رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر بين معركتى البنيان وتنمية الإنسان


كانت رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى وإيمانه الصادق بأن الإنسان المصرى هو حجر الزاوية فى أى تقدم أو تحدٍ صائبة تمامًا.. وقد أعلن سيادته فى كل لقاءاته أن رهانه لتحقيق أى تنمية أو التصدى لأى محاولة لشق الصف بين أبناء الوطن الواحد ينصب أولًا وأخيرًا على وعى الشعب المصرى بمختلف ثقافاته وانتماءاته شريطة الوقوف صفًا واحدًا، إما لتحقيق التقدم والتنمية أو للتصدى لفلول الماضى من الجماعات الإرهابية أو التنظيمات المشبوهة أو الدول والأجهزة التى تعمل ضد صالح البلاد حيث لم يعد خافيًا على أحد أن الشعوب أصبحت تمثل القوى الأكثر تأثيرًا على تغيير أوضاع سياسية أو اقتصادية فى الدول المختلفة، أيًا ما كان ثقل تلك الدول.
ها نحن نجد الشعب الإنجليزى يعلن رغبته فى الخروج من دائرة دول الاتحاد الأوروبى، وذلك فى استفتاء شعبى، وفى فرنسا، قامت تلك المظاهرات التى سميت «السترات الصفراء» والتى كانت تنادى بإعادة النظر فى القرارات الاقتصادية التى أعلن عنها الرئيس الفرنسى ماكرون، والذى رضخ لتلك المطالب بالفعل.. بل إنه أعلن عن تقديم دعم مالى لأصحاب الدخول البسيطة لإعانتهم على مواجهة أعباء الحياة.. وهنا فى مصر حيث قامت مظاهرات ٢٥ يناير تطالب النظام الحاكم آنذاك بتحقيق العدالة الاجتماعية وسرعان ما تطورت تلك المطالب إلى التخلى عن السلطة، وهو ما حدث بالفعل.. وتكررت تلك المطالب فى ثورة يونيو ٢٠١٣، حيث نجحت فى إسقاط حكم الإخوان الأسود للبلاد.. وها نحن نرى اليوم ما يحدث فى الجزائر، حيث خرج الشعب الجزائرى ليعلن عن رفضه رئاسة الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة، وهو ما ترتب عليه النزول على رغبة شعبه وعدم ترشحه لفترة جديدة.
ومن هنا فإن الاهتمام بالإنسان أصبح ضرورة ملحة لكى يمكن تحقيق الاستفادة منه بالشكل الأمثل، سواء فى مجال التنمية المستدامة التى تهدف معظم الدول النامية لتحقيقها، وتأتى مصر على رأس هذه الدول.. أو لإعداده بالشكل اللازم لمواجهة محاولات تخريب البلاد وترويع العباد وإهدار المقدرات والثروات والإنجازات التى تحققها الدول، بل تجعلهم عرضة لحملات التشكيك وزرع الإحباط فى نفوسهم نتيجة حروب الشائعات التى تجيدها تلك الجماعات والعديد من الدول التى تسعى إلى زرع الفتن وإحداث الانشقاقات فى دول أخرى تهدف إلى النهوض والنمو وتحقيق الاستقرار لشعوبها وأوطانها.
لقد أصبحنا اليوم فى حاجة إلى استكمال تلك النهضة العمرانية التى تشهدها البلاد من خلال نهضة بشرية تقوم على بناء الإنسان على أساس سليم يرتكز إلى العلم والثقافة والتنوير ويزرع فى سلوكه منظومة القيم والأخلاق واحترام الذات والآخر.. ولعل الكثير من الظواهر السلبية التى تشهدها البلاد حاليًا وأخطرها الانصياع إلى الشائعات والتشكيك فى الإنجازات التى تتحقق على أرض الواقع وكذلك تأثير شبكات التواصل الاجتماعى بمختلف أنواعها على بناء هذا الإنسان وإحداث فجوة بينه وبين مجتمعه، حيث نجد هذا الشاب وقد اعتنق فكرًا تكفيريًا متطرفًا.. والآخر الذى يمارس أعمال البلطجة والتحرش.. وكذلك من يحلل لنفسه الحرام ويسعى من خلال ذلك إلى تحقيق الثراء دون أن يتأثر بأى وازع من دين أو ضمير.
