رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إرهاب.. و«اسم الدلع» تطرّف!


لم نكن فى حاجة إلى حدوث مذبحة مسجدى نيوزيلندا لنعرف أن هناك توافقًا فى الآراء والأيديولوجيات وجداول الأعمال، بين جماعات التطرف اليمينى، المتمسحة فى عرق أو لون، كدعاة تفوق البيض، والتنظيمات الإرهابية الدينية المتمسحة فى الإسلام، كالإخوان وداعش. وبقليل من التركيز، ستكتشف أنه لا جديد فى الدوافع التى أعلنها مرتكب مذبحة المسجدين، قبل الجريمة، لأنها ببساطة تنطلق من أفكار يعتنقها غالبية المتطرفين، أو الإرهابيين، فى كل دول العالم، على اختلاف توصيفاتهم ومسمياتهم، ويعلنون عنها يوميًا.
تقرير صدر، الإثنين، عن «مركز دراسات العنف الداخلى المتطرف» التابع لـ«مدرسة السياسة العامة» فى جامعة جنوب كاليفورنيا، أوضح أن ٧١٪ من جرائم العنف، داخل الولايات المتحدة، خلال الفترة من ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٧، قام بها «متطرفون يمينيون»، ودعاة «التفوق الأبيض». ومع ذلك، نقلت جريدة «يو إس إيه توداى»، عن إيرول ساوثرز، مدير المركز، والمشرف على التقرير، أنه «يصعب أحيانًا تتبع عنف التطرف اليمينى، لأن قانون الإرهاب الأمريكى، ببساطة، لا يحاكم الواقع. ونادرًا ما يرد ذكر كلمة (إرهاب) فى وثائق وأدلة الشرطة والمحققين». كما أشار إلى امتناع مدّعى العموم الفيدراليين عن استخدام الكلمة، عند وقوع أعمال عنف يقوم بها عناصر اليمين المتطرف».
ما يثير قدرًا من الدهشة وكثيرًا من الريبة، هو أن الأمم المتحدة، لم تضع إلى الآن، تعريفًا للإرهاب، وتترك المجال لظهور مصطلحات مائعة كالمعارضة المعتدلة المسلحة، أو التطرف العنيف. وهنا، تكون الإشارة مهمة إلى أن مصر ومجموعة من الدول متشابهة الفكر، كانت قد تقدمت، خلال مناقشات قرار المراجعة الدورية السادسة لاستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، بعدد من الاقتراحات والحلول للتوصل إلى توافق بالجمعية العامة حول المقصود بمصطلحى «الإرهاب» و«التطرف العنيف». كما حاولت مصر، أيضًا، التأكيد على عدم إمكانية ربط المصطلحين، بأى دين أو جنسية أو إقليم أو ثقافة أو مستوى اجتماعى أو اقتصادى.
اقتراحات مصر، والدول متشابهة الفكر، كان سببها قيام البعض بتوصيف العمل الإجرامى على أنه «إرهاب» إذا قامت بارتكابه جماعات أو تنظيمات تزعم أنها تُمثل الإسلام، فى حين يتم توصيف العمل الإجرامى، ذاته، على أنه «تطرف عنيف» إذا قامت بارتكابه جماعات دينية أخرى أو جماعات اليمين المتطرف، الأمر الذى يعنى ببساطة وجود وصفين مختلفين لعمل واحد على حسب مرتكبيه. ومع أن مصر والدول متشابهة الفكر، بذلت جهودًا كبيرة للتوصل إلى توافق حقيقى يضبط المصطلحات، إلا أن ذلك لم يتحقق، بسبب اعتراض عدة دول، يمكنك استنتاج أسماءها ودوافعها.
غير عدم ضبط المصطلحات، ساهمت عناوين الصحف فى تشتيت الانتباه عن إرهابيى اليمين المتطرف، الذين أوقعوا ٦٦ قتيلًا فى ١١٣ هجومًا فى دول مختلفة، بين عامى ٢٠١٣ و٢٠١٧، والرقمان على عهدة معهد «الاقتصاد والسلام» الأسترالى، الذى لم يرصد غير جرائم القتل ذات الدوافع السياسية المصحوبة ببيانات إعلان مسئولية من جماعة يمينية أو سبقتها منشورات عنصرية على شبكات التواصل الاجتماعى.
لكن الواقع يقول إن هناك جرائم كثيرة لا يتم تبنيها أو يسبقها أو يتبعها الإعلان عن دوافعها. وهو ما راعته إحصاءات رابطة «مكافحة التشهير الأمريكية» التى انتهت إلى أن المتطرفين اليمينيين ارتكبوا ٧٠٪ من ٤٢٧ جريمة قتل مرتبطة بالتطرف شهدتها الولايات المتحدة خلال الـ١٠ سنوات الماضية. وصارت النسبة ١٠٠٪ سنة ٢٠١٨، وكان اليمين المتطرف هو مرتكب كل جرائم القتل الـ٣٧ واللافت أن أحد هؤلاء تحوّل إلى التطرف الإسلامى!.
ما فعلته عناوين الصحف، فعلته أيضًا التغطية الإعلامية، إجمالًا، للهجمات الإرهابية ذات الصلة بالإسلاميين والتى ذكرت دراسة حديثة أجرتها «إرين كيرنز» من جامعة «ألاباما»، أن نصف تغطيتها الإخبارية تركزت على ١٢.٥٪ فقط من ١٣٦ جريمة إرهابية وقعت فى الولايات المتحدة بين عامى ٢٠٠٥ و٢٠١٥ ارتبطت بجماعات إسلامية. وأوضحت أن عدد الأخبار حول الجريمة يزيد بنسبة ٣٥٧٪، أى نحو ثلاثة أضعاف ونصف، إذا كان مرتكب الجريمة مسلمًا. وكما أنه من الحماقة تجاهل الجماعات الإرهابية التى تتمسح فى الإسلام، فإنه من الحماقة أيضًا أن تتجاهل الحكومات الجماعات اليمينية المتطرفة.
الخلاصة، هى أن الإرهاب أو التطرف، بلا دين أو عرق أو وطن، وأن آليات التطرف متماثلة فى كل الحالات. وعليه، يكون على كل حكومات العالم، أوروبا والولايات المتحدة تحديدًا، أن تبذل جهودًا حقيقية لمواجهة اليمين المتطرف، وأن تكون صارمة، بصورة متساوية، مع الجماعات المتمسحة فى الإسلام. وعليها أيضًا أن تواجه بشكل حاسم تلك الدول التى تدعم هذا وذاك. وفى المقابل، ينبغى أن تمتد جسور التواصل بين جميع الأديان والأعراق من أجل عالم متسامح، لا وجود فيه للكراهية أو لدعاتها.