رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قهر العبيد للضعيف


مسلحون يرتدون الزى الرسمى، وآخرون بملابس مدنية، أطلقوا الرصاص على المتظاهرين، وسحلوهم وضربوهم بالعصى والهراوات، وقاموا باقتحام المنازل واعتدوا بالضرب على سكانها. وعلى حساباتهم على شبكات التواصل وضع المتظاهرون صورًا لهم أو لأصدقائهم، تثبت تعرضهم لعنف مفرط أسال دماءهم وأصاب عظامهم، وضلوعهم، وأطرافهم بكسور.
لثلاثة أيام على التوالى، تعرّض مواطنون فلسطينيون مسالمون، لا حول لهم ولا قوة، لهذه الممارسات، ليس على أيدى قوات الاحتلال الإسرائيلى، بل على أيدى قوات أمنية ومسلحين مدنيين، تابعين لتلك الحركة الإخوانية، التى تدعى أنها حركة مقاومة إسلامية، حركة حماس، التى لم تجد من يردعها على جرائم وممارسات كثيرة شبيهة ارتكبتها طوال ١٢ سنة، هى فترة سيطرتها على قطاع غزة بقوة السلاح، ضد المواطن الفلسطينى الضعيف، المكبل بقيود فصل وانعزال فرضها عليه الاحتلال الإسرائيلى و«الحمساوى»، معًا. مع أن هذا المواطن لا يطالب إلا بحقوقه المنهوبة وحريته المسلوبة.
غير عصابات القوات الأمنية والمسلحين المدنيين، كانت كتائب عزالدين القسام، الذراع المسلحة لحركة حماس، تجوب الشوارع، وتشارك هى الأخرى فى الاعتداء على المتظاهرين، وفى اقتحام المنازل والاعتداء بالضرب على سكانها. كما شملت الاعتداءات والاعتقالات أعضاء منظمات حقوق الإنسان والصحفيين خلال قيامهم بممارسة عملهم. وقاموا بتوثيق جرائم وممارسات قوات الشرطة الحماسوية، بزيها الرسمى، وعناصر المباحث والأمن الداخلى بملابس مدنية. وعناصر كتائب «القسام».
الحركة الإخوانية لم ترد على الانتقادات الواسعة والاتهامات التى طالتها من السلطة الفلسطينية، وباقى الفصائل، ولم تلتفت إلى شلالات الصور التى اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعى لمشاهد ضرب وتكسير عظام.. فقط، قال المتحدث باسم شرطة حماس إنهم تصدوا «لمجموعة من المواطنين سعوا إلى إغلاق الطرق». وربما كان الرد هو إطلاق صاروخين، على مناطق غير سكنية، فى تل أبيب، لم يتسببا فى وقوع إصابات أو إحداث أى خسائر. ما قد يعنى أن الصاروخين، مجرد «حَجَر» أرادت به الحركة أن تضرب عصفورين: تقديم خدمة كبيرة لبنيامين نتنياهو وحزبه، قبل أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية. والتعتيم أو «الغلوشة» على قمعها لسكان القطاع.
بكل تأكيد، كان يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسى لحماس، يعرف أن الإسرائيليين سيردون بقسوة، وربما اتفق معهم على ذلك، أو على إشعال حرب جديدة، كادت تشتعل بالفعل لولا قيام مصر بنزع فتيلها عبر الاتفاق الذى ضغطت للتوصل إليه بعد أن قصف جيش الاحتلال الإسرائيلى أكثر من مائة هدف فى القطاع. ولعلها نكتة أن يكون تقييم جيش الاحتلال هو أن إطلاق الصاروخين حدث عن طريق الخطأ، وأن تصف وزارة الداخلية التابعة لحماس إطلاق الصاروخين بأنه خارج الإجماع الوطنى، وتؤكد أنها ستتخذ إجراءات ضد منفذيه!. ولا نعتقد أن تلك الادعاءات الساذجة، ستصمد أمام تزامن إطلاق الصاروخين، مع دخول الوفد المصرى إلى مكتب السنوار، حاملًا الرد الإسرائيلى بشأن تثبيت اتفاق التهدئة.
فى بيان للرأى العام، بعد اجتماع طارئ فى غزة، قاطعته حركتا «حماس» و«الجهاد»، أكدت الفصائل، والقوى الوطنية «احترامها المطلق للحقوق والحريات الفردية والجمعية وحق التظاهر السلمى»، مؤكدة «إدانتها كل أشكال القمع والتعدى على الحريات والحقوق»، داعية حركة «حماس» إلى سحب القوات الأمنية والمسلحين من الشوارع والساحات العامة، وإطلاق سراح كل المعتقلين على خلفية المظاهرات الأخيرة. كما طالبت الفصائل الفلسطينية بوقف حملات الجباية وتحديد أسعار السلع وعدم تركها لتلاعب التجار. غير أن «حماس»، كعادة الإخوان، أعلنت رفضها البيان ووصفته بأنه انتهازية سياسية.
رد الأمور لأصلها، قام به على أبودياك، وزير العدل الفلسطينى، بأن قال فى بيان إن حركة حماس «قررت التخلى عن القدس، والانقلاب على مشروع الدولة الفلسطينية الواحدة الموحدة، والانفصال عن الوطن، وتقسيم الشعب، وإقامة إمارتها الإخوانية الظلامية فى قطاع غزة». ولو استوقفتك عبارة «إقامة إمارتها الإخوانية الظلامية فى قطاع غزة»، اتركها مؤقتًا، لأن وزير العدل الفلسطينى، أكد ما قاله حين أوضح أن الحركة «وأدت كل مبادرات استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام، و.... و.... ومنعت حكومة الوفاق الوطنى منذ تشكيلها فى ٢ يونيو ٢٠١٤ من بسط ولايتها القانونية وتسلم مهامها فى قطاع غزة، حتى وصلت بها إلى طريق مسدود وأوصدت أمامها كل الأبواب».
.. ولا يبقى غير أن نؤكد مجددًا أن قادة «حماس»، كعادة كل عبيد المرشد، مرشد الإخوان، لن يترددوا فى اللعب مع الشيطان، نفسه، لخدمة الجماعة أو تحقيقًا لأهدافها. كما لم يعد صعبًا على المتابعين استنتاج أن تلك الحركة الإخوانية لا تفعل إلا ما يخدم الإسرائيليين، وأنها تسعى جاهدة إلى زيادة الانقسام الفلسطينى. ولن تتردد فى مواجهة أى خطر يهدّد سيطرتها على قطاع غزة، مهما كان الثمن.