رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عرفانًا بأعز الناس


تحية خاصة لأم الشهيد فى عيد الأم فهى التى ربت وتعبت وكبرت وغرست حب الوطن فى قلب أبنائها لكنها فقدت الابن فى ساحة الدفاع عن الوطن
«ست الحبايب يا حبيبة.. يا أغلى من روحى ودمى، يا حنينة وكلك طيبة.. يا رب يخليكى يا أمى».. بهذه الكلمات التى تقطر حبًا وعرفانًا للأم تتصدر المطربة الراحلة فايزة أحمد أغانى الأم حتى الآن، ولم يستطع أن يقدم لنا أحد من مطرباتنا أو مطربينا أغنية تضاهى شاعرية ونعومة كلماتها، ولا استطاع صوت عربى أن يقطر عذوبة كصوت فايزة وهى تشدو بها، ولا استطاع لحن أن يرتفع إلى روعة ودفء هذا اللحن.. وهى من الأغانى التى تهز مشاعرى وتهز من يسمعها، لأننى اخترتها على رنة موبايلى.
رغم أننى لم أعتد أن أتحدث عن مشاعرى تجاه أحد من أفراد أسرتى، فإننى اليوم وجدت أنه من حقى على أمى أن أذكر أنها رجاء حجاج سيدة مصرية من طراز رفيع، تعلمت منها، منذ نعومة أظافرى وفى سنوات طفولتى، حب الوطن والتمسك بالأخلاق الرفيعة والقيم العليا والمبادئ النبيلة، علاوة على الاهتمام بالثقافة والفنون، وما زلت أدين لها بالكثير مما غرسته فىّ من أهمية العمل العام والعطاء للوطن، حيث لا تكفى المساحة هنا لأذكر أفضالها علىّ.
ومنها تعلمت عمل الخير ودعم الأكثر احتياجًا، وهى من رواد العمل الاجتماعى والخيرى فى مصر، طورت ورأست جمعية هدى شعراوى لسنوات طويلة، وهى رئيسة شرفية لها حتى الآن، حيث قررت أن تعطى فرصة الإدارة للجيل الذى يليها، وهى أعرق وأهم جمعية فى مصر.
حيث أسستها رائدة تحرير المرأة هدى شعراوى من ١٩٢٣.. ولأن الأم هى أعز الناس، فإننى أطالب كل ابن وكل ابنة وكل شخص بأن يكرم أمه فى عيد الأم، وأن يحرص على تكريمها ورعايتها طوال العام.. وليس خلال يوم واحد.. إننى أقول هذا لأننا كدنا أن نفقد الكثير من قيمنا العريقة التى نشأنا عليها، والتى ينبغى أن ننقلها إلى الأجيال الجديدة من الشباب، حتى يشبوا عليها ويحرصوا عليها ويحافظوا عليها جيلًا وراء جيل، ولأن القيم والعادات تتناقلها الأجيال جيلًا بعد جيل حتى تصبح جزءًا من نسيج الهوية المصرية العريقة التى يحاول أعداؤنا أن يدمروها، وأن يغيروا منها حتى يضعفوا النسيج الاجتماعى المتماسك والقوى والممتد عبر التاريخ.
ولا بد أن نتمسك بالهوية المصرية حائط صد ضد أى محاولات لإضعاف النسيج الاجتماعى.. إن هذه الهوية العريقة التى مازالت راسخة الجذور بداخل الشخصية المصرية هى التى جعلت الشعب المصرى يرفض الظلام ويتمسك بأعياده وباحتفالاته وبقدرته على البهجة.. وما زلنا فى حاجة إلى التمسك بقيمنا وأعيادنا، لأنها دليل مصريتنا.. لهذا فإننى اعترافًا منّى وعرفانا بدور الأم المصرية العظيمة أمى وأمك وأم الشهيد والأم التى تقدمت الصفوف فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ضد جحافل الظلاميين- أتمنى أن نرى فى كل بيت مصرى احتفالًا لائقًا بعيد الأم، وأن يكون يوم عطلة رسمية كما فعل كثير من الدول قبلنا حتى نلفت نظر الأبناء إلى ضرورة رد الجميل للأم.. وأتمنى أن تحتفل به الدولة المصرية من خلال مؤسساتها، بما يليق بقيمة الأم المصرية، سواء أكانت سيدة بسيطة من عمق صعيد مصر أو قمة شمالها، لكنها استطاعت أن تعلم أبناءها حب الوطن، فاستشهدوا فى معركتنا مع الإرهاب أو سواء أكانت سيدة بسيطة من قرى مصر أو مدنها، لكنها استطاعت أن تربى أبناءها ليصبحوا ناجحين ومتعلمين ومساهمين فى حركة بناء الوطن..
