رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قسد ترسم ملامح الحلم الكردى


ما بين مارس ٢٠١١ ومارس ٢٠١٩ ثمانى سنوات بقياس الزمن العادى.. ثمانى سنوات انتقل فيها أطفال من سن الطفولة إلى الشباب وأصبح الشباب رجالًا.. ولكنها تعنى الكثير لشعوب عربية دُمرت جيوشها ومدنها وفقدت عشرات الآلاف من الضحايا، ومئات الآلاف من الجرحى والمعاقين، والملايين من اللاجئين فى دول العام المختلفة.
بعد ثمانى سنوات كاملة من الصراع على الأرض فى سوريا ومحاولات إنهاء القتال، واتفاقيات السلام المعلن منها وغير المعلن، تكاد الصورة أن تتضح مرة أخرى، يعود الجيش السورى إلى أغلب المناطق فى سوريا معلنًا تحريرها من سيطرة جبهة النصرة ورفاقها، ومن الجيش الحر وقادته، ومن فصائل بلغت ما يزيد على المائة فصيل.. ويبقى الشمال السورى الشرقى يمثل نقطة النهاية لسيطرة تنظيم داعش الإرهابى، ومن الباغوز، الجيب الأخير لسيطرة داعش، تعلن قوات سوريا الديمقراطية «قسد» ملامح نهاية السنوات السوداء لتصبح المعركة الأخيرة لتنظيم داعش هى التى تجرى مراحلها النهائية فى بلدة الباغوز آخر معاقله فى شرق سوريا، وشهد الأسبوع الماضى موجة من الاستسلام لعناصر داعش، بدأت فرادى ثم عشرات ثم استسلم نحو ثلاثة آلاف مقاتل لقوات سوريا الديمقراطية، وكما كان عناصر داعش يمثلون هاجسًا مزعجًا للعالم وهم يحملون السلاح، تحولوا إلى هاجس مزعج من نوع آخر، فهؤلاء ليسوا فى الأغلب سوريين، بعضهم عرب وآخرون أجانب من شرق آسيا أو أوروبا، هؤلاء أصبح مصيرهم بعد الاستسلام والقبض عليهم يمثل مشكلة أخرى ربما لم تضع الأجهزة المخابراتية والدول التى صنعتهم حلا سريعا لها، فلم تكن كل هذه الجهات تحلم بعودتهم إلى بلادهم وقد تحولوا إلى قنابل موقوتة ستدمر كل ما يحيط بها.
المعركة فى الباغوز تأخذ شكلها النهائى، قوات سوريا الديمقراطية تستقبل عناصر القوات المستسلمة.. تتأكد منهم، تقوم بفرز العناصر المدنية المغادرة خشية انضمام أو اختفاء عناصر داعشية وسطهم، تفتش معسكرات إيواء الأطفال والنسوة الداعشيات وتتحمل مسئولية إطعامهم وحمايتهم. مأساة جديدة تضاف إلى ما تعرض له الشعب السورى.. آلاف المدنيين الذين ظلوا تحت سيطرة داعش لسنوات ودفعوا ثمنًا غاليًا من دمائهم وعرضهم وحياتهم يأملون فى حياة جديدة تعيد لهم ما مضى، وتعوضهم عما تعرضوا له.. أمراض تفشت ومنازل تهدمت ومساجد أحرقت وأسر تفرقت.. والمطلوب اليوم هو معالجة كل هذه المشاكل، وتزيد مشكلة عناصر داعش المأساة صعوبة، فالآلاف المسلحون من العناصر ليسوا أفرادًا عاديين بل مقاتلون تدربوا على القتال فى الكهوف والخنادق، ولديهم الاستعداد للقيام بعمليات انتحارية، وتمت السيطرة عليهم نفسيًا ومن الصعوبة عودتهم إلى سابق حياتهم بسهولة، ومن الأصعب العودة إلى أوطانهم، وهى مشكلة تواجه قوات سوريا الديمقراطية وسوريا عامة فى الوقت الحالى، وربما لسنوات قادمة. يأتى ذلك فى الوقت الذى يسعى فيه الأكراد والذين يسيطرون على ربع المساحة فى سوريا، وهى أكبر كتلة خارج سيطرة حكومة الرئيس الأسد، ويلقون دعمًا كبيرًا من قوات سوريا الديمقراطية التى تقودها وحدات حماية الشعب الكردية.. الأكراد الذين يعيش منهم الملايين فى شمال الأكراد وجنوب تركيا وغرب إيران وشرق وشمال سوريا يخضعون لظروف مختلفة، فى إيران وتركيا يطاردون، وفى العراق يحكمون منطقة تتمتع بحكم ذاتى، وفى سوريا يحاربون للسيطرة على مناطق الشرق الشمالى ويطردون داعش ويحققون انتصارات عسكرية لا بد من حمايتها بانتصارات سياسية يسعى إليها الآن ٢٧ حزبًا كرديًا عقدت اجتماعًا مؤخرًا فى شمال سوريا، تهدف فيه إلى الاتفاق على تأسيس مرجعية كردية تمثل الأكراد فى سوريا، وهو ما يحدث لأول مرة أن يجتمع ٢٧ حزبًا كرديًا على طاولة واحدة بدعوة من المؤتمر الوطنى الكردى KUK لتأسيس تلك المرجعية، الاجتماع الذى شارك فيه العديد من الشخصيات الأكاديمية المستقلة ومنظمات مدنية واجتماعية وأحزاب، منها حزب PYD، ستعلن نتائجه الأسبوع المقبل وهو يمثل الخطوة الأولى فى العملية السياسية، التى يأملون من خلالها فى دعم سياسى من واشنطن ووضع خريطة طريق ودعم لوجستى وعسكرى روسى ودعم مهم من وحدات الجيش السورى التى تحيط بمنطقة منبج، وتنسيق مع مجلس منبج العسكرى المنضم إلى «قسد»، وتبعد القوات السورية والروسية عن وحدات أمريكية تستعد للانسحاب بحوالى نصف كيلومتر استعدادًا للحلول محلها.
الدعم السياسى الذى يطلبه الأكراد دعمًا لهم ضد تركيا، التى تحاول خلق منطقة سيطرة لها فى «إدلب»، والحديث عن مناطق آمنة شمال غرب سوريا ومناطق منزوعة السلاح، الأيام المقبلة لا شك ستفصح عن كثير من التفاصيل والنتائج، وتؤكد أن مارس ٢٠١٩ فى سوريا مختلف تمامًا عن مارس ٢٠١١، وأن سوريا ستعود إلى مكانتها ربما بملامح مختلفة ولكن بقوة جديدة، لتعيد شيئًا من التوازن فى منطقة الشرق الأوسط.