رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعدام شيوخ الصحافة.. جريمة لا تغتفر


عندما بلغت سن التقاعد وانتقلت من جدول المشتغلين فى نقابة الصحفيين إلى جدول المتقاعدين، اكتشفت بكل بساطة أن من حقى انتخاب رئيس الجمهورية ولكن ليس من حقى انتخاب نقيب الصحفيين، أو أى من أعضاء مجلس النقابة الموقر، وذلك بموجب قانون نقابة الصحفيين رقم ٧٦ لسنة ١٩٧٠.
هذا القانون، وبكل بساطة أو فلنقل بكل بجاحة، أصدر حكمًا بالإعدام غير قابل للنقض أو الاستئناف على شيوخ مهنة الصحافة الذين قضوا ٣٥ أو ٤٠ عامًا فى محراب صاحبة الجلالة، قدموا خلالها آلاف الأخبار والتحقيقات والحوارات والمقالات الصحفية، وقد كان من بين هؤلاء من تتلمذ على يديه عشرات التلاميذ والأبناء، كما كان من بينهم من قامت على يديه وأكتافه صحف ومطبوعات وزعت ملايين النسخ.
أعرف أنها ليست مسئولية النقيب الجديد الذى لم يمض على انتخابه أسبوع، ولا حتى النقيب السابق، ولكن الساكت عن الحق شيطان أخرس، سواء كان نقيبًا أو عضوًا بمجلس أو حتى عضوًا بجمعية عمومية، وأنا لا أعرف كيف تم التغاضى عن الحديث عن هذا القانون «سيئ السمعة» الذى حرم صحفيين خدموا المهنة من المشاركة فى تقرير مصيرها، أو من الاشتراك فى تطويرها واختيار من يقود نقابتها، هذا القانون الجائر جعل نقابة الصحفيين أول نقابة فى العالم تحكم على شيوخ ورواد المهنة بالإعدام، وهم أحياء يرزقون.
فبموجب المادة ٣٢ من القانون، فإن حضور الجمعية العمومية للنقابة، هو حق للأعضاء المقيدين فى جدول المشتغلين، بمعنى أن الصحفى الذى يحصل على معاش النقابة ليس له حق حضور اجتماعات الجمعية العمومية، وبالتالى ليس له حق الترشيح أو الانتخاب لمجلس النقابة، نقيبًا وأعضاء ولا صوت له ولا رأى فى أى أمر يتعلق بشئون الصحافة.
وهذا أمر تؤكده المادة ٥٥ المعدلة من القانون التى تنص على أنه: تتكون الجمعية العمومية للنقابة الفرعية من الصحفيين المشتغلين فى دائرة اختصاصها الذين لهم حق حضور الجمعية العمومية للنقابة.
وبموجب المادة ٩٧ من هذا القانون فإنه «يترتب على صرف معاش التقاعد ألا يباشر الصحفى أى عمل من أعمال الصحافة، وينقل اسمه من جدول المشتغلين إلى جدول غير المشتغلين، ولا يجوز له أن يطلب إعادة قيده فى جدول المشتغلين».
وبموجب المادة ٩٩ من القانون فإنه: إذا أدلى صحفى ببيانات غير صحيحة أدت إلى حصوله على معاش التقاعد أو زاول أى عمل من أعمال المهنة بعد حصوله على هذا المعاش، يقطع عنه المعاش وتتخذ ضده الإجراءات اللازمة لاسترداد ما حصل عليه بغير حق.
ربما كان من الطبيعى أن يتم إصدار هذا القانون فى عصر كانت الصحف فيه مملوكة للتنظيم السياسى الأوحد للبلاد، وهو الاتحاد الاشتراكى العربى، خاصة أن هذا القانون ينص صراحة على اختصاصات ما كان يُعرف بوزير الإرشاد القومى، وهو منصب تاريخى سبق إنشاء وزارة الإعلام، لكن لماذا يتم قبول الاستمرار بالعمل بقانون جائر، انتهت صلاحيته رغم ما أدخل عليه من تعديلات؟.
لا توجد نقابة مهنية تصدر حكمًا متعسفًا بالإعدام على شيوخها، سوى نقابة الصحفيين المصرية، التى منعت متقاعديها من الترشح لمجلس النقابة أو لمنصب النقيب للاستفادة من خبراتهم لتطوير المهنة، بل تمنعهم من حضور الجمعية العمومية والمشاركة فى الانتخابات واختيار العناصر الأصلح لقيادة النقابة دون غرض وظيفى، والأدهى والأمر أنها تمنعهم من مجرد ممارسة المهنة، بمعنى أنه إذا ثبت أن الصحفى المتقاعد يتحصل على أجر مقابل نشره مقالات صحفية فإنه يُحرم من راتبه التقاعدى، الذى هو ليس منحة ولا هبة، بل هو حق أصيل نظير ما سدده من اشتراكات ورسوم للنقابة على مدى أكثر من ثلاثين عامًا.
هل يمنع المدرس المتقاعد من العمل فى أى مهنة أخرى، وهل يمنع المحامى أو المهندس المتقاعد من نفس الحق؟، وهل يحرم القضاة المتقاعدون من المشاركة فى انتخابات نادى القضاة؟ هذه أسئلة موجهة لنقيب الصحفيين الجديد ضياء رشوان، الذى نتفاءل به خيرًا، لأن أول تصريح له كان عن معاناة المتقاعدين ومعاشاتهم.
وليسمح لى حضرة نقيب الصحفيين الموقر، بأن أسأله سؤالًا صريحًا، هل تعرف أن السيد شحاتة المقدس، نقيب جامعى القمامة، الذى أكن له احترامًا خاصًا، ما زال يتمتع بصفة نقيب مهنته، رغم أنه توقف تمامًا عن ممارستها، ويعيش حياة المليونيرات فى فيلته الأنيقة بالمقطم؟ لماذا أُحرم من حقوقى النقابية كصحفى، فيما أننى لم أكن لأُحرم منها لو كنت عضًوا فى نقابة جامعى القمامة المحترمة الموقرة؟.