حزب الله Vs. أحمد همام

بيروت، 2 إبريل 2016

 

لا تزال يدي ترتعش، هل كان ذلك حلماً؟

من أين أبدأ الحكاية؟

عرفت فرانسوا حمية من الفيس بوك، مسرحي لبناني خفيف الدم، اتفقنا أن نتقابل عندما أصل بيروت، واتفقنا أن نتفرج على مباراة الكلاسيكو سوياً. مر عليّ في الحمرا واصطحبني لمتابعة المباراة في مقهى سويس تايم في الضاحية الجنوبية رفقة مجموعة من الشباب والصبايا..

في الطريق إلى المقهى وأثناء الدردشة كشف لي فرانسوا حقيقة غريبة:

-        اسمي منّو فرانسوا !

اسمه فراس، أما فرانسوا، فهو اسمه في حياته السابقة، عندما انتسب لأب مسلم وأم مسيحية أثناء الكرما الأولى في الأندلس! عرفت أنني بجوار مسرحي مجنون له خيال مطاط.

في الكافيه تعرفت على أصدقاء وصديقات فرانسوا/فراس: سارة وعبير وعلي وآخرين..

كنت أشجع ريال مدريد ضمن أقلية من أنصار كرستيانو رونالدو.. أمام جحافل من أنصار ليونيل ميسي الذين انفجروا متهللين مع الهدف الأول لبرشلونة برأسية جيرار بيكيه، ثم انكتموا بعد هدفي الميرينجي بمقصية لكريم بنزيمة وتسديدة للدون كرستيانو..

بعد المباراة تمشيت مع فراس وسارة وعبير، وعند أول مفترق للطرق، قال فراس إنه سيوصل الصبايا، ودلني إلى الطريق الذي علي أن أسلكه وآخذ منه ميكروباصاً حتى شارع الحمرا حيث الفندق.

في الطريق اعترضني شابان يركبان دراجة نارية، صاح أحدهما: "يا شاب يا شاب".. غير أنني قررت تجاهلهما وواصلت طريقي، فما كان منهما إلا أن اعترضا الطريق بينما يردد قائد الدراجة بعصبية: "يا شاب عم حاكيك".

هنا، انفجر مواطن شارع فيصل بداخلي، ووجدت نفسي أبادله العصبية: "وأنا مش ملزم أتكلم معاك.. هو أي حد يكلمني ف الشارع لازم أقف أرغي معاه؟".

بدت عليه الدهشة:

-        انت مصري؟

-        لا.. كرواتي... طبعا مصري.

ترجل الرجلان عن الدراجة، كانا يرتديان ملابس متشابهة، لكنني لم أستطع أن أخمن نوع عملهما بمثل ذلك اليونيفورم، لوهلة خمنت أنهما عاملا توصيل طلبات للمنازل يبحثان عن عنوان معين، لكن تراجعت وأنا أستمع لأطولهما وهو يشير إلى الشعار بالأصفر والأخضر في صدره:

-        نحنا وحدة الحماية بحزب الله.

-        وعايز إيه يا وحدة الحماية بحزب الله؟

كان ردي عصبياً، وأدركت أنه كذلك عندما تبدلت ملامح الرجل، وهو أيضاً أدرك أني أدركت ذلك عندما التمع الذعر في عيني فجأة: أنا هنا في معقل الحزب!

طلب رؤية جواز السفر، فأخبرته أني تركته في الفندق، لكني منحته بطاقة الهوية المصرية، التي لم تعن له أي شيء، غير أنه وضعها في جيبه بمنتهى الأريحية. استفسر عن سبب تواجدي هنا، فأخبرته أنني كنت أتابع المباراة على مقهى قريب رفقة صديق. سأل عن اسمه، فارتبكت لثانية، هل أقول فرانسوا أم فراس؟ لكنني بعد عملية حسابية سريعة قررت أن أقول فراس إذ يبدو الاسم لمسلم ما قد يحمل هذا الجندي الشيعي على التعاطف معي، وحتى عندما سأل عن اسمي قلت له أحمد عبد الرسول وتجاهلت أسماء مجدي ومحمد وهمام، على اعتبار أن هذا قد يدفعه للتعاطف معي بصفتي عبد للرسول ولآل البيت.

لكن لا شيء من ذلك حدث.

كل ما حصل هو أن الجندي الأطول تنحى جانباً وأجرى مكالمة هاتفية، بينما حاول الآخر الأقصر والذي يبدو أنه مرؤوس أن يهدئ من روعي، وحتى عندما أبديت اندهاشي من أن يتم توقيفي من أفراد لا ينتمون للشرطة، شرح لي برفق أنهم هم الشرطة المحلية، شرطة الأحياء الشيعية، هذا لأن الناس في لبنان كل واحد منهم يلعب في حوش بيتهم ويتولى حمايته!

