكرة الطابور الخامس فى إسبانيا منذ منتصف الثلاثينيات من القرن الماضى. فقد كان حظهم العثر أنه لم يكن أمامهم تلك الوسائل الحديثة، كما أن تهديد أمن الوطن لمصلحة أعداء الخارج كان يسمى وقتها خيانة، أما عندنا فقد أصبحت الخيانة لها أسماء أخرى مثل «المعارضة» أو «وجهات النظر» أو «حرية التعبير» أو «حقوق الإنسان» ولذلك سترى من الطابور الخامس أناسًا يبدون فى ظاهرهم وطنيين ومحترمين ومثقفين، يتحدثون إلينا بمصطلحات ولكنات، يطيلون سوالفهم ويطلقون على أنفسهم خبراء استراتيجيين، جاءوا من معهد كارنيجى، أو منظمة هيومن رايتس، أو منظمة كارتر لمراقبة الانتخابات أو غير ذلك، وستشاهد من الطابور الخامس إعلاميين وصحفيين وفنانين، ستراهم جميعًا ولكن لن تحدثك نفسك بأنهم جاءوا إلينا من بئر الخيانة، فخونة الأزمنة الماضية غير خونة العصر الحديث.
تلك هى بعض أذرع الإخوان، يتحرك بعضها بشكل واضح، ويعمل بعضها بشكل خفى، المهم عندهم أن يقوموا بتأجيج الشارع المصرى بالغضب، والتأثير على روحه المعنوية، وإصابته بالإحباط، مع خططهم الدائبة التى تعمل على إفشال مؤسسات الدولة، أو إظهارها بمظهر المؤسسات الفاشلة.
وبالرغم من أن منظومتنا الإعلامية، أخذت تنتقل من فشل إلى فشل فى مواجهة أساليب الإخوان وأفكارهم التكفيرية وأدواتهم الإعلامية، إلا أن يد الله كانت دائمًا مع مصر، فأخذت خططهم تبوء بالفشل المبين، لذلك كان لا بد أن يبحثوا عن أيقونة مثل أيقونة «إعدام قتلة النائب العام»، يكتسبون منها تعاطف الشارع، ويحصلون منها على غضب الشعب على النظام، كما يعملون بكل ما لديهم من أدوات على استغلال التعديلات الدستورية لإثارة غضب الناس، وانتظروا العديد من هذه المسرحيات فى الأيام القادمة، ولكن هل سينجحون فى مخططهم؟ الحقيقة الدامغة هى أن كل مخططاتهم هباء لا قيمة لها، لماذا؟ لأن الشعب المصرى عرف خبيئة الإخوان، والدمار الذى يريدونه لمصر، وأصبح يكرههم كراهية التحريم، كما أن الشعب عرف أبعاد المؤامرة ودور أمريكا الرئيسى فيها، وعصابتهم المتمثلة فى قطر وتركيا، بمعنى أن المسألة أصبحت محفوظة، لن تنفع فيها أيقونات ولا ائتلافات ولا مسرحيات ولا فيسبوك، ولا غيره، فقد استوعب الشعب الدرس جيدًا.