رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بريطانيا والإرهاب.. معادلة مربكة


حادث إرهابى جديد، ضرب مدينة «أوتريخت» الهولندية، صباح الإثنين، وأطلقت الشرطة هناك تحذيرًا من رجل تركى، قالت إنه على صلة بالحادث. ولكثير من الأسباب، ليس بينها ذلك التحذير، طبعًا، لن نقترب من ذلك الإرهابى التركى أو من جريمته وجرائم رئيسه، وسنتوقف عند سلسلة الجرائم والاعتداءات التى شهدتها بريطانيا، خلال اليومين الماضيين، أو منذ الهجوم الإرهابى الذى استهدف مسجدى مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية.

مدفوعًا بمعتقدات اليمين المتطرف، شوهد إرهابى إنجليزى، فى الخمسين من عمره، وهو يصرخ بألفاظ عنصرية، ويلوّح بأسلحة فى أحد شوارع بلدة ستانويل بمقاطعة سرى جنوب شرق إنجلترا، قبل أن يهاجم شابًا يبلغ من العمر ١٩ عامًا، بعصا بيسبول وسكين. وبعد إلقاء القبض على ذلك الإرهابى، انتشرت قوات الشرطة المحلية، فى المنطقة، لطمأنة الجاليات، وتقديم النصائح الأمنية الوقائية لهم، وناشدت كل شخص، لديه معلومات متعلقة بالحادث، أن يتصل بها على الفور. ولعل المعلومة الأكثر طرافة، كانت تلك التى نقلتها هيئة الإذاعة البريطانية، BBC، عن فنسنت سوذرلاند، الذى يعيش فى المنطقة نفسها، ووصف الرجل بقوله: «إنه مهذب، لقد كان دومًا يقول لى مرحبًا»!.

بالإضافة إلى جريمة ذلك الإرهابى «المهذب» الذى كان يقول لجاره مرحبًا، ألقت الشرطة البريطانية، صباح الإثنين، القبض على امرأة فى روشديل، القريبة من مانشستر، بعد أن نشرت تعليقات حول هجمات نيوزيلندا. والشىء نفسه، فعله شاب يبلغ من العمر ٢٤ عامًا فى بلدة أولدهام، وتم اعتقاله. وفى أكسفورد، قالت الشرطة إنها وجدت عبارات وشعارات مرتبطة باليمين المتطرف على جدران قرب مدرسة فى المدينة «قد تكون لها علاقة بهجمات نيوزيلندا». ولا تزال شرطة العاصمة لندن، تبحث عن ثلاثة رجال أطلقوا عبارات معادية للإسلام، قبل أن يعتدوا، على رجل آسيوى يبلغ من العمر ٢٧ عامًا ويصيبوه بجروح فى رأسه.

هذه الحوادث، دفعت ساجد جاويد، وزير الداخلية البريطانى، إلى حث المواطنين على «لفظ الإرهابيين والمتطرفين»، الذين يسعون إلى تقسيم المجتمع البريطانى. مضيفًا أن هذا الوقت الذى يجب أن يتحدى فيه الجميع الكراهية، والعنف والجهل، دفاعًا عن بلدهم: «نوع الدولة التى نمثلها، والتى نرغب فيها». مؤكدًا أن بريطانيا «دولة مرحبة ومتسامحة، ومتنوعة بشكل نفخر به، وتستمد قوتها من هذا التنوع». غير أن ما يثير الدهشة، وربما السخرية، هو أن جاويد نفسه، تعرض لكثير من الإساءات وللعديد من أشكال الكراهية الدينية، باعتباره مسلمًا، وهو ما دفعه مرارًا وتكرارًا، إلى التأكيد على أنه «لا دينى» أى لا يعتنق أى دين. لكنه يعترف بأن المسيحية هى ديانة دولة بريطانيا.

أضف إلى ذلك، أن جاويد، لم يكن ليصبح وزيرًا للداخلية، لولا ارتباك الحكومة البريطانية فى التعامل مع أزمة «أو كارثة» مهاجرى الكاريبى، الذى انتهى باستقالة أمبر راد، وزير الداخلية السابقة. وكانت نكتة أن يحدث ذلك الارتباك قبل أسابيع من الاحتفال بالذكرى السبعين لوصول سفينة الركاب «إمباير ويندراش» (Empire Windrush)، التى كانت تحمل الدفعة الأولى من مهاجرى دول الكاريبى، الذين لم تعاملهم بريطانيا كمواطنين كاملى الأهلية. كما لم ترحب أبدًا بالمهاجرين القادمين إليها من مستعمراتها السابقة، وكان وضعهم دائمًا مشروطًا، وخاضعًا لضوابط صارمة. ولاحظ أن بريطانيا، على النقيض من ذلك، كانت (وما زالت) تفتح أبوابها للإرهابيين، كقادة جماعة «الإخوان»، وتسمح لهم بالسيطرة على منابر المساجد وبامتلاك منصات سياسية وإعلامية، تمولها أجهزة مخابرات دول معروفة بدعمها للتنظيمات الإرهابية.

السؤال الآن: هل يمكن إرجاع الجرائم التى شهدتها، وقد تشهدها، بريطانيا إلى وجود ثغرات فى نظامها الأمنى، أو إلى حالة من الانفلات تعجز السلطات هناك عن السيطرة عليها؟!. لا أعتقد أن «نعم» هى الإجابة الصحيحة، لأسباب كثيرة، أبسطها أن تيريزا ماى، رئيسة الحكومة البريطانية، سبق أن أعلنت فى ٦ يونيو الماضى، أنها ستبذل مزيدًا من الجهد لتقييد حرية وحركة المشتبه فى كونهم إرهابيين، حتى لو لم تكن هناك أدلة كافية لمحاكمتهم. وبالنص قالت: «إذا كانت قوانين حقوق الإنسان لدينا تمنعنا من القيام بذلك، سنمزق تلك القوانين».

نحن، إذن، أمام معادلة مربكة، لأن الإرهابيين، كما قلنا ونكرر، لا يحركهم «المعتقد» فقط، بل تحركهم أيضًا، أو غالبًا، أجهزة مخابرات دول. وعليه، فإن المعادلة المربكة، ستكون أكثر إرباكًا لو عرفت أن للاتحاد الأوروبى مركزًا مخابراتيًا اسمه (EU INTCEN)، يتولى مهمة الإنذار المبكر بأى تهديدات عسكرية أو إرهابية محتملة، وأن بريطانيا، متهمة دائمًا، بأنها تحاول تخريب هذا المركز بشكل ناعم!.