أذكر هنا أنه عندما قامت الدولة بإنشاء أول حى سكنى متكامل للقضاء على إحدى المناطق العشوائية وتم تسليم الشقق بعد تجهيزها بالكامل، أن قام ساكنو هذا الحى فى أقل من شهر بممارسة نفس طقوسهم التى كانوا يمارسونها فى مساكنهم العشوائية من تعاطى المخدرات والاتجار فيها وإتلاف الحدائق الخضراء.. بل إن بعضهم قام بالنوم فى ممرات وشوارع ذلك الحى.. وعندما درسنا أسباب ذلك تبين أن الجهات المعنية قد اهتمت بتشييد تلك العمارات المتميزة وتجهيزها ولم تهتم بإعداد هؤلاء المواطنين الذين اعتادوا على الحياة فى مناطقهم العشوائية لسنوات طويلة ولم يتم تهيئتهم لتقبل تلك الحياة الجديدة.. وهو ما تم تداركه فى المشروعات الجديدة والتى كان أبرزها مشروع غيط العنب بالإسكندرية وحى الأسمرات ٢ وحاليًا حى روضة السيدة زينب، حيث تم عمل دورات توعوية لساكنى تلك الأحياء للحفاظ عليها والمشاركة فى تطويرها وحمايتها.
إننا لو نظرنا، على سبيل المثال، إلى دولة مثل اليابان التى يتجاوز تعداد سكانها ١٢٠ مليون نسمة ومساحتها أصغر من مساحة مصر، ومع ذلك لا مجاعة ولا فقر، بل هناك فائض فى الاقتصاد.. بالرغم من عدم وجود ثروات معدنية أو مزارات سياحية ولا حتى خام الحديد، ولكن اعتبروا أن هناك من هو أثمن من كل تلك الثروات ألا وهو «الإنسان» فالإنسان هو محور كل تقدم حقيقى ومستدام.. وإلا كيف نقيم تلك الشركات والمشروعات الكبيرة ولم نؤهل الإنسان للقيام بواجباته بأمانة وإخلاص فيها.. وكيف نستورد ونصنع أحدث أنواع القطارات، وسائقوها لا يقدرون أهمية وخطورة العمل المكلفين به، فنجد البعض منهم يتعاطى المخدرات، والآخر يتعمد التأخير، والثالث يهمل فى عمله بشكل أشبه بالتعمد، وهو ما قد تترتب عليه حوادث يسقط منها الأبرياء من أبناء الشعب.
وهنا لا بد أن نشير إلى أهمية سائقى القطارات الذين ينقلون يوميًا ما لا يقل عن مليون مواطن لمختلف محافظات الجمهورية.
كذلك كيف يمكن أن نطور منظومة التعليم ونحن لم ندرب المعلمين الشباب على أهمية الرسالة المكلفين بها، بل نجد بعضهم يحرضون الطلبة على عدم قبول أى تطوير فى العملية التعليمية حفاظًا على تلك الأموال الكبيرة التى يتحصلون عليها من الدروس الخصوصية؟.. نفس الأمر ينسحب على منظومتى الصحة والتعليم الجامعى وغيرهما من الإنجازات التى تسارع الدولة فى تحقيقها والتى أرى أنه من اللازم علينا جميعًا أن نسارع أيضًا فى إعداد الكوادر البشرية التى سوف تقوم على إدارة تلك المشروعات أو العمل بها حتى يتم تحقيق الأهداف المرجوة لها وتعظيم العائد منها.