عاد الجندي القائد، وطلب من زميله أن ينزل من فوق الدراجة النارية، ثم أشار بكف يده موجهاً كلامه إلي:

-        شرّف.

فقلت له إنني لن أشرّف، هذا لأن ما يحدث معي الآن غير قانوني، ثم ما أدراني أنني لست مخطوفاً؟ فكشف الرجل عن جنبية تحتضن مسدساً، وقال إنني لو كنت مخطوفاً لجئت معه تحت تهديد المسدس. وكان ذلك بالفعل تهديداً مقنّعاً، جعلني "أشرّف" على الدراجة، بمنتهى الرضا، فالتشريف على الدراجة وأنت بطولك خيرٌ من التشريف عليها بعد أن تتلقى عياراً نارياً.

احتضنته من الخلف، وانطلق الرجل يخترق شوارع جانبية وأزقة ضيقة، وبين الحين والآخر يمد يده ليتأكد من وجود مسدسه في مكانه ومن أنني لم أسحبه خلسة لأفرغه في رأسه، وهذا جعلني أستنتج أنه يشك في بالفعل، ويعتبرني شخصاً مدرباً على استخدام السلاح.

بين الحين والآخر كنت أسمع صوت رشاش آلي، فأرتعد وأشد حضني على إسماعيل، وأسأله عن الصوت فيقول باستخفاف:

-        متل عنكو بالأفلام: هااااع مين هناك؟

وصلنا إلى أرض خالية واسعة تتوسطها أربع غرف. ترجلنا عن الدراجة، وطلب مني الجندي أن أصطف بجوار شباب آخرين، كانوا كالمساجين في طابور العرض!

أشعلت سيجارة، ودخل الجندي إلى واحدة من الغرف، ومن هناك تناهى إلى مسامعي تعنيف أحدهم للجندي الذي اتضح أن اسمه إسماعيل. ثم خرج إسماعيل يتبعه رجل أصلع أقصر قامة يرتدي شورتاً وفانلة بلا أكمام ويدق وشماً على ذراعه. عن بعد عشر أمتار صرخ الرجل فيّ:

-        طفي السيجارة

أصبت بالذعر، ورميت السيجارة، ثم وقفت انبتاه عسكري، فسألني الرجل:

-        شو اسمك؟

ومن بعدها سألني في كل شيء، لمدة ساعتين، لماذا جئت إلى لبنان وما معنى ورشة كتابة وإن كنت صحفي ففي أي قناة أعمل، وحتى عندما شرحت له أنها ليست قناة وإنها صحيفة عاد وسأل:

-        يعني بأية تلفزة؟

وكنت كلما أجبته، فهمت جلياً أن الرجل ليس سوى عسكري بائس لا يعرف أي شيء، وعرفت أنني لن أستطيع أن أقنعه بأني مجرد مصري قاده حظه العثر إلى متابعة المباراة في الضاحية الجنوبية.

بعد ساعة ونصف من الأسئلة وحرب الأعصاب، وبينما أنا موشك على الانهيار، دمعت عيناي، وعرفت أنني لن أنجو، ورأيت في خيالي شاهد قبري وقد كتب عليه:

 

"هنا يرقد المرحوم أحمد مجدي همام

العين – بيروت

1983 – 2016

 

أخبرني الضابط أنه لا يراني إلا مشتبهاً به، مصري له ملامح خليجية وشعر طويل ولحية مثل الدواعش، لا يحمل جواز سفر مصري، ولا يحمل رقم صديقه الذي شاهد معه المباراة، ويتلعثم في إجابات الأسئلة، فكيف يتركني لأمضي؟ فشرحت له أن جواز سفري في الفندق وأن رقم صديقي ليس معي لأنني اتفقت معه عبر الفيس بوك. فشغّل الرجل خاصيةة الواي فاي وشبك موبايلي بالإنترنت، وفتح صندوق الدردشة بيني وبين فراس، ولحسن الحظ، لم يتنبه لاختلاف الاسم، ويبدو أن ذلك حصل لأن فراس وفرانسوا يبتدئان وينتهيان بنفس الحروف اللاتينية.

فتح الضابط صفحة فراس، فوجده قد رفع صورنا ونحن في المقهى نشيش ونرفع علامات النصر بينما نتابع اللقاء.

زفرت وطفرت من عيني دمعة. أدرك الرجل أني بريء، وأني لست جاسوساً داعشياً ولا سعودياً متنكراً في هيئة مصري، وعندما شعر بمدى جلافته مع مشتبه به بريء، سألني ممازحاً: "مين اللي ربح؟".

 

---------------------------

·         مجتزأ من كتابي "تقارير إلى سارة".. يصدر خلال أيام عن دار أثر للنشر والتوزيع.