رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاعترافات الخاصة لـ"نهى برادة" سيدة الديكور المسرحي

جريدة الدستور

أتجنب زيارة الفنانين لأننى أخجل من الكاميرات و«مسرح مصر» ملوش علاقة بالفن

٣٠ سنة من الخبرة فى رصيد مهندسة الديكور المسرحى، نهى برادة، بنت خلالها ديكور أكثر من ١٦٠ مسرحية، لعمالقة هذا الفن، من أمثال عبدالمنعم مدبولى، وفؤاد المهندس، والأجيال التى جاءت بعدهما، مثل عادل إمام وسمير غانم، وغيرهما من مشاهير المسرح. بدأت رحلتها فى الستينيات، مع مسرحية «خان الخليلى» المأخوذة عن رواية لنجيب محفوظ، والتى قدمها المخرج حسين كمال بعد عودته من باريس عام ١٩٦٢، لتعمل بعدها مع عدد كبير من فرق المسرح. وقالت، فى حوارها لـ«الدستور»، إن غالبية الديكورات المسرحية التى تشاهدها فى الأعمال الحديثة تعتمد على الملصقات ولا تراعى الذوق الفنى فى اختيار الألوان أو التعبير عن جوهر العمل، رغم وجود إمكانيات هائلة توفرها التكنولوجيا الآن، على عكس العمل فى الماضى الذى كان يتطلب جهدًا بدنيًا كبيرًا.
■ حدثينا عن بداية رحلتك مع فن ديكور المسرح؟
- بدأت فور تخرجى فى كلية الفنون الجميلة عام ١٩٦٢، من خلال مسرحية «خان الخليلى»، التى عرضت على مسرح «الهوسابير»، وكانت التجربة المسرحية الأولى للفنان عماد حمدى، ولاقت نجاحًا كبيرًا.
وكانت تجربة مهمة بالنسبة لى، لأنها كانت أول مرة يتم فيها إسناد ديكور مسرحية بالكامل لفنان واحد، فقد كان النظام السائد فى تلك الفترة أن يسند كل فصل من فصول المسرحية إلى مهندس ديكور واحد.
بعد ذلك عملت مع بعض الفرق المسرحية الخاصة مثل فرقة الفنان حسن يوسف، والسيد بدير، وبنيت ديكور جميع مسرحيات الفنان الراحل أمين الهنيدى، وأتذكر أن راتبى الشهرى كان ٢٥ جنيهًا، وهو أجر مميز فى ذلك الوقت.
■ كيف يسهم الديكور فى نجاح العمل الفنى؟
- مهمة الديكور هى تجسيد الأبعاد المكانية والروحية والاجتماعية للعمل، لذلك يجب مراعاة زوايا الرؤية المسرحية عند إعداد الديكور، ووضوح خط الرؤية بالنسبة لمشاهدى العمل الموجودين داخل صالة المسرح.
الديكور فن يتكامل مع الفنون الأخرى مثل الإضاءة والصوت والتمثيل، كل هذه العوامل تخدم النص الأساسى للمسرحية، فمهمة مهندس الديكور خلق رؤية فنية يتحرك داخلها الممثلون، تتكامل مع وجهة نظر المخرج.
■ كيف التحقتِ بالعمل مع فرقة الفنانين المتحدين؟
- عقب عرض مسرحية «زهرة الصبار»، اختارتنى الفرقة للعمل معها، بعد أن أنجزت فكرة مبتكرة بتحريك المناظر بشكل دائرى، مع مراعاة سهولة الحركة، وكانت هذه المسرحية فاتحة خير لى، فبعدها أسندت الفرقة لى مهمة تصميم ديكورات مسرحية «سيدتى الجميلة»، بعد أن اعتذر عنها أستاذى صلاح عبدالكريم.
وشاركت فى أعمال كثيرة، لكن بعضها لم يصور، أو لم يُعرض، وكانت أول مشاركة تليفزيونية لى من خلال ديكور مسلسل «أوراق الورد» للمخرج محمد شاكر، ومسلسل «الشيطان امرأة حاقدة» للمخرج حسن سيف الدين، والفنانة نوال أبوالفتوح.
■ ما رأيك فى الديكور المسرحى حاليًا؟
- فى السابق، كان تجهيز بعض الديكورات يستغرق ١٥ يومًا أو أكثر، عكس الآن، حيث يستخدمون الملصقات المصورة الجاهزة، وألاحظ وجود رعونة فنية فى بعض الأعمال، تتمثل فى اختيار ألوان تزعج عين المشاهد «فصنايعية اليومين دول بيستسهلوا».
وأتمنى أن يستفيد أبناء الجيل الحالى من التكنولوجيا، لأن حظهم أوفر منّى أنا وأبناء جيلى، حيث يتقاضون أجورًا مرتفعة ويبذلون مجهودًا أقل.
وقد كنت أعتمد بشكل كامل على المهارات اليدوية فى صناعة وتجهيز ديكورات أعمالى، باستخدام خامات مثل ورق الجرائد والكرافت والكارينا والقماش.
وقبل أن أبدأ فى تصميم ديكورات أى عمل كنت أقرأ تفاصيل السيناريو جيدًا، لوضع الخطوط العريضة له، كان هناك ابتكار رغم ضعف الإمكانيات، مقارنة بما هو متاح حاليًا.
وكنت أتمنى لو أتيحت لى الفرصة لتصوير مسرحية «زهرة الصبار» أو «سيدتى الجميلة» بالألوان لترى الأجيال الحالية مقدار الجهد الذى كان يبذله فريق إعداد الديكور. أنا أميل إلى العمل اليدوى، ولم أعتمد على الديجيتال، فمثلًا مسرحية «ريا وسكينة» ومسرحية «شارع محمد على»، أصررت على تنفيذ ديكوراتهما بالطريقة التقليدية.
■ كيف كانت علاقتك بالفنان السيد بدير؟
- فنان حتى النخاع، هو فنان إذاعة وتليفزيون ومسرح وتمثيل سينمائى، هو كوميديان وتراجيديان، وكاتب سيناريو وقصة، كل الفنون فى شخص واحد.
ازدهرت فترة الستينيات بفضل السيد بدير، الذى أنشأ، قبل عام ١٩٦٧، ١٠ فرق مسرحية، كانت تعرض أعمالًا مأخوذة عن روايات وقصص عالمية، تعرض على مدار الأسبوع وتصور، وكانت تسمى بمسارح التليفزيون. فكان له أسلوب مميز وهادئ فى التعامل مع الجميع خاصة فى حل مشكلات العمل، وكان له الفضل فى إلحاقى ببعثة تبادل ثقافى إلى إنجلترا، من خلال المركز الثقافى البريطانى فى القاهرة، رفقة سعيد أبوبكر، ونبيل الألفى، وعبدالمنعم إبراهيم، وأمينة رزق، سنة ١٩٦٤.
■ حدثينا عن علاقتك بالمخرج حسن عبدالسلام؟
- حسن عبدالسلام يمكن أن أصفه بأنه مجنون بالفن والحركة، وكنت أراعى إفراد مساحات كبيرة فى أعماله تسمح بذلك، وأول عمل جمعنى به هو «سيدتى الجميلة».
■ ماذا عن ذكرياتك مع الراحلين عبدالمنعم مدبولى وفؤاد المهندس؟
- مدبولى هو أحد أهم وأبرز نجوم الكوميديا، يحمل بداخله مشاعر تراجيديا صادقة، وكنت أشاهده فى بروفات مسرحية «ريا وسكينة»، وأشفق عليه من المجهود الكبير الذى يبذله فى سن كبيرة، وخشيت عليه من العرض ليلة الافتتاح، لكنه فاجأنى بأداء رائع، هو عملاق مسرح بحق.
أما فؤاد المهندس، فهو أيضًا فنان ملتزم ويتعامل مع الجميع باحترام شديد، وهو إحدى الشخصيات الفنية المرموقة فى تاريخ الفن المصرى.
أعرف الكثير من الفنانين وتربطنى بهم علاقة قوية، لكنى لا أزورهم كثيرًا، خوفًا من مواجهة الكاميرات والأضواء التى تلاحقهم.
■ ماذا قدمت من خلال شركة إنتاجك الخاصة؟ ولماذا لم تستمر؟
- أسست شركة إنتاج عام ١٩٧٤، بالتعاون مع سعد أردش، ومحمد فاضل، وراجى عنايت، وفى هذا الوقت كانت بداية شراء التليفزيون لإنتاج الشركات الخاصة.
وكانت معظم الأعمال فى هذا الوقت تثقيفية يشارك فيها صلاح جاهين وحسين بيكار وبليغ حمدى، وللأسف لم يتم تسويقها بشكل جيد، ثم حدث أن أنتجنا مسلسل «واحترق قناعى» فى بداية السبعينيات، وكان من بطولة محمود المليجى، ونور الشريف، وماجدة الخطيب، وأول ظهور لمحمود قابيل، وبالاشتراك مع زوزو نبيل، وصلاح السعدنى، وعبدالعزيز مخيون، وإخراج محمد فاضل.
وتكلف إنتاج المسلسل حينها حوالى ٢١ ألف جنيه، وحقق نجاحًا كبيرًا، وكان ١٣ حلقة، يليه مسلسل «لبلب وعنتر» للأطفال، من تأليف راجى عنايت، وإخراج يحيى العلمى، وهو مسلسل عرائس من ٧ حلقات، وكانت شركتى أولى الشركات المتعاونة مع التليفزيون، بعد استخدام تقنية تصوير الألوان من خلال مسلسل «عتبة جديدة» وإخراج علوية زكى، وكان أول إنتاج مشترك مع التليفزيون، ثم أغلقت الشركة بسبب صعوبات واجهت عملنا.
■ متى كان آخر أعمالك الفنية؟
- آخر أعمالى كان مسرحية «مولد سيدى المرعب»، عام ١٩٩٩، من بطولة الراحل نجاح الموجى، وكانت هناك محاولة لتصويرها فى عام ٢٠٠٣، مع الاستعانة بالفنان رياض الخولى، ولكنها فشلت، إضافة إلى أننى وصلت لسن المعاش، والعمل مع القطاع الخاص يحتاج إلى شبكة علاقات واسعة ويعتمد على «الشللية».
■ هل يمكن أن تقبلى بالعودة للعمل الآن؟
- ممكن، بشرط وجود سيناريو جيد ومهندسين جيدين، أمثال أبناء شاكر خضير، فقد رأيت عملهم من خلال مسلسل «جراند أوتيل»، وأعجبت به بشكل عام، وعملت مع والدهم بالماضى، ولا أمانع فى العمل مع الشباب، إذا كان لديهم اهتمام بالتفاصيل وحس فنى.

■ ما رأيك فى مسرح مصر؟ وما الأعمال التى تتابعينها؟
- لا أعتبر مسرح مصر فنًا مسرحيًا، أشاهد الممثلين «مرصوصين» على المسرح، كذلك الديكور، مجرد صور ملصقة، رغم حداثة الإمكانيات الحالية. فما يقدمونه لا يليق باسم «مسرح مصر».
وأنوى مشاهدة مسرحية محمد هنيدى الجديدة، وأتمنى له التوفيق.