كل سنة وكل أم، ربّت وسهرت وتعبت وعلمت وضحت، بخير.. وأسمى آيات العرفان لها.. كل سنة وكل سيدة، قدمت الرعاية لتلاميذها فى المدرسة أو الجامعة وغرست فيهم حب الوطن والعطاء والعمل والإنتاج لدفعه إلى الأمام ورفعة شأنه، بخير.. ولها أيضًا أسمى آيات الاحترام.
ولأنها أعز الناس، فمن الواجب أن نسبغ عليها كل آيات الحب والاحترام والإجلال والتقدير.. ولأنها أعز الناس ينبغى أن نضعها فى المكان اللائق بها، وأن نعيد قيمة احترام الكبير أو بعبارة أخرى احترام الأم وتكريمها.. إن من يحترم رابطة الأمومة فإنما يتبع تعاليم ديننا الحنيف الذى وضعها فى أعلى منزلة.. ولأنها أهم الناس فقد وضعها رسولنا الكريم، فى حديث شريف له، فى أعلى مرتبة وأوصى بحسن صحابتها ٣ مرات من جانب الأبناء.
وجاءت فى الآية الكريمة التوصية بالإحسان للوالدين الأم والأب بعد عبادة الله تعالى.. إذ تقول الآية، «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا».. وفى آية أخرى قال تعالى: «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن...».
إننا غدًا نحتفل فى مصر بعيد الأم، الذى بدأ الاحتفال به فى ١٩٥٦بناء على دعوة من الصحفى الراحل على أمين وشقيقه مصطفى أمين. كما يحتفل به العالم أيضًا فهو ليس مقتصرًا علينا فى مصر فقط، فالدول العربية تحتفل به معنا فى بداية الربيع وتحتفل به أمريكا وأوروبا فى شهور أخرى.. أما أول احتفال عالمى فبدأ بناء على طلب من الأمريكية آنا جارفيس، التى أسست الجمعية الدولية لعيد الأم، حيث قام المسئول عن ولاية فيرجينيا بإقامة أول احتفال بيوم الأم فى ١٢ مايو ١٩٠٧، ثم قرر الرئيس الأمريكى وودرو ويلسون أن يكون عيدًا رسميًا فى الولايات المتحدة الأمريكية.. وهناك بعض الدول تحتفل به فى أكتوبر مثل الأرجنتين، بينما تحتفل به جنوب إفريقيا فى ١٠ مايو من كل سنة.. أما الهدف فهو تكريم الأمهات والأمومة وبرابطة الأم بالأبناء وتأثير الأمهات على المجتمع.
وتحية خاصة لأم الشهيد فى عيد الأم، فهى التى ربت وتعبت وكبرت وغرست حب الوطن فى قلب أبنائها، لكنها فقدت الابن فى ساحة الدفاع عن الوطن والشعب وحماية أراضيه.. قلبى معها وخالص احترامى لها، فليس أصعب على أى أم من فقد ولدها، لكن أم الشهيد المصرية كما رأيناها فى السنوات الأخيرة وفى حربنا الضروس ضد الإرهاب الأسود هى القدوة والمثل والأيقونة، وهى حافظة الوطن الصامدة الصابرة المؤمنة الراضية. إنها حزينة فى نبل، وراضية فى شموخ بقضاء الله وقدره..
وكل سنة وكل أم تحرص على الحفاظ على الوطن فى مواجهة الأخطار من حولنا بخير.. وكل عام وأنت طيبة يا أمى، فأنت من زرعتى فى قلبى حب الوطن.. وحب الخير.