ولذلك كان من المهم خلال تلك المرحلة الانتقالية التى يمر بها الوطن، والتى تشهد إنجازات غير مسبوقة فى مختلف المجالات، أن نعمل على إعداد خطط وطنية على جميع الأصعدة التى تتعامل مع العنصر البشرى، سواء فى مجال التربية الصحية أو الاجتماعية الصحيحة من خلال أسرة تزرع داخله حب الوطن وتؤهله إلى أن يكون عنصرًا إيجابيًا وفاعلًا فيه ثم من خلال تطوير مناهج التعليم بجميع مراحله وتوجهاته بما فيها التعليم، بما يسمح بإنتاج كوادر صالحة للفكر المعتدل والابتكارات العلمية وزرع روح المسئولية فيما بينهم ومفاهيم قيمة العمل والإنتاج وتنمية روح الإحساس بالمسئولية والانتماء والعطاء.. ويستكمل المسجد والكنيسة تلك المنظومة لنزع فتيل التشدد والتطرف والعنف، وذلك من خلال تنقية المواد الدراسية والخطب الدينية من مفاهيم القتل والإرهاب والتكفير والفتن الطائفية، ليأتى بعد ذلك دور الإعلام المرئى والمسموع والمقروء من خلال تلك البرامج والأفلام التى يبثها لما لها من تأثير كبير على أجيال كاملة تعيش حاليًا فى حالة من التشتت والتخبط بين ما ندعو إليه من إحياء منظومة القيم وما يشاهدونه من برامج وأفلام ومسلسلات تحض على العنف والكذب والخيانة والخداع.. والتى كان من نتائجها ما نراه ونسمع عنه من جرائم لم تكن تخطر على بالنا وهى فى حالة ازدياد مستمر للأسف الشديد، كما تفاقمت حالات التحرش الجنسى نتيجة تلك الأفلام التى تعرض الرذيلة وكأنها أمر طبيعى.. فى ذات الوقت الذى نرى بعض شبابنا يتجه نحو العنف والتطرف نتيجة غياب الوعى الدينى وتزايد سيطرة شبكات التواصل الاجتماعى التى يسيطر عليها العديد من الدول وأجهزة الاستخبارات والتنظيمات الإرهابية والتكفيرية والتى تسعى إلى تشكيك الشباب فى أوطانهم ومحاولات تجنيدهم والسيطرة عليهم، إما ماديًا أو فكريًا أو من خلال زرع بذور الكراهية بينهم وبين أشقائهم فى الوطن الواحد، بل فى البيت الواحد أحيانًا.
إن مصر تمر بمرحلة فارقة من تاريخها، ولقد حباها الله بمقدرات عظيمة لا تتواجد فى أكبر دول العالم مساحة وسكانًا.. فلدينا ثلث آثار العالم ولدينا مساحات شاسعة تسعى الدولة لتعميرها، ولدينا طموحات كبيرة أن تكون فى مقدمة الدول التى تقود العالم وهذا حقنا الطبيعى.. لا بد أن نعمل على تطوير مفاهيم الشباب والعمال والطلبة والدعاة والسائقين وكل من هو مكلف بعمل من قِبل الدولة والقائمين عليها.. وأن ننفض عنا شبهة الإهمال واللامبالاة.. وأن نقلع عن العادات السيئة التى تحط من قدرنا وقيمتنا فى المجتمع، مثل تعاطى المخدرات أو التحرش أو تعطيل العمل أو تخريب المنشآت العامة.
لن تنهض الأمم بالأبنية الكبيرة والمشروعات الضخمة الحديثة مهما بلغت أهميتها وقيمتها، إلا أن توازى مع ذلك الاهتمام بالإنسان الذى هو صانع الحضارة الحقيقى.. وهو السبب لرقى الدول والمجتمعات وتقدمها.. ولنتذكر تلك النهضة التى حققها أجدادنا الفراعنة فى الماضى البعيد والتى ما زالت تمثل لغزًا كبيرًا للمجتمعات الحديثة بكل إمكانياتها العلمية والتكنولوجية.
نعم.. الإنسان هو محور أى تنمية، وأساس أى تقدم وحضارة.. وعلينا أن نتكاتف معًا لاستكمال النجاحات التى تتحقق يوميًا على أرض الواقع من خلال رجال لديهم الوعى الحقيقى والإيمان الثابت والولاء والانتماء للوطن مهما كانت الصعوبات والتحديات التى تواجهنا.
وتحيا